صفحة 8 من 11 الأولىالأولى ... 6 7 8 9 10 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 106 إلى 120 من 159

الموضوع: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

  1. #106
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ

    كَانَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا مَرّ بِسَجْدَةٍ كَبّرَ وَسَجَدَ وَرُبّمَا قَالَ فِي سُجُودِهِ سَجَدَ وَجْهِي لِلّذِي خَلَقَهُ وَصَوّرَهُ وَشَقّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوّتِهِ
    وَرُبّمَا قَالَ اللّهُمّ اُحْطُطْ عَنّي بِهَا وِزْرًا وَاكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا وَتَقَبّلْهَا مِنّي كَمَا تَقَبّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُد ذَكَرَهُمَا أَهْلُ السّنَنِ .
    وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ يُكَبّرُ لِلرّفْعِ مِنْ هَذَا السّجُودِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ الْخِرَقِيّ وَمُتَقَدّمُو الْأَصْحَابِ وَلَا نُقِلَ فِيهِ عَنْهُ تَشَهّدٌ وَلَا سَلَامٌ الْبَتّةَ . وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ وَالشّافِعِيّ السّلَامَ فِيهِ فَالْمَنْصُوصُ عَنْ الشّافِعِيّ : إنّهُ لَا تَشَهّدٌ فِيهِ وَلَا تَسْلِيمٌ وَقَالَ أَحْمَدُ : أَمّا التّسْلِيمُ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ الّذِي لَا يَنْبَغِي غَيْرُهُ .
    وَصَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ سَجَدَ فِي ( الم تَنْزِيلُ ) وَفِي ( ص ) وَفِي ( النّجْمِ ) وَفِي إِذَا السّمَاءُ انْشَقّتْ وَفِي اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ
    وَذَكَرَ أَبُو دَاوُد عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصّلِ وَفِي سُورَةِ الْحَجّ سَجْدَتَانِ
    وَأَمّا حَدِيثُ أَبِي الدّرْدَاءِ سَجَدْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِيهَا مِنْ الْمُفَصّلِ شَيْءٌ ( الْأَعْرَافُ) وَ ( الرّعْدُ) وَ ( النّحْلُ) وَ ( بَنِي إسْرَائِيلَ وَ ( مَرْيَمُ ) وَ ( الْحَجّ ) وَ ( سَجْدَةُ الْفُرْقَانِ ) وَ ( النّمْلُ ) وَ ( السّجْدَةُ ) وَ ( ص وَ ( سَجْدَةُ الْحَوَامِيمِ ) فَقَالَ أَبُو دَاوُد : رَوَى أَبُو الدّرْدَاءِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً وَإِسْنَادَهُ وَاهٍ .
    وَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْجُدْ فِي الْمُفَصّلِ مُنْذُ تَحَوّلَ إلَى الْمَدِينَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فِي إسْنَادِهِ أَبُو قَدَامَةَ الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ لَا يُحْتَجّ بِحَدِيثِهِ . قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ : أَبُو قُدامة مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ . وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ : ضَعِيفٌ وَقَالَ النّسَائِيّ : صَدُوقٌ عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ وَقَالَ أَبُو حَاتِم الْبُسْتِيّ : كَانَ شَيْخًا صَالِحًا مِمّنْ كَثُرَ وَهْمُهُ . وَعَلّلَهُ ابْنُ الْقَطّانِ بِمَطَرٍ الْوَرّاقِ وَقَالَ كَانَ يُشْبِهُهُ فِي سُوءِ الْحِفْظِ مُحَمّدَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَعِيبَ عَلَى مُسْلِمٍ إخْرَاجُ حَدِيثِهِ . انْتَهَى كَلَامُهُ .
    وَلَا عَيْبَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي إخْرَاجِ حَدِيثِهِ لِأَنّهُ يَنْتَقِي مِنْ أَحَادِيثِ هَذَا الضّرْبِ مَا يَعْلَمُ أَنّهُ حَفِظَهُ كَمَا يَطْرَحُ مِنْ أَحَادِيثِ الثّقَةِ مَا يَعْلَمُ أَنّهُ غَلِطَ فِيهِ فَغَلِطَ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَنْ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ إخْرَاجَ جَمِيعِ حَدِيثِ الثّقَةِ وَمَنْ ضَعّفَ جَمِيعَ حَدِيثِ سَيّئِ الْحِفْظِ فَالْأُولَى : طَرِيقَةُ الْحَاكِمِ وَأَمْثَالِهِ وَالثّانِيَةُ طَرِيقَةُ أَبِي مُحَمّدِ بْنِ حَزْم ٍ وَأَشْكَالِهِ وَطَرِيقَةُ مُسْلِمٍ هِيَ طَرِيقَةُ أَئِمّةِ هَذَا الشّأْنِ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ .
    وَقَدْ صَحّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ سَجَدَ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ وَفِي إِذَا السّمَاءُ انْشَقّتْ وَهُوَ إنّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ مَقْدِمِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ بِسِتّ سِنِينَ أَوْ سَبْعٍ فَلَوْ تَعَارَضَ الْحَدِيثَانِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ وَتَقَاوَمَا فِي الصّحّةِ لَتَعَيّنَ تَقْدِيمُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنّهُ مُثْبِتٌ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ خَفِيَتْ عَلَى ابْنِ عَبّاسٍ فَكَيْفَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَايَةِ الصّحّةِ مُتّفَقٌ عَلَى صِحّتِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ فِيهِ مِنْ الضّعْفِ مَا فِيهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ.


