يُدرِك الكثير منّا أنّ الصّفات التي يكتسِبها المرء من والديه تكون غالبا بالقدوة ,
و أنّه لا أثرَ يُذكر لأيٍّ من المحاضرات المطوّلة
التي يلقيها الأب أو الأم على مسامع أولادهم المراهقين
عندما يشعران أنهما بحاجة للحديث عن مآثرهما
, فإن القدوة قد سبقتهما إليهم و لا مجال لتغيير يُذكر .
و إن الشجاعة هي صفة مكتسبة, و لم تكن يوما لتجنيها من كتاب أو مقال أو أي شيء آخر
سوى رؤية الشجعان و مصاحبتهم .
و قد كنت أعلم أنني سأجد نفسي في موقف صعب لا محالة لخوفي المرَضي من الحشرات جميعا ,
و كان جلّ ما يسيطر على مشاعري هو طريقة تجاوزي لتلك المحنة ,
فقد كنت أخاف بشدة من الحشرات الكبيرة
التي تجدها في مواجهتك فجأة دون سابق إنذار ,
و كنت أتخيّل أن نحلة ما ستنقضّ لتَغرِس إبرتها في جسدي بمجرد أن تراني أمامها ,
أو أن صرصارا كبيرا يحرك قرونه سيداهم وجهي دون هوادة ,
و كنت طوال الفترة الماضية أستعين بزوجي,
وكنت أعتمد على والدي أو أخي الأصغر لإنقاذي من هؤلاء الأشرار قبل زواجي .
و لكنّ الأمر اليوم بدا مختلفا ,
فقد كنت وحدي و طفلي الذي يبلغ الخامسة في المطبخ
عندما لوح لنا بقرنيه , و كان لا بد من الثبات ,
فقد كان هناك من يستعدّ لتلقي أكبر درس في حياته
و كان لا بد لي من أن أتسلّح بأكبر حذاء في المنزل- و هو حذاء زوجي –
و من ثم أهوي به على العدو دون هوادة فأرديه بضربة واحدة
بعد أن حشدت في ذهني كل نظريات البرمجة اللغوية العصبية
و رددت على مسامعي جميع عبارات الدعم
( تستطيعين فعلها .. نعم من أجله ستستطيعين )
و تنفّست بعمق و لم أتنبّه لمشاعر ولدي وقتها
فقد كنت أريد أن أعلّمه ما لم أتعلّمه أنا في صغري .
و رغم أنّ طفلي لم ُيثْن على شجاعتي وقتها ,
و لكنني سمعتُه يحدّث والده عن الأمر و أنا أعدّ طعام العشاء .
و رفع زوجي حاجبيه مع ابتسامة متسائلة عندما دخلت,
فابتسمت مشيرة إلى الصغير وقلت: (فعلتها من أجله )
و قد رأيت النتائج بعدها و سُررت بها ,
فقد أصبحت أنادي طفلي في كل المواقف التي تلت ذلك الموقف ,
و كنت أرى شجاعة موقفي في أفعاله رغم أنّني كنت وقتها أتظاهر بالشجاعة
ولكنّه لم يعرف و لم يكن ذلك مهمّا .
لقد علّمت طفلي الشجاعة دون أن أمتلكها ,
و سأعلّمه الكثير من العادات الحسنة عندما أقوم بمحوها من قائمة عاداتي ,
فهو يستحق أن أتغيّر و لو تظاهرت بالتغيّر بداية الأمر .
منقول