[ALIGN=RIGHT]1-شيّبت راسي والغلا بالصـدر شـاب
وشلون أنا بنسـاك شيّبـت راسـي
2-ماغاب صوتك ياهوى البـال ماغـاب
بأبقى علـى حبّـك ولانيـب ناسـي
3-الحب يبقـى فـي عروقـي ولا ذاب
قدرك على خبرك بـه الحـب راسـي
4-قلبي على فرقـاك يابنـت منصـاب
لا لا تغيبـي وأشعليبـي حمـاسـي
5-ياللي عيونك كلّهـا طيـش وعتـاب
عذّبت قلبـي يـوم سمّيـت كاسـي
6-فتحت في داخل خفوقي لـك أبـواب
في داخلـه حطّيـت جنبـك كراسـي
7-كنّك معلّم يشـرح الـدرس ماهـاب
في مادة التاريـخ شرحـه سياسـي
8-وألا كمـا شيخـاً لفـى داره أجنـاب
يكرم جناب الضيف والوقـت قاسـي
9-شيّبت راسي مابقـى شـي ماشـاب
ياكيف أنـا بنسـاك شيّبـت راسـي[/ALIGN]
[ALIGN=RIGHT]شيّبت راسي والغلا بالصـدر شـاب
وشلون أنا بنسـاك شيّبـت راسـي[/ALIGN]
ميزة هذا البيت في ختمه بما بدئ به؛ دلالة على التأثير الشديد للغلا، الذي تعدى الأحاسيس والمشاعر إلى الجسد، فسرى سريان النار في الهشيم، حتى علا ذلك الغلا قمة الجسد ، فتحول الشعر إلى البياض، وفي ذلك قمة الرمز إلى تنامي البياض في الروح والجسد، تحيط بالقلب غلالة بيضاء تدل على صفائه.
من علت صفة البياض روحه وجسده هل يتصور في لحظة ما أن نسيان سبب البياض سوف يتبادر للذهن: وشلون أنا بنساك؟! سؤال تعجبي واستنكاري، كيف يتسرب النسيان إلي وقد شاب راسي من فرط حبه.
[ALIGN=RIGHT]ماغاب صوتك ياهوى البـال ماغـاب
بأبقى علـى حبّـك ولانيـب ناسـي[/ALIGN]
أيضاً يصر الشاعر على التكرار الموحي إلى التأكيد وإقامة الحجج القوية على بقاء الذكرى والحب ترفرف أعلامه فوق قمة الفؤاد.
إن صوتك يطرب سمعي حتى هذه اللحظة، أتذكر تلك الضحكات الجميلة التي تبعث في نفسي السعادة، أتذكر كلمات العتاب الجميلة التي تزرع في نفسي حب التغيير للأجمل،
يؤكد الشاعر في الشطر الثاني على بقاء الحب وغرس أوتاده داخل النفس، ولن أنسى تلك اللحظات الجميلة التي تمطرني برذاذ الحب.
[ALIGN=RIGHT]الحب يبقـى فـي عروقـي ولا ذاب
قدرك على خبرك بـه الحـب راسـي[/ALIGN]
بيتٌ قويٌّ يشير بكل قوة صوب تمكن الحب، وسريانه في الجسد حتى إن عروق جسدي تنبض بالحب، وتجري الدماء في عروقي مشبعة برومانسية الحب الجميل، سيبقى في عروقي أبد الدهر.
في الشطر الثاني تشبيه جميل: حيث أصبح القدر أرضاً صلبة يستقر فوقها الحب بكل ثبات.
[ALIGN=RIGHT]قلبي على فرقـاك يابنـت منصـاب
لا لا تغيبـي وأشعليبـي حمـاسـي[/ALIGN]
عجباً لأمر هذا القلب يصيبه اشتعال الحماس حين رؤية الحبيب، فإذا هدأت خلجاته أصابه العطب( منصاب)، وحريٌّ بذلك القلب أن تخبو ناره، لكنه لا يرضى به خامداً قد اشتعل الرماد فيه كثرة، وفي التكرير( لا لا) إشارة موغلة في الإيحاء إلى التعلق الشديد، والرجاء الحار في ألا تغيب عنه لحظة، لكيلا تطفأ ناره، ويخف أوجها ولهيبها.
