--------------------------------------------------------------------------------
.. جلست وحدها الطفلة 'حميدة' ابنة السنوات التسع.. في ركن منعزل داخل منزل والدها.. مهمومة.. كسيرة الخاطر.. ملامحها لم تحمل براءة الطفولة الجميلة التي تتقهقر أمامها جيوش الأحزان والهموم.. وتملأ الدنيا بهجة وسعادة.. بل تنذر بعاصفة شديدة من الانكسار الذي يحمل في طياته سرا خطيرا اذا ما ظهر فسوف يفجر بركانا يقلب حياة الطفلة المسكينة رأسا علي عقب.. ويجعل مستقبلها علي كف عفريت! قبل ان تجفف دموعها التي اغرفت عينيها.. دب في قلبها زلزال هزها بعنف.. تلون وجهها بألوان الطيف.. تطأطيء في رأسها الي الأرض في تردد وحزن.. تنطلق منها صرخة هزت جدران المكان.. لحظات ويحضر والدها علي أثرها.. يضرب الرجل قلبه بيديه وهو يري نور عينيه في هذه الحالة الغريبة.. ثم يلطم خديه عندما يلمح خيطا من الدماء يرسم خطا أحمر علي قدميها.. يسألها:
ايه الدم ده ياحبيبتي؟!
مش عارفة يا ابويا!
تجري الصغيرة من أمام والدها خجلا.. بينما تنهمر الدموع من عينيها بغزارة بعد أن أوشك السر الحزين أن يخرج من محبسه.. ويخفف عنها بعضا من جبال الأحزان التي اغتالت أحلام الصغيرة وسعادتها.. وبراءتها.. وعزلها عن دنيتها الجميلة رغما عنها.. حرمها من ان تنال حقها وهي تعيش أحلي سنين عمرها!
ارتمت في أحضان أمها.. تبكي بحرقة.. تحاول الأم عبثا ان تخفف عنها.. فقد اعتقدت أن اباها قد ضربها علي خطأ ارتكبته.. لكن سرعان ما فوجئت بالأب يعيد سؤاله عن سر الدماء التي تتري علي قدمي الصغيرة من تحت بنطلونها!
تهمس الصغيرة بكلمات في أذن أمها.. بعدها تسقط الأم مغشيا عليها من هول الصدمة الثقيلة.. فكان أهون عليها الموت في تلك اللحظة ألف مرة من أن تسمع بأذنيها وتري بعينيها وحيدتها الصغيرة تبلغها بأن الاستاذ (......) المدرس بمدرسة القرية الابتدائية يعتدي عليها.. وينهش شرفها اثناء ترددها عليه لأخذ الدرس الخصوصي بمنزله!
بركان!
مسكين والد الطفلة.. دارت الدنيا تحت قدميه.. ظل يضرب كفا بكف وهو يردد في اسي وحسرة:
حسبي الله ونعم الوكيل.. الله ينتقم منه!
إمتي عمل كده يابنتي؟!
من زمان يا أبويا..!
المفاجأة تحولت الي بركان مثير هز حياة الأسرة الهادئة بعنف.. واغتال منهم لحظات الأمان التي كانوا يحيونها!
استجمع الأب الجريح ما تبقي من قواه التي خارت منه في لحظة أثر الصدمة القاسية.. اصطحب طفلته معه الي مكتب اللواء عادل علاء مساعد وزير الداخلية مدير أمن بني سويف.. طلب مقابلته لأمر هام.. بعد لحظات وقف الأب الجريح أمام مدير الأمن.. أدرك مسئول الأمن الكبير ان هذا الرجل يعيش محنة تنوء بحملها الجبال.. هدأ من روعه.. أجلسه أمامه.. ثم بدأ ينصت لكلمات البلاغ المثير الذي جاءت كلماته ثائرة كالبركان الغاضب علي لسان الأب.
يستدعي مدير الأمن العميد حمدي صقر مدير مباحث بني سويف والعقيد بكري الصوفي رئيس المباحث الجنائية من مكتبيهما ليعيشا معه تفاصيل القضة المثيرة.. وجدت 'حميدة' نفسها محاطة بسيل من اسئلة واستفسارات قيادات امن بني سويف.. بعد ان شدهم البلاغ وهزتهم المأساة فجميعهم آباء قبل أن يكونوا ضباط شرطة.. ويعرفون حجم هذه الكارثة علي أي أب وهو يري شمعته التي تضيء حياته يطفئها ذئب بشري من كل مشاعر الرحمة والانسانية ليدمر حياة طفلة مسكينة لم ترتكب في حقه أو حق غيره أدني جريمة تستحق عليها العقاب بهذا الحكم الظالم بالاعدام وهي علي قيد الحياة مجرد قدمين تسيران علي الأرض... لا روح.. أو احساس.. أو شعور بما يدور حولها في الحياة!