[align=center]من المسؤول
طفل لم يتجاوز عمره العشر سنوات خرج للتو من مدرسته وركب الباص مع زملائه وما أن دخل الباص المجمع السكني حتى أخرج هذا الطفل رأسه من نافذة الباص ليطلق أقذع العبارات التي أخجل من ذكرها لبشاعتها بحق طفل آخر كان يمشي على الرصيف الجانبي.
أما من الجهة الأخرى للباص فكان هناك طفلان يخرجان رأسيهما من نافذة الباص ويبصقان على المشاة من العمالة الوافدة العاملة في نفس الحي السكني ويطلقان عبارات بذيئة بحق هذه العمالة.
يا إلهي ... لقد صعقت بالفعل حين شاهدت هذه المناظر المقززة وسمعت تلك الكلمات النابية فتساءلت مع نفسي بحرقة: ترى من أين تعلم هؤلاء الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم سن العاشرة تلك العبارات والمفردات القذرة والبذيئة؟ وهل يعون فعلا معنى ما يقولون؟ وأي تربية أسرية تخرجوا منها؟ وماذا يتعلمون في مدرستهم التي خرجوا منها للتو إذا كانت هذه هي النتيجة ؟
من المسؤول يا ترى عن مثل هذه السلوكيات لدى هؤلاء الأطفال؟ أهي الأسر التي ينتمون إليها؟ بالتأكيد أن الأسرة مسؤولة في المقام الأول عن تربية أبنائها التربية السليمة. لكن من أين استقى هؤلاء الأطفال تلك العبارات الجنسية البذيئة وهم في مثل هذه السن؟هذا هو السؤال الكبير الذي يجب أن نبحث له عن اجابة؟.
وإذا كانت الأسرة في غفلة عن أبنائها فأين دور المدرسة التي خرجوا منها للتو؟ لماذا لم تلعب دورها في تشذيب شخصيات هؤلاء وتعليمهم أصول التعامل الجيد مع الآخرين واحترامهم.
شيء مؤلم بالفعل أن يصل الحال ببعض أطفالنا إلى هذا المستوى العالي من العفن اللفظي والعنف السلوكي. ومن المؤكد أن أمثال هؤلاء سيؤثرون على بقية زملاءهم في الباص وفي المدرسة، إذ غالبا ما تؤدي التفاحة الفاسدة إلى فساد التفاحات المجاورة لها لتستمر حلقة الفساد والإفساد حتى آخر تفاحة في الصندوق.
هذه المناظر المؤلمة يجب أن نتوقف عندها للتفكير في مكامن الخلل في العملية التربوية سواء في الأسرة أو في المدرسة. فالأسرة التي فقدت دورها التربوي والرقابي والإشرافي على أبنائها يجب أن نصدمها بمثل هذه الوقائع المؤلمة لعلها تعود إلى وعيها من جديد وتدرك حجم الخطر الداهم. ومن هنا يبرز دور الإعلام في رصد هذه الوقائع وتنبيه الأسر إليها وتوعيتها بأصول التربية السوية.
أما المدرسة وهي الجهاز الرسمي المخطط والمدروس لتحقيق أهداف تعليمية وتربوية نبيلة فيجب أن تتخلى عن دورها التلقيني الفج والممجوج لتمارس دورها المطلوب تربويا. وإن فشلت الأسرة في القيام بدورها التربوي فلا ينبغي أن تكمل المدرسة هذا الفشل أو أن تتفرج عليه وتقف مكتوفة الأيدي أمامه، بل عليها السعي إلى إصلاح مكامن الخلل عبر منهج تربوي سلوكي يدعم السلوك الإيجابي لدى أطفالنا ويحد من السلوكيات السلبية والعنيفة لدى البعض.
نعم لقد هالني ما رأيت وأفزعني ما سمعت من كلمات بذيئة تنطلق من أفواه هؤلاء الصغار بحق الآخرين. فلو كان هناك استشعار حققي للمسؤولية التربوية من قبل الآباء والأمهات والمعلمين لما وصل الحال ببعض أطفالنا إلى هذا المستوى المتدهور من الأخلاق. وأيضا لو كان هناك دور إشرافي ورقابي ومتابعة مستمرة للطفل في البيت والمدرسة وتعاونت هاتان المؤسستان وتواصلتا معا لما حدث ما حدث. فبالأمس مجموعة من طلاب إحدى المدارس بالمنطقة الشرقية يخرجون من مدرستهم ليقذفوا سيارات المارة بالحجارة ويتسببوا في تدمير بعضها، واليوم وفي مدينة الرياض تحديدا يخرج الأطفال من مدرستهم ليؤذوا مشاعر الآخرين بأقذع العبارات التي أستحي من ذكرها هنا حفاظا على مشاعركم. أما غدا فلا أعلم إلى أين سيتجه أطفالنا إن لم يحدث تدخلا عاجلا وفاعلا وإيجابيا لإيقاف هذه المهازل السلوكية ... هذا وللجميع أطيب تحياتي.[/align]