[align=center]مشائخنا الأجلاء ... شكرا على هذه الخطوة
موقف مشائخنا الأجلاء من قضية عضل النساء والذي عبروا عنه قبل أيام أثلج صدور الكثيرين من نبلاء الرجال قبل النساء. إنه موقف تتجلى فيه الجرأة في الحق ولو على حساب عادات وتقاليد اجتماعية متوارثة وراسخة لا يقرها الدين وتمس كرامة المرأة وحقوقها التي كفلتها لها شريعتنا الغراء. فالقوامة التي استغلها البعض أبشع استغلال للحط من كرامة المرأة وسلب حقوقها ليست مطلقة وانما تخضع لضوابط شرعية لابد من مراعاتها وصيانتها، ومشائخنا الكرام هم حراس تلك الضوابط وهم من يحول دون انتهاكها.
كم من فتاة حرمت من حقها في الزواج بسبب ولي لا يخاف الله. وكم من فتاة أكرهت على الزواج من انسان لا تريده فجاءت النتائج مأساوية نسمع عنها الكثير. وكم من زوج سكير وعربيد يستغل عاطفة الأمومة لدى الزوجة كي يهددها بالبقاء مكرهة في ذمته أو الحرمان الأبدي من رؤية أطفالها. وكم من زوجة هجرها الزوج مع أطفالها وتركها تتجرع مرارة الحزن والألم لتقف عاجزة عن تلبية أبسط متطلبات هؤلاء الأطفال ناهيكم عن متطلباتها. وكم من أرملة حرمت من حقها في الميراث تحت تهديد إخوة الزوج. وكم من زوجة تستصرخ نبلاء الرجال لمساعدتها في اقناع زوجها الرافض لإلحاق بناتها في المدارس. وكم من مطلقة تستجدي طليقها الحصول على بطاقة العائلة لإلحاق أطفالها في المدارس بينما هو يماطل ويرفض الاستجابة من باب العناد والثأر. وكم من زوجة خدعها الزوج بمعسول الكلام ليستولي على ممتلكاتها دون وجه حق ثم يتنكر لها ويرميها بعد ذلك في أحضان المجهول.
أنا لا أعمم هنا، فالأخيار في مجتمعنا كثيرون ولله الحمد، لكنني أشد على يدي مشائخنا الكرام لتطبيق شرع الله الخاص بحقوق المرأة وإيقاف مسلسل الاتهامات التي يتعرض لها ديننا الحنيف بسبب تصرفات البعض المخالفة لتعاليمه السمحة التي جعلت أخير الناس أخيرهم للمرأة ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) ( استوصوا بالنساء خيرا ).
في هذا الصدد يشير الأستاذ يوسف الجبر في بحث له إلى بعض أوجه معاناة المرأة في مجتمعنا فيقول: تتعرض بعض النساء لألوان شتى من الظلم الاجتماعي، والقهر المادي، والتعدي على كرامتها وإنسانيتها من ضعفاء النفوس، وتتعدد قضاياها في جميع الميادين وخاصة في باب الأحوال الشخصية، وعندما يضيّق عليها، وتفقد رصيدها من الصبر، وتيأس من الحلول الودية، تمضي في طريقها إلى المحاكم الشرعية تنشد العون على النجاة من نيران الامتهان والاحتقار، ولكنّ المفاجأة أن البعض من النساء تشعر من الوهلة الأولى أن الأجواء غير مهيأة لها لتطالب بحقوقها، فالخوف يدب في أوصالها من الخطوات الأولى في طريق المطالبة، وتُلحظ المرأة تسير خلف معرفيها بحذر، خشية الضياع، وعندما تصل إلى المكتب القضائي المطلوب تجد زحاماً كبيراً من الرجال ونظرات الفضوليين، ويومأ إليها أن تتجه إلى مختصر النساء حيث تنعدم غالباً أبسط مقومات الحياة، وتظل حبيسة الجدران حتى تسمع صرخة مدوّية من المعرّف طالباً منها الحضور أمام القاضي أو كاتب العدل، فيعروها خوف كبير، حتى إذا بلغت المنزل القضائي نسيت كل ما تريد قوله، وتحولت إلى مخلوق فاقد الذاكرة، لا يعرف إلا تحريك الرأس بالموافقة على أي إجراء يخلصها من هذه المواجهة. ورغم الجهود المبذولة من بعض القضاة الكرام في تخفيف الوطأة عليها فيبقى أن هول الموقف أكثر تأثيراً من أي كلمة طمأنة! وبعد خروج المرأة من هذه الأجواء، واستدراكها لحالها تشعر بالضيم، والندم على ما قامت به من تنازل عن حقها، أو عدم جرأتها في المطالبة، أو قبولها بصلح مضر بمستقبلها، أو مستقبل أولادها.
