تاابع ..
مُذكرات إرهابي .. الورقة الأولى ..
الثانية
-الورقة الثالثة -
التحقت بجوالة الجامعة، بعد أن وصلت سمعتها ونشاطها إلى أكثر الطلاب داخل الجامعة وخارجها. كانت الجوالة تأخذ ميزانية ضخمة من الجامعة ولها مخيمات خارج الرياض وفي بعض المدن كالطائف وأبها. لم أكن أُحسن التمثيل ولكن ليس التمثيل وحده هو الذي تقوم به الجوالة؛ الناس يعرفون التمثيل أكثر لأن الجوالة تعمل حفلات كثيرة في مسرح الجامعة وتقدم عروضا مسرحية للجمهور؛ وكانت تلك المسرحيات تقوم على فكرة إسلامية تتعلق إما بالجهاد ضد الدشوش التي انتشرت في تلك الفترة، أو بالكشف عن الأفكار العلمانية في الجامعة ومطالبة الجامعة بالتدخل؛ وبعض تلك المسرحيات تصور مجتمعنا بأنه مجتمع جاهلي لافرق بينه وبين العصر الجاهلي سوى هذه الآلات المستخدمة ولكنه من حيث التدين جاهلي. وهذه الأفكار منتشرة بقوة لدى الجوالة وأعضائها وفيما بعد في مكتبات المساجد التي اشتركت فيها؛ حتى أنني كنت حينما أسافر لزيارة أمي أظل أفكر بأنني شخص مختلف عن هذا المجتمع وأتعاطف مع أمي المسكينة بأنها جاهلية في عقيدتها وحاولت أصحح لها طريقة السجود وطريقة الجلوس بين السجدتين فهي لاتجلس بينهما ولكنها لم تأبه بكلامي.
كنت مؤمناً بقوة بأنني شخص أنتمي إلى مجتمع آخر ليس هذا المجتمع بكل تأكيد، كنت أحلم بدولة إسلامية تقام فيها الخلافة الإسلامية كما كانت في عهد الرسول والخلفاء الراشدين؛ وكنت أمنّي نفسي بخيالات أرى فيها زوال هذا المجتمع بحكومته وناسه الراضين بهذه الجاهلية. يظهر لي الآن وأنا أتذكر حالي أن هذه الأفكار قد تسربت إلي بعد قراءة كتب سيد قطب كمعالم على الطريق وغيره والإدمان على كاسيتات سلمان العودة وناصر العمر والطريري. لقد كنا نتصور أن وجودنا مؤقت وأن الأمور سوف تتبدل بلاشك، ولو أن حكومة طالبان ظهرت في ذلك الوقت لهاجرت إليها بلاتردد؛ فقد كانت تمثل لنا الأنموذج الكامل للدولة الإسلامية.
ومن المواقف لتي لاتُنسى هي أننا قمنا بحملة ضد العلمانيين في الجامعة من الدكاترة، وكنا نتزود بأسمائهم كل يوم والقائمة تطول ولكن من أشهر من كان عليها: د/سعد البازعي من قسم اللغة الانجليزية، ود/عبدالله المعيقل من قسم اللغة العربية، و محمد العثيم من قسم الإعلام، ود/أحمد العويس ود/عبدالله الجريان من قسم الكيمياء، ود/عبدالله الغذامي من اللغة العربية، ود/ محمد أل زلفة من التاريخ ود/ سعد الصويان من علم الاجتماع ود/ علي الدغيمان السرباتي ود/محمد قلعة جي من قسم الدراسات الاسلامية، ود/ عبدالرحمن الأنصاري من قسم الآثار؛ وغيرهم.
كان هناك عدد من الطلاب يحضرون هذه المحاضرات ومعهم مسجلات صغيرة يسجلونها، وهناك مدرسون متدينون يحضرون لحضور محاضرات هؤلاء؛ لأن نظام المحاضرة كان مفتوحاً للجميع. وكنا نقوم بكتابة شكوى إلى مدير الجامعة وإلى الشيخ ابن باز ضد هؤلاء لأنهم يعلمون الطلاب الفكر العلماني؛ وكان هناك البعض يقترح ضربهم بعد الدوام، وبالفعل تم ضرب أستاذ مصري في قسم اللغة العربية وأحرقت سيارته. وعلمت فيما بعد أن الدكتور الجريان قد اختفى عن أهله من سنوات ولاأحد يعلم عن مصيره شيئا ولاأدري فإنني أرجح أن أحداً قد خطفه ثم قتله في جبال طويق، فهو يُصرّ على الحديث عن نظرية التطور؛ وكان مدرس في ثانوية النجاشي (ابن باز لاحقا) ثم صار مدير ثانوية فيما بعد يُسمى إبراهيم الربيعة كان يحضر له وقد هدد الدكتور بالقتل. ولاأدري الآن هل عثر على الدكتور الجريان أم أنه ظل مجهول المصير؟ وهناك دكاترة آخرين قد غيروا من نهجهم وصاروا مع المتدينيين كالبازعي والصويان وال زلفة والسرباتي كما طرد آخرين كقلعة جي.
من خلال الجوالة تعرفت على عدد من المدرسين في المدارس المتوسطة والثانوية الذين يحضرون للمشاركة معنا وجلب طلابهم إلى المخيم للالتقاء بالعلماء من مثل: القرني والطريري والعشماوي وآخرين. ومن خلال هؤلاء المدرسين دعوني لأكون ضيفا في حلقاتهم المدرسية التي تعقد في المدرسة بعد الدوام. كانت تجربة ثرية لي حينما حضرت إلى ثانوية الملك فهد بحي الروضة لأكون ضيفاً عند مدرس الدين الشيخ وليد، وكان البرنامج عبارة عن قراءة للقرآن ثم تفسير له من قبل المدرس، بعد ذلك يقوم الطلاب بلعب كرة ثم يعودون لصلاة المغرب، وبعد الصلاة نستمع إلى محاضرة عن طريق الكاسيت ويدور بعدها نقاش حتى صلاة العشاء ثم يأتي دوري لمحاضر أتكلم بموضوع معين حتى يأتي العشاء؛ وكان موضوعي الذي أعددته عن "تحية الإسلام" وبينت من خلال محاضرتي أن استخدام أي عبارة أخرى مخالف للمنهج الإسلامي لأننا ينبغي أن نعيش كالصحابة والتابعين ونسلم على كل أحد حتى لو لم يرد فقد كسبنا الأجر، ثم يجب الرد بالسلام على من ألقى تحية غير إسلامية لتعليمه بخطئه الشرعي. وأذكر أن الطلاب ذكروا أسماء معلمين لايسلّمون عليهم فطلبنا منهم أن ينبهوهم لذلك عن طريق قول "وعليكم السلام" لكي يشعر المعلم بخطئه فإن أبى فلا بد من الإنكار عليه. وبعد العشاء تفرق الطلاب.
كانت هذه التجربة مُحببة لي لهذا استجبت لدعوة مدرسين آخرين في متوسطة ابن الجوزي بالروضة ومتوسطة فيصل بن تركي بحي الملك فهد ومتوسطة العليا ومتوسطة ابن القيم وثانوية القادسية وغيرهن.
يتبع ... تاااااابعونا ..