[ALIGN=RIGHT]ياللي عيونك كلّهـا طيـش وعتـاب
عذّبت قلبـي يـوم سمّيـت كاسـي[/ALIGN]
كأس الحب قد تجرعت غصصه، مع أن السم قد خالطه في طيش وتمرد على قلبٍ قد أضناه الشقاء، يطرب بعض العشاق بجوى الحب وتجرع آلامه، فهي تشعل أواره، وتزيد حرارته، إلا أن النفس لها طاقة في الاحتمال...
سَمُّ الكأس: كناية عن كثرة العتاب والطيش والنفور من المحب.
[ALIGN=RIGHT]فتحت في داخل خفوقي لـك أبـواب
في داخلـه حطّيـت جنبـك كراسـي
كنّك معلّم يشـرح الـدرس ماهـاب
في مادة التاريـخ شرحـه سياسـي[/ALIGN]
حالة تصويرية خيالية، تخيلها قد فتحت في داخل قلبه فصل للدرس والتعليم، والشاعر قد ساعدها في ذلك فهيأ لها الشرح والبيان وهو يستلذ بذلك، كونها ستبقى في قلبه!
العجيب أنها تشرح شرحاً سياسياً مبتعدة عن أحاديث الحب، التي يشتاق لها شاعرنا كلما قدمت إليه، فإذا بها تصرف ذهنه إلى أمور بعيدة عن الحب، وكأنها تفهم مقصده فتخالفه قهراً وأسىً واختباراً لقدرة الاحتمال لديه.
[ALIGN=RIGHT]وألا كمـا شيخـاً لفـى داره أجنـاب
يكرم جناب الضيف والوقـت قاسـي[/ALIGN]
تحيرت كثيراً أمام هذا التصوير فهو يصورها على أنها رجل بلغ به الكرم مبلغه، حتى إنه يكرم الضيف بالنبا الزين والفعل الجميل وما يستحق الضيف من إكرام وأعزاز، مع أن الوقت فيه قساوة القحط والجدب والفقر، إلا أن إكرام الضيف من أول الأساسيات لديه.
مع أن الشاعر يشكو ضيم محبوبته، وأنها قد جرعت كأساً خلطت فيه السم، أتجدون معي توافقاً بين الموقف السابق من تجريعه السم والآن من تشبيهها بالشيخ الشهم الكريم!!
ما أسرع ما يتراجع المحب والعاشق عن عتاباته، لينقلب مدحاً لمحبوبه يفوق الوصف، وهكذا هو شاعرنا.
[ALIGN=RIGHT]شيّبت راسي مابقـى شـي ماشـاب
ياكيف أنـا بنسـاك شيّبـت راسـي[/ALIGN]
ختام بما بدئت به القصيدة من ذكر الشيب الذي لاح على مفرقه، لا لكبر بل أضناه الفراق، فخط الشيب في مفرق شاعرنا خطوطاً استدعتها تآلف جيوش الفراق والبعد والشوق عليه، فرفع راية البياض إعلاناً عن الاستسلام للمحبوبة، رغبة في وصاله.
ولن ينسى الشاعر تلك المحبوبة، وكيف ينساها وقد حمل معه شاهداً عليها أبد الدهر(الشيب).
قراءة سريعة لمعاني القصيدة وألفاظها:
1- القصيدة زاخرة بالمعاني الجميلة الدالة على الشوق المحرق.
2- أبدع الشاعر في اختيار مفرداته اللغوية، فهي تصب في نهر البلاغة: (( ذاب- راسي- خفوقي- ما هاب...)) جمع الشاعر بين سهولة اللفظ ورونقه، وبين وروده غدير المعاني مباشرة، وإن كان هناك بعض الألفاظ التي تكرر كثيراً في الشعر: (( شيبت راسي- هوى البال)) ولكن هل تلحظون فيها أي معنى من معاني الثقل أو التكرير، أنا رأيي أنها جاءت مناسبة للمعنى المطروح، بل أشاحت عن جسدها لفظة الابتذال والعادية، بل أكسبها الشاعر روحاً جديدة في قصيدته، فأعطتنا قناعة بأن الشاعر المتمكن يستطيع النهوض بالألفاظ العادية، وإكسابها صفة السمو.
أعتذر لك أخي الكايد عن تقصيري في قراءتي لرائعتك، وتقبل مني خالص الود.
أخوك/ فهد.