ويرى الجبر إن هذا الموقف يتكرر كثيراً في الجهات القضائية، ويصاحبه جهل تام بطرق كسب الحقوق المشروعة، وكذلك صدور أحكام قضائية في الدعاوى النسائية وخاصة في موضوع الأحوال الشخصية تحتاج إلى إعادة نظر في ظل وجود آراء أكثر قوة، وأرجح مصلحة، وأيسر في التطبيق، وأسهل تقبلاً في عواطف المرأة ومشاعرها. وحتى إذا صدر الحكم القضائي لصالح المرأة المظلومة، وشعرت بالرضا الكبير، وسرت روح الانتصار في نفسها، فتبرز مشكلة صعوبة تنفيذ هذا الصك الشرعي الذي بيدها، حيث تكلف المرأة في الجهات التنفيذية بتسليم الخصم خطابات الحضور، ويبدأ مشروع المماطلة من قبل أولئك، والتخلف عن حضور المواعيد، ويوازيه مشروع تهديد متقن للمرأة فيما إذا أصرت على تنفيذ الحكم الذي بيدها، ويتضمن أنه لن ينفعها أحد إذا حدث المكروه!! وكثيراً ما يلتزم الخصم بالتنفيذ الآني أو الجزئي، ولكنه يماطل في مواقف المستقبل القادم، ومع الصفعات المتتابعة، والإرهاق المحموم تستسلم المرأة في نهاية المطاف، وتتوقف عن الاستمرار في هذه المعاناة الأليمة.
ويضرب الجبر بعض الأمثلة التي تحكي صوراً من معاناة المرأة في مجتمعنا ومنها:
1- عندما تطالب المرأة بتزويجها لكون والدها عاضلاً لها،ويرد الخطّاب من غير مبرر،فهنا يطلب القضاة منها إحضار وليها للنظر في هذه الدعوى، ومن المعلوم أن هذا الأمر يعني فشل مشروع خلاصها من حياة الذل والاستعباد، والتمتع بحياة زوجية سعيدة وعفيفة ، وكان المتعين هو توفير حماية لها، وإحضار أوليائها بالطرق الرسمية.
2- عندما تطالب المرأة بالخلع بسبب الإضرار،أو العنف البدني من الزوج، أو تعاطيه المحرمات كالمخدرات، فهنا تكلف المدعية من قبل المحكمة بتوفير البينات على صحة دعواها، وأنّى لها ذلك؟ فالقضايا الزوجية تكتسب صفة السرية،والبعد عن الأنظار، وهنا تتساءل: لماذا لا توجه المحكمة الجهات المختصة بالفحص على الرجل، وتحليل دمه، ولماذا لا تعد الآثار على بدن الزوجة بينة قوية؟ ولماذا لا ينظر في إيجاد حلول لهذا المأزق ألثبوتي؟.
