لعل الظروف التي تمر بالأطفال في السنوات الأولى من حياتهم، وخصوصاً الفترة الواقعة قبل السادسة من العمر، تحظى بأهمية بالغة في الفكر التربوي المعاصر. لقد تسببت ظروف الحياة وتعقدها ومتغيراتها في خروج المرأة إلى العمل، إما دعماً لأوضاعها المالية، وإما مطالبة منها بمبدأ المساواة مع الرجل، وإما تحت شعار تكافؤ الفرص المهنية، وإما لإثبات الذات، وغير ذلك من الأسباب، ما جعل المرأة غير قادرة على التنسيق بين عملها وبين كثير من واجباتها التربوية الأساسية داخل بيتها، الأمر الذي أدى إلى ضرورة إنشاء مؤسسات تربوية تقوم برعاية الأطفال، وتقديم الخدمات التعليمية التي تساعدهم على النمو السليم المتكامل، وشحذ قدراتهم المختلفة وتنظيم طاقاتهم، بما يعود عليهم بالنفع والفائدة. كما أن تعقد الحياة الاجتماعية والاقتصادية جعل الآباء والأمهات غير قادرين على الوفاء بالتزاماتهم نحو بعض الأمور المهمة في التعامل مع أطفالهم، وهنا تلعب المدارس في مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي دوراً بارزاً في تهيئة وسائل التربية والتسلية وتنمية روح الاستكشاف لدى الصغار. من ناحية أخرى نجد أن الأطفال الذين يعيشون مع أسرهم في ظروف سكنية غير صحية يفتقدون الفرص السانحة التي تسمح بالحركة وممارسة اللعب في جو آمن، وهنا تكون مؤسسات مرحلة ما قبل التعليم الابتدائي ذات أهمية خاصة في توفير هذه النواحي. ذلك أن رياض الأطفال، بما تقدمه من برامج تربوية متنوعة، تسهم بصورة فعالة في تهيئة الأطفال للعمل المدرسي الأكثر تنظيماً وتعقيداً في مرحلة التعليم الابتدائي، وبذلك يمكن القضاء على كثير من العقد والمشكلات النفسية، التي غالباً ما تصاحب الأطفال عند التحاقهم بالصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية، والتي يجدون أنفسهم من خلالها في وحدة وغربة عن البيئة التي اعتادوها داخل المنزل. وقد أكدت عدة دراسات أن ما يقع للطفل قبل دخوله المدرسة يؤثر بدرجة ملحوظة على قدراته على النمو والتقدم داخل المدرسة. فعلاقات الأطفال التي تنشأ مع البالغين، والفرص المتاحة أمامهم لاكتساب الخبرات المنوعة، وحالتهم الصحية، ذلك عدا الأمن والهدوء اللذين يستشعرونهما، من العوامل العديدة التي تؤثر في قدراتهم. لكل هذه الظروف وغيرها، تهتم الدول على اختلاف مستوياتها وإمكاناتها بإنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال، وتزويدها بما تحتاج إليه من مرافق وقوى عاملة مدربة، كما تهتم تبعاً لذلك بالأسرة والتخطيط لها وتوعيتها بشؤون رعاية الأطفال، وتوفير الجو الملائم والظروف المناسبة للنمو الطبيعي للطفل.
تحياتى .