[align=center]
في هذا الزمان الذي طالت غربته ، وعظمت كربته
فأصبح الأبناء لا يرعون حقوق الآباء
والبنات لا ترحم دموع ورقة الأمهات
أُف
ما بال الكثير في هذا الزمان أصبح يقول أكثر من هذه الكلمة ؟!!
فمن الناس من يشتم والديه !!
ومنهم من يضرب والديه !!
ومنهم من يتهمهم بالفواحش والمنكرات !!
وكلنا يسمع ويقرأ عن أولئكـ الذين يقتلون آباءهم وأمهاتهم !!
طوبى ثم طوبى لمن برهما ولم يعقهما
طوبى ثم طوبى لمن أكرمهما ولم يهنهما
طوبى ثم طوبى لمن أحسن إليهما ولم يسيء إليهما
طوبى ثم طوبى لمن أسعدهما ولم يبكيهما
طوبى ثم طوبى لمن أسهر ليله وأتعب نهاره في خدمتهما
وإذا سمعت طوبى ، فهي دعوةُ لكـ بدخول الجنة .
اختلفت الزوجة مع أم زوجها خلافُ بسيط ، فقالت الزوجة : إما أنا وإما أمكـ في هذا البيت !!
فاختار زوجته على أمه وجعلها في البيت ، وأخذ تلكـ العجوز المسكينة ووضعها في زنزانةٍ تحت الدرج !!
وأمضت في تلكـ الزنزانة أربع سنوات لا يُسلم عليها ، ولا يُآكلها ، ولا يُشاربها ، ولا يدري عن حالها !!
يصعد كل يوم وينزل من على ذلكـ الدرج ولا يُسلم عليها !!
فوعظه الواعظون ، وخوفه الصالحون ..
فعندما ذهب إليها بعد أربع سنوات يريد أن يُخرجها من تلكـ الزنزانة فإذا به يجدها قد فارقت الحياة !!
وآخر يذهب إلى مدينة الرياض ، ويتركـ أمه في القرية وحيدة وقد شُلت !!
فلا تستطيع أن تُزيل الأذى عن نفسها ، فذهب إليها بعض النسوة لزيارتها ، فوجدوها ما زالت على قيد الحياة متخبطةً في أوساخها ، والدود ينخر في جسدها !!
أهذا جزاؤها بعد طول عناءها ؟!!
هل تعلمون من هم أصحاب الأعراف ؟!!
سُئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أصحاب الأعراف من هم ؟ وما الأعراف ؟
فقال : أما الأعراف فجبلُ بين الجنة والنار .
وإنما سُمي الأعراف لأنه مُشرف على الجنة والنار ، وعليه أشجار وثمار ، وأنهار وعيون .
وأما الرجال الذين يكونون عليه فهم رجال خرجوا إلى الجهاد بغير رضى آباءهم وأمهاتهم
فقُتلوا في الجهاد .
فمنعهم القتل في سبيل الله من دخول النار !!
ومنعهم عقوق الوالدين من دخول الجنة !!
فهم على الأعراف حتى يقضي الله فيهم أمره .
الله أكبر .. هذا وهم على طاعةٍ لله عز وجل ، ومجاهدين في سبيله ، ومع ذلكـ لا يدخلون الجنة بسبب ذلكـ العقوق !!
فكيف لو كانوا مثل هؤلاء العاقين في زماننا هذا ؟!!
ماذا سيكون جزاؤهم عند الله ؟!!
هل سمعتم بقصة تلكـ المرأة التي ضحت من أجل ابنتها ؟!!
إنها امرأة تركها زوجها في هذه الدنيا وحيدةُ فريدة ، ليس لها من حُطام الدنيا إلا طفلةً صغيرة علقت فيها الآمال ، وضحت من أجلها الكثير .
رفضت كل الإغراءات من أجل الزواج بها ، فهي ما زالت صغيرة . كل ذلكـ من أجل تربية هذه اليتيمة .
كانت تتأملها في كل ساعة ، وهي تنتقل من مرحلةٍ إلى مرحلة .
وتمر الأيام تلو الأيام ، وتكبر تلكـ الفتاة وتتزوج ، فتفرح تلكـ الأم فرحاً شديداً لفرح ابنتها . سكنت مع ابنتها في بيتٍ صغير ، ثم انتقلوا إلى بيتٍ آخر ، وكان ذلكـ البيت مكون من عدة غرف وساحة مكشوفة للهواء .
