[align=center]
ها أنا قد عدتُ كما وعدتكِ غاليتي
و سأُكمل ُ معكِ بإذن الله هذه الكنوز في المعرفة إن أذنتِ لي
خوفٌ يبعث الأمن
الخوف من الله تعالى ، فبقدر خوفك من الخالق بقدر ما يخاف منك كلُّ مخلوق ، وبقدر ضعف خوفك من الله ـ تعالى ـ بقدر ما تخاف أنت من المخلوقين .
وكيف للخائف أن يكون من السعداء و قلبُّه يخفق ، وأوصاله ترتجف ، وفرائصه ترتعد ؟!
إنَّه ليحسب أنَّ كلَّ صيحة عليه ، وكلَّ إشارة إليه ، فتضيق عليه الدنيا بما رحبت ، وتضيق عليه نفسه التي بين جنبيه .
وحسبُ المؤمن ربَّه !
قال تعالى : { الذين قال لهم الناس إنَّ الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم . فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل . فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله }
لُـذ إلى ركن شديد
التوكل على الله تعالى ، ثقةٌ به ، واعتمادٌ عليه ، وأخذٌ بالأسباب المشروعة لتحصيل المراد .
قال تعالى : { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي ؛ كافيه .
" قال لقمان لابنه : يا بني ! الدنيا بحر غرق فيه أناس كثير ، فإن استطعت أن تكون سفينتك فيها الإيمان بالله ، وحشوها العمل بطاعة الله عز وجل ، وشراعها التوكل على الله لعلك تنجو
وكم لصلاة الاستخارة من أثرٍ بالغ في جلب الراحة والطمأنينة لنفس المتحير المتردد الذي أفرغ حاجته عند باب ربِّه وفزع إليه ولجأ إلى خيرته الطيبة !
فإنَّ الله تعالى يعلم ما هو أصلح لعبده وأنجح لمعاشه ومعاده ، فإنه العليم الخبير ، والحكيم القدير ، والعبد عاجز فقير لا يحسن التدبير .
وأنَّى للمتشائم أن يكون سعيداً خالياً من الأحزان ، وهو يتطيَّر بالأشخاص ، والكلام ، والأيام ، والأعوام ، والألوان ، والحيوان ، والطير ، وغير ذلك ؟!
فهو في همٍّ دائم وشقاء ملازم ، لأنه يعيش التعاسة قبل حصولها ، ويتأثر بالأحداث قبل حدوثها ، ويهتمُّ بالوقائع قبل وقوعها ، عذابٌ قبل وقوع العذاب !
توكل على الرحمن في الأمر كله فما خاب حقاً من عليه توكلاً
وكن واثقاً بالله واصبر لحكمه تفز بالذي ترجوه منه تفضلاً "
الرضا بالقضاء
الرضا بالقضا خيره وشره حلوه ومره ، وهو شجرة غناَّء يتفيؤ ظلالها من علم أنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم ليكن ليصيبه ، وأنَّه لن يحدث في كون الله إلاَّ ما علمه الله وشاءه ، ولن يقع على العبد إلاَّ ما قضى الله به عليه وقدَّره له .
قال تعالى : { وكان أمر الله قدراً مقدوراً }
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : كنت خلف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوماً ، فقال : " يا غُلامُ ، إنِّي أُعلمُك كلمات : احفظِ الله يحفظكَ ، احفظِ الله تجدهُ تُجاهكَ ، إذا سألتَ فاسأَلِ الله ، وإذا استعنتَ فاستعن بالله ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمَعت على أن ينفَعُوكَ بشيء لم ينفعوكَ بشيء إلاَّ قد كتَبَهُ الله لكَ ، وإن اجتمعُوا على أن يضُرُّوك بشيء لم يضرُّوك إلاَّ بشيء قد كتَبهُ الله عليك ، رُفعتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحُفُ "
فلا حسرة على فائت ، ولا حزن على مفقود ، ولا همَّ على مستقبل ، ولا تلاوم على ما حدث ، فالسلامة من الأحزان في التسليم للرحيم الرحمن ، والرضا بالحياة تبعٌ للرضا عن الله .
فوا حزناه على من لم يرضى عن خالقه ومولاه !