3- تمكن المنتفعين من ابتزاز المرأة، فعندما يتوفى زوج المرأة يأتي أقاربه إليها في فترة الحداد والأحزان، وتساق إلى المحكمة من غير مقاومة تذكر، لتقرر تنازلها عن الولاية على أطفالها القصّر لصالح عمّهم، أو غيره، ثم تنقل إلى كتابة العدل لتصنع وكالة عامة تشمل كل ما ييسر للمنتفع سلب مالها، وهي تحت سلطان الخوف والرهبة، والنتيجة فقدان الثروة ومشروع ابتزاز كبير!! وهنا يطرح تساؤل ساخن: لماذا لا توضع قيود وضوابط تحمي المرأة من مثل هذا الابتزاز؟؟.
4- كثيراً ما تحضر امرأة مكان صاحبة الحق لتتنازل، أو تقر، أو توكل، وتعطي شرعية للظلم البشري! ووبعد بحث طويل إن قضية التوكيل، وحضور من يمثل المرأة دائماً ، والتساهل أحياناً في قبول من يتكلم على لسان المرأة قد أضرت بقضايا المرأة وحقوقها، فليس كل وكيل يعد صالحاً أميناً، ولذلك رأينا في الواقع بعض النساء تستخرج الوكالة العامة لقريب لها، وتتضمن التنازل، والتصرف بالبيع والشراء، واستلام الأموال، فيتحقق لضعيف المروءة ما يريد من سلب مال المرأة، والاستيلاء على مقدراتها، وربما اتفق مع أخصامها على أمور تضر بها. وعلى كل ذلك حوادث وقصص يعرفها الناس. وقد ورد في إحدى صحفنا المحلية تحقيق يتضمن أنه تنظر عدد من الدوائر الشرعية بإحدى مناطق المملكة في عدد من القضايا المرفوعة من نساء ضد أولياء أمورهن خاصة الأزواج، بسبب استغلالهن، والنصب عليهن، والحصول على توكيل عام دون علمهن، بعد انتحال أخريات أسماءهن باتفاق مع الولي طمعاً في رواتبهن، أو ميراثهن. وقال مصدر قضائي: إن عدد الدعاوى المرفوعة من هذا النوع بلغ 1250 قضية في تلك المنطقة وحدها، أغلبها ضد الزوج، ويليه الأخ الأكبر، وإن هذه القضايا منتشرة في أنحاء المملكة، ولم يبت فيها نظراً لغياب المدعى عليه"الزوج"، أو عدم حصول الجهات الرسمية على عناوين النساء اللائي استخدمن، أو استؤجرن لانتحال شخصيات المجني عليهن، وأشار المصدر إلى أن المرأة تتعرض لسلب ميراثها بنفس الطريقة التي يتم بها سلب رواتب الموظفات!!
5- تعرض المرأة للعنف البدني، والإيذاء النفسي، إذ كثيراً ما يقوم الزوج المتخاصم مع زوجته بفضح زوجته أمام الناس عند باب مدرستها وأمام طالباتها، ولا تبقى كلمة في قاموس الكلمات النابية إلا استعملها.
6- يحدث أحياناً أن يكون لدى المرأة حكم شرعي برؤية أولادها كل أسبوع،
أو زيارتهم لها في بيتها، فإذا جاء موعد الزيارة قام الأب المطلق بالسفر مع
أولادها إلى مدينة أخرى نكاية بها، وفي العطل الكبيرة قد يسافر معهم لفترة
أشهر، وتبقى المرأة متحيرة، ويتماوج في أعماقها حيرة وألم، وتتساءل عن
جدوى هذا الحكم الشرعي الذي لا ينفذ.
تلك هي أبرز مشاكل المرأة في مجتمعنا ونتمنى على مشائخنا الأجلاء وقضاتنا
الأعزاء أن يلتفتوا إليها والعمل على معالجتها تطبيقا لشرع الله وحماية للمرأة
من ضعاف النفوس ... هذا وللجميع أطيب تحياتي.[/align]