اشترت البنت قبل الانتقال إلى البيت الجديد قفصاً للدجاج ، تعجبت الأم !!
ولكنها سكتت .
وعندما انتقلوا إلى ذلكـ البيت ، رأت الأم ذلكـ القفص المغطى من كل جانب ، وله باب صغير !! .. رأته في الساحة المكشوفة للهواء .
فسألت ابنتها ، وقالت : يا بُنية هل هذا للدجاج ؟
قالت ابنتها : لا .
قالت الأم : إذاً ما حاجتكم إليه ؟
فردت عليها ابنتها كلمةً عظيمة تهتز منها الجبال وتتصدع منها الأرض : هي غُرفةً لكـ !!
عندها تحطمت الآمال ، وتهدمت الأماني والأحلام لتلكـ الأم .
فصُعقت وسقطت مغشياً عليها .. فما استيقظت إلا وهي في ذلكـ القفص ، وبداخله وسادةُُ ولحاف .
مُعرضةً لبرد الشتاء ، وحرارة الصيف ، والناموس والحشرات .. مدة خمسة عشر عاماً !!
الله أكبر .. ما أقسى قلب تلكـ الفتاة !!
جعلت أمها في ذلكـ القفص وحيدةُ لا أنيس ، ولا جليس !!
كانت تسمع أصوات صديقات ابنتها اللاتي كانوا معها يجلسون ، ولحديثها يستمعون ، ومن طرافتها يضحكون ، ولحسن خطابها يُنصتون .
كانت تسمعهم وهم يجلسون بحجرةٍ جوار ذلكـ القفص الكئيب ، وهم يذكرون ابنتها بالله جل جلاله . فتطرق تلكـ العجوز الباب وتقول : اسألكـ بالله أن تفتحي لي اتحدث معهن ..
فترفض تلكـ الفتاة !!
وفي ذات يوم ذهبت إليها امرأةُ صالحة لطالما جلست مع تلكـ الأم المسكينة لمناصحتها ، وعندما سمعت العجوز صوت تلكـ المرأة ، دقت الباب بشدة .. وأخذت تتوسل إلى ابنتها أن تفتح لها لتُسلم عليها . فرفضت تلكـ الإرهابية ذلكـ الرجاء !!
فانتهزت المرأة غياب الفتاة لإحضار القهوة فنظرت من ثُقب ذلكـ القفص ، فإذا بتلكـ العجوز في زاويةٍ من زوايا القفص والدموع تسيل على خدها الطاهر وهي تُسبح الله .
بكت المرأة لذلكـ المنظر الذي يُقطع القلوب .
وفي يومٍ شديد المطر كانت تلكـ الفتاة العاقة في حجرتها ، وتلكـ العجوز في ذلكـ القفص ، والصواعق من كل مكان ، والبرق والرعد ، والرياح ، والأمطار ..
أصابها الرعب ، والخوف .. نزل المطر شديداً .
وتخيلوا تلكـ الليلة على تلكـ العجوز !!
وفي الصباح خرجت تلكـ العاقة فإذا بالأجواء متغيرة ، وإذا بتلكـ العجوز مغمى عليها من الرعب ، غارقةً في مياه المطر .
أخرجوها من ذلكـ القفص ، ورأت النور والناس من جديد .
فاستفرغت من شدة البرد ، فنهرتها ابنتها نهراً شديداً . فقالوا لها : خافي الله في أمكـ .
فقالت : إنها سوف توسخ البيت !!
الله أكبر .. نسيت أنها كانت تُزيل عنها الأذى يوماً وهي صغيرة !!
وما غربت شمس ذلكـ اليوم الحزين إلا وقد أعادوها إلى قفصها على ما هي عليه من مرض !!
وما هي إلا أيام وتأتي الفتاة كعادتها لتفتح ذلكـ القفص من أجل إدخال الطعام عليها ، فإذا بها في زاويةٍ من زوايا القفص رافعةً إصبع السبابة إلى السماء ، وقد فارقت الحياة ..
فإنا لله وإنا إليه راجعون .
•مأساة أم / أحمد الشمراني .[/align]