بسم الله الرحمن الرحيم
إخوتي الأعزاء أنا من سوريا وأعمل في الكويت كمدرس للغة الانجليزية منذ ست سنوات ومن خلال تجربتي ونظرتي للحياة هنا يمكنني القول بأن جميع الأفكار التي طرحها الأخوة المشاركون لم تعالج المشكلة أو تلقي الضوء على جميع جوانبها.
أولا وبعيدا عن المجاملة تمثل منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية أرضا خصبة لنشوء حضارة جديدة كالتي كانت في بلاد الرافدين أو بلاد الشام. حضارة يزدهر فيها البنيان والمجتمع المدني ولكن هذا الأمر لن يكون في فترة قصيرة عمرها العشرات من السنين بل المئات من السنين. ما يمكن قوله هنا هل يعي المجتمع العربي لهذا الموضوع. للأسف لا. فالجميع متمسك بالتاريخ القريب من دون حتى الاستفادة من الجوانب المضيئة فيه. إن ما يحصل حاليا يقود هذه الحضارة الوليدة إلى غير وجهتها الصحيحة والمسار التاريخي الذي تسلكه المجتمعات لتساهم في نشوء الحضارات. ولو رجع الدارس للتاريخ الحديث ( أقصد بعد إكتشاف النفط) لوجد أن جميع ما يحصل في المنطقة موجه لمنع نشوء هكذا حضارة أو بالأحرى لصياغتها على الشكل الذي تريده تلك القوى.
وأكثر ما يتجلى ذلك في محاربة ما يسمونه الارهاب. الحق يقال جميع المسلمين ضد قتل الأبرياء أو الآمنين والمسالمين. لكن ما يحصل هو أكبر من ذلك. فالحملة تهدف إلى:
1- ابعاد الشباب عن الاسلام واستبداله بتنعية غربية نجدها من خلال القنوات التي تزرع القيم الفارغة في الوقت الذي بدا في الشاب المسلم يتوجس الظهور بمظهر المسلم ولا يتوانى عن ارتداء ما هو متبع في الغرب.
2- ايقاف جميع المساعدات والاعطيات المالية التي كانت تقدمها دول الخليج لنشر دين الله والتي يقر الجميع بأن لها الدور الأكبر في شد عصب الإسلام المالي.
3- تهيئة المجتمع لتقبل أفكار جديدة بحيث يصبح السوق الحقيقة لكثير من المنتجات الغربية التي لا تساعد إلا على تراجع القيم الانسانية والفكر الحضاري. فعلى سبيل المثال تجد الكثير من الشباب ( العربي ككل والخليجي بشكل خاص) يدفع لقاء جهاز هاتف نقال ما يمكنه من شراء عشرات الكتب. متناسيا الحاجة الحقيقية للهاتف وهو الاتصال وليس عرض الفيديو والاستماع لللأغاني وغيرها.
4- محرابة القرآن من خلال عدم النظر إليه ككتاب متكامل سماوي عن طريق منع تدريس بعض الآيات بحجة أنها تحرض على الارهاب والقتل وكأنما كتاب الله عز وجل قانون وضعي يمكن تجزئته. وبالفعل بعد نشر هكذا أفكار يفقد الشباب المسلم النظرة التي عهدنها فيهم للقرآن الكريم.
أعود لبداية حديثي لأضيف تتمتع المجتمعات الخليجية بمواصفات تمكنها من انشاء حضارة مدنية هائلة على مستوى من الرقي والازدهار فريد من نوعها عبر التاريخ. ولكن هل صحيح أن الجنسيات الوافدة تساهم في عرقلة هذا الأمر. طبعا لا ولست أدافع عن نفسي إذ أن الأمر ليس كما صوره البعض على أنه كسب للمال فقط. الحق يقال أننا جئنا بقصد العمل وهناك فرق كبير بين الحالتين. على كل حال. يا أخي العزيز لونظرت إلى تاريخ البشرية وتكوين المدنيات عبر التاريخ لوجد ما يسما العنصر الوافد. فابن سينا كان وافدا على المنطقة وكذلك الخوارزمي والنيسابوري وإلى من هناك من العلماء المسليمن. كما لو أنك نظرت إلى آخر قوة عظمى في العالم وأقصد أمريكا لوجدت أن أمريكا لا تسمي الوافد بهذا الاسم بل ما كان لأمريكا أن تكون ما هي عليه من القوة لولا قبولها للأفارقة وتحريرها لهم وقبول جميع المهاجرين من جميع الدول وصهرهم في مجتمع واحد.
الفكرة في هذا القول هي لماذا لا تنظر المجتمعات الخليجية للوافد على أنه يمثل شريحة ممتازة من بني قومه . فلو راجعت الشروط التي تضعها الحكومة الكويتية لقبول المعلم القادم من سوريا للعمل هنا لوجدت أنها تختار نخبة النخبة. على حد علمي في إحدى السنوات تقدم ما يزيد على 2560 معلم للعمل في دولة الكويت وبعد مراجعة أراقهم و شهادتهم وإجراء المقابلات معهم تم قبول 36 مدرس فقط.
إذن إن كان الأمر كذلك وأن هذا الوافد قدى أتى بناءا على الحاجة لخدماته التي وضعت شروطها وفقا لذلك فلم نبقى على هذا التمييز. وعليه يعتبر هذا الأمر أحد أسباب الذهاب بهذه الحضارة الوليد بعيدا عن مسارها التاريخي.
أما بالنسبة للشباب الخليجي فهو يتمتع بكثير من الصفات التي تجعله قادرا على تحمل المسؤولية ومتابعة المسيرة لكن من واقع عملي اول أن هناك تقصيرا في مجال التربية فلازلنا نتعامل مع وزارة التربية في جميع دولنا العربية على أنها قطاع استهلاك لا قطاع انتاج. وهنا تكمن المشكلة أيضا. فالتربية بحاجة إلى نهضة حقيقة تلبي الهدف الأساسي وهو رعاية هذا الحضارة الوليدة.
أما فكرة السعودة أو التكويت فهي أفكار صحيحة ولا بد من تطبيقها ولكن بخطا مدروسة وثابتة
الأمر الذي يتيح للمؤسسات التربوية تخريج كوادر وأجيال تؤمن بفكرة الحضارة الوليدة وتتفانى في خدمتها.