مع أننا مسلمون، ورغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالجار حتىكاد أن يورثه، إلا أننا حتى الآن لم نفعل دور الجيرة داخل الحي في خدمة ساكنيه. إذيمكن للحي أن يقوم بوظائف عديدة لساكنيه تخفف على الدولة بأجهزتها المختلفة عناءتوفير الخدمات الأمنية ورعاية الفقراء والمحتاجين وإصلاح ذات البين.
نحنبحاجة إلى تفعيل وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالجار من خلال تحويل الوصية إلىبرامج عمل مؤسسية تؤلف بين قلوب سكان الحي وتحقق التواصل والتعارف فيما بينهموتستثمر امكاناتهم وطاقاتهم وتشركهم في المسؤولية الاجتماعية. فأهل الحي يمكن أنيوفروا الحماية والأمن لحيهم وهم الأقدر على حصر الفقراء والمحتاجين في الحيومساعدة هؤلاء الفقراء والمحتاجين على تجاوز مذلة الحاجة والحرمان والسؤال واصلاحذات البين والسعي في توفير الخدمات الضرورية للحي.
ما أكثر القيم الجميلة فيالاسلام لكنها للأسف تبقى مجرد أقوال يرددها الناس والخطباء والمعلمون لكنها للأسفلم تتحول بعد إلى مشاريع عمل مؤسساتية تعمل على تطبيق هذه القيم على أرض الواقعوتنظم شؤون حياة الناس ويشعرون بأثرها في حياتهم اليومية ويساهمون في تنفيذها. فالفقير لا يحل مشكلته ترديد الناس للآيات القرآنية والأحاديث النبوية إن لم تتحولتلك الآيات والأحاديث إلى مؤسسات وبرامج ومشروعات منظمة تساعده على تجاوز فقره،وأهل الحي الذي يقطن فيه الفقير هم أولى الناس وأقربهم إليه للقيام بهذه المهمة. كما أن الدولة لن تتمكن مهما أوتيت من الإمكانات أن توفر الأمن لكل منزل إن لميستشعر أهل الحي مسؤوليتهم الأمنية تجاه حيهم ويساهموا فعليا في حمايته.
فيكل حي سوف نجد الطالب والموظف والموظفة والتاجر ورجل الأمن والمهندس والطبيبوالطبيبة وغيرهم، وهؤلاء يمكنهم جميعا إدارة شؤون الحي والقيام بخدمات جليلة لأهلالحي عبر أعمال تطوعية مختلفة. كما يمكن لأهل الحي تكوين لجان مختلفة تتواصل معالدوائر الحكومية المختلفة لتوفير الخدمات الضرورية للحي. كذلك يمكن لأهل الحيتكوين صندوق خيري يساهم فيه كافة أفراد الحي كل حسب استطاعته لدعم الفقراءوالمحتاجين.
هذه الفكرة تحتاج إلى هيئة مشرفة تابعة لوزارة الشؤون البلديةوالقروية تشرف على مراكز الأحياء وتنظم آلية عملها. ففي ظل النمو السكاني الهائلوارتفاع معدلات التحضر في المدن وزيادة معدلات الفقر في المجتمع والتوسع في نموالمدن وانتشار الفردية وانحسار العلاقات الاجتماعية لا يمكن للدولة وحدها أن تتعاملمع المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، بل لابد أن يدخل الحي شريكا لها فيالتعامل مع تلك المشكلات عبر أعمال تطوعية يقوم بها أهالي الأحياء أنفسهم لخدمةأحيائهم.
نعم الأحياء تستطيع دعم جهود الدولة في تحقيق رفاهية الوطنوالمواطن ... فالتجربة أثبتت نجاحها في أغلب دول العالم، حيث ساهم أهالي الأحياء فيالمحافظة على الأمن في أحيائهم وتنظيفها من أوكار عصابات الدعارة والمخدراتوالجريمة ومساعدة الفقراء والمحتاجين فيها بعد حصرهم.
إننا أمام واقع سوفيشهد المزيد من التمزق في العلاقات الاجتماعية واتساع دائرة الفقر والفقراء ونموالجريمة، وفي مثل هذه الظروف يصبح لزاما علينا التفكير في تفعيل دور الحي كي يقومبدوره التنموي والاجتماعي والتربوي والأمني للحد من الآثار السلبية المحتملة لهذاالواقع المستجد.
إن تعميم هذه الفكرة على المدن والقرى سوف تؤتي ثمارهاالإيجابية بتنمية المسؤولية الاجتماعية والانتماء الوطني والتكافل الاجتماعي لدىالمواطن وتخفف من الأعباء الملقاة على عاتق الدولة في هذا المجال ... فهل من منفذللفكرة؟ أرجو ذلك ... وللجميع أطيب تحياتي.
الدكتور/ عبد الله محمدالفوزان
جامعة الملك سعود-كلية الآداب-قسم علم الاجتماع-ص.ب 2456
[email protected]