[align=justify]المستقبل ... حقيقة غائبة عن الذهنية العربية؟
أتابع الحوارات والكتابات الفكرية في عالمنا العربي سواء من خلال المحاضرات والندوات والمؤتمرات ووسائل الإعلام أو من خلال البحوث والدراسات ورسائل الماجستير والدكتوراة بالجامعات فأجد أن الماضي – والماضي فقط – يلقي بظلاله على جل تلك الحوارات والكتابات. وكثيرا ما أسأل نفسي: وماذا عن المستقبل؟ لماذا لا يكون له نصيب من تلك الحوارات والكتابات؟ ولماذا يصنع الآخرون معالم المستقبل بينما نحن نقف متفرجين على هذه المعالم وبقينا أسرى الماضي الذي يستنزف منا الأموال والجهود والأوقات وكل مفردات السب والشتم واللعن والتناحر والتطاحن والتفرقة؟.
أين دورنا كعرب في صناعة مستقبلنا ومستقبل البشرية؟ ولماذا نجعل أبناءنا وبناتنا يعيشون في غربة عن المستقبل الذي يصنعه لهم الآخرون ثم نلومهم بعد ذلك على الإندماج فيه والاستفادة من معطياته باعتبار أن ذلك من باب التنكر للماضي التليد الذي لازلنا نتغنى به ونتوقف عنده وهو لا يؤكلهم ولا يؤكلنا عيشا، ولا يلبسهم ولا يلبسنا ثوبا أو حتى حذاء أكرمكم الله؟. ألا نخشى أن يؤدي ذلك إلى قطيعة تامة بين أبنائنا وبناتنا وأحفادنا وبين هذا الماضي في مستقبل الأيام لأنه ببساطة لا يوفر لهم أبسط مقومات حياتهم اليومية؟.
ليس عيبا أن نعتز بماضينا، بل إن كل الأمم والشعوب تعتز بماضيها لأنه رمز أصالتها، لكنها على العكس منا نحن العرب، لم تتوقف عند هذا الماضي لتلوك أحداثه ووقائعه وتتصارع حولها وتوظف كل طاقاتها وإمكاناتها من أجله، بل انطلقت منه إلى آفاق المستقبل ورسم معالمه في كافة الميادين.
لقد أنهكنا البحث في الماضي وفرق شملنا كأمة وشتت كلمتنا وفرق وحدتنا، ورغم ذلك لم ولن نصل إلى اتفاق بشأنه، في حين تتنافس الأمم الأخرى من حولنا في الشرق وفي الغرب لصناعة مستقبل البشرية. فأمم الماضي عاشت ثم بادت، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ولن نتمكن نحن من إصلاح ما جرى بينها من خلافات واختلافات، بل إنه من العبث السعي في إصلاحه، ثم ماذا نستفيد من إصلاحه أصلا؟.
المستقبل حقيقة زمنية، وسوف تجد أجيالنا المستقبلية نفسها مرغمة على التعايش معه والتفاعل مع معطياته شئنا أم أبينا، ومع ذلك نتجاهله ولا نلقي له بالا وكأنه لا يعنينا أمره، بل هو من شأن الأمم الأخرى.
ليت صراعاتنا الفكرية تدور حول معالم هذا المستقبل وكيفية رسمها، وليت أموالنا وجهودنا وأوقاتنا وبحوثنا ودراساتنا وجامعاتنا ومحاضراتنا وندواتنا ومؤتمراتنا تنصرف نحوه وتجعل منه بؤرة اهتماماتها بدلا من الإرتكاس في أحضان الماضي كما نفعل الآن.
أي مستقبل ننشده لأبنائنا وبناتنا وأحفادنا؟ وما هي معالمه؟ وكيف نرسمها؟ هذه أسئلة ملحة تطرح نفسها علينا وتستدعي البحث والدراسة والحوار من أجل الإجابة عنها، لكنها رغم أهميتها إلا أنها للأسف لا تزال بعيدة كل البعد عن اهتمامات الباحثين والدارسين والمثقفين والجامعات وصناع القرار في عالمنا العربي.
من الطبيعي، والحالة كذلك في عالمنا العربي، أن ينساق أبناؤنا وبناتنا خلف معطيات ثقافات الغرب والشرق لأنها الأقدر على تلمس احتاجاتهم وتلبيتها، بينما ثقافتهم الأصلية لازالت تتغنى بأمجاد الماضي ولا تقدم لهم البدائل. ومن المتوقع أن يحدث المزيد من التباعد بينهم وبين ثقافتهم الأصلية بمرور الزمن والإنغماس أكثر في ثقافات الشرق والغرب لأنها ثقافات حية وديناميكية، ولأنها الأقدر على صناعة المستقبل وتوفير متطلباته.
إحياء الماضي ونبش أحداثه والصراع حولها ليس هو الحل لأزمتنا الحضارية الراهنة، بل الحل يكمن في إقامة مراكز البحث العلمي التي تعنى بالمستقبل ورسم معالمه من أجل أجيالنا المتعاقبة، ورصد الأموال الطائلة وبذل الجهود الكبيرة والأوقات الطويلة وإعداد الكوادر المؤهلة في هذا السبيل.
كم هو رائع ذلك الشاعر الكويتي وهو يشخص حال أمتنا العربية في بيتين من شعره النبطي حين قال:
الغرب يصنع طائرات وصواريخ .......... والشرق الأوسط ضاع نفطه بلاش
حطوا لهم في صفحة العلم تاريخ .......... وحنا بماضينا نعيــــــــــد النقاش
نعم إنه العلم ومراكز البحث العلمي وتمويلها هي أساس نهضتنا، وبدونها سنظل نراوح مكاننا لنعيش نحن وتعيش أجيالنا المستقبلية على موائد الشرق والغرب في حالة من الإنبهار والهزيمة الحضارية والإغتراب عن المستقبل ... فهل نتحرك بعد أن فات الأوان؟ هذا هو المأمول ... وللجميع أطيب تحياتي.[/align]