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كلٍّ خيرٌ ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ، ولا تعجز ، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل : لو أني فعلت كذا وكذا ، ولكن قُل : قَدَرُ الله وما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان "
قال تعالى : {ما أصاب من مُصيبةٍ في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إنَّ ذلك على الله يسير . لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور }
لا تُطِلِ الحزن على فائتٍ فقلَّما يُجدي عليك الحزن
سيَّان محزون على فائتٍ ومُضمِر حزناً لما يَكُن
واحة الراحة :
العمل الصالح ، وهو الزاد ليومِ المعاد ، فالطاعات حدائقٌ مثمرة ، يتزوَّد منها المسافر ، وأنهارٌ سائرة يرتوي بمائها العابر، ومحطَّات مسافرة يستريح فيها المهاجر إلى اليوم الآخر .
قال تعالى : { ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً }
وقال تعالى : { من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون }
وللطاعة أثرٌ ملموس ، وواقعٌ محسوس على استجلاب السعادة ودفع الأحزان ، فإنَّ الطاعة ترضي الرَّب وتبعث الرضا في القلب ، وتشغل العبد عما يجلب له التكدير ، وليس من ذاق كمن سمع !
فمن كان من الله أقرب ، وله أطوع ، كان من السعادة أقرب ، وبها أمتع .
" كان شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يقول : من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية "
ولستُ أرى السعادةَ جمع مالٍ ولكن التقي هو السعيدُ
وتقوى الله خير الزادِ ذخراً وعند الله للأتقى مزيدُ
وما لا بُدَّ أن يأتي ، قريبٌ ولكنَّ الذي يمضي بعيدُ
" قال بعضهم : مساكين أهل الدنيا ! خرجوا منها وما ذاقوا أطيب شيءٍ فيها . قيل : وما هو ؟ قال : معرفةُ الله عزَّ وجلَّ ، فمن عاش في الدنيا لا يعرف ربَّه ولا ينعم بخدمته ، فعيشُه عيش البهائم .
نهارُك يا مغرورُ سهوٌ وغفلةٌ وليلك نومٌ والردى لك لازم
وتتعب فيما سوف تكره غِبَّه كذلك في الدنيا تعيش البهائم "
" أكل إبراهيم بن أدهم ـ رحمه الله ـ مع أصحابه كِسراً يابسة ، ثم قام إلى نهرٍ فشرب منه بكفه ، ثم حمد الله ، وقال : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم والسرور لجالدونا بالسيوف أيام الحياة ، على ما نحن فيه من لذيذ العيش وقلَّة التعب " .
و" قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله : إنَّ في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنَّة الآخرة "
اتَّصل بالملأ الأعلى:
الصلاة : وهي الواحة الوارفة الظلال ، والماء النمير العذب الزلال ، وكيف لا تكون مجلبة السعادة ومطردة الأحزان وهي صلة العبد بربِّه ، ومقام الذُّل بين يدي خالقه ، فهي أشرف هيأته ، وأكرم حركاته ، وأعزُّ قرباته .؟!
وإن المخبتين من المؤمنين في ليل العبادة ليشعرون بسعادة لو وزِّعت على أشقياء الأرض لكفتهم !
واسألوا عنها أهلها ، فلديهم الخبر اليقين !
فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" حُبِّبَ إليَّ من الدُّنيا ؛ النِّساءُ ، والطيب ، وجعل قُـرَّةُ عيني في الصلاة "
وعن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال : كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا حزبه أمر صلَّى "
قال تعالى :{ خلق الإنسان هلوعًا . إذا مسَّه الشر جزوعًا . وإذا مسَّه الخير منوعًا . إلآ المصلين }
ولو سألت من يشكو إليك من الأرق والقلق ، والهم والوهم ، والألم والندم ، والأحزان عن صلاته ـ وكان صادقاً معك ـ لأجابك أنه مقصِّرٌ فيها ، غير مكترث بها ، ولا محافظٍ عليها ، ما ذاق حلاوتها ، ولا أحسَّ بروعتها ، وإن كان من المصلين ، فصلاته حركاتٌ جوفاء قلَّ فيها الخشوع ، وضعف فيها الخضوع ، وهما روحها ولُبٌّها .
قال تعالى :{ واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلاَّ على الخاشعين }
المصدر :
كتاب / وداعاً للأحزان
تأليف :
أبي حمزة عبد اللطيف بن هاجس الغامدي[/align]