  2. #107
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الجمعة وذكر خصائص يومها

    [هدي الله هذه الأمة له ]
    ثبت في " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
    نحن الآخرون الأولون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له والناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد
    وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق
    وفي " المسند " والسنن من حديث أوس بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قالوا : يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت ؟ ( يعني : قد بليت قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ورواه الحاكم في " المستدرك " وابن حبان في " صحيحه " .
    وفي " جامع الترمذي " من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق الله آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة قال حديث حسن صحيح وصححه الحاكم .
    وفي " المستدرك " أيضا عن أبي هريرة مرفوعا سيد الأيام يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة
    وروى مالك في " الموطأ " عن أبي هريرة مرفوعا خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه
    قال كعب : ذلك في كل سنة يوم فقلت بل في كل جمعة فقرأ كعب التوراة فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . قال أبو هريرة ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب قال قد علمت أية ساعة هي قلت فأخبرني بها قال هي آخر ساعة في يوم الجمعة فقلت كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي " وتلك الساعة لا يصلى فيها ؟ فقال ابن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي " ؟
    وفي " صحيح ابن حبان " مرفوعا لا تطلع الشمس على يوم خير من يوم الجمعة
    وفي " مسند الشافعي " من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال أتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرآة بيضاء فيها نكتة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذه ؟ فقال " هذه يوم الجمعة فضلت بها أنت وأمتك والناس لكم فيها تبع اليهود والنصارى ولكم فيها خير وفيها ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله بخير إلا استجيب له وهو عندنا يوم المزيد فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل ما يوم المزيد ؟ قال إن ربك اتخذ في الفردوس واديا أفيح فيه كثب من مسك فإذا كان يوم الجمعة أنزل الله سبحانه ما شاء من ملائكته وحوله منابر من نور عليها مقاعد النبيين وحف تلك المنابر بمنابر من ذهب مكللة بالياقوت والزبرجد عليها الشهداء والصديقون فجلسوا من ورائهم على تلك الكثب " فيقول الله عز وجل " أنا ربكم قد صدقتكم وعدي فسلوني أعطكم فيقولون ربنا نسألك رضوانك فيقول قد رضيت عنكم ولكم ما تمنيتم ولدي مزيد فهم يحبون يوم الجمعة لما يعطيهم فيه ربهم من الخير وهو اليوم الذي استوى فيه ربك تبارك وتعالى على العرش وفيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة .
    رواه الشافعي عن إبراهيم بن محمد حدثني موسى بن عبيدة قال حدثني أبو الأزهر معاوية بن إسحاق بن طلحة عن عبد الله بن عبيد عن عمير بن أنس .
    ثم قال وأخبرنا إبراهيم قال حدثني أبو عمران إبراهيم بن الجعد عن أنس شبيها به .
    وكان الشافعي حسن الرأي في شيخه إبراهيم هذا لكن قال فيه الإمام أحمد رحمه الله معتزلي جهمي قدري كل بلاء فيه .
    ورواه أبو اليمان الحكم بن نافع حدثنا صفوان قال قال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم " أتاني جبريل فذكره " ورواه محمد بن شعيب عن عمر مولى غفرة عن أنس . ورواه أبو ظبية عن عثمان بن عمير عن أنس . وجمع أبو بكر بن أبي داود طرقه .
    وفي " مسند أحمد " من حديث علي بن أبي طلحة عن أبي هريرة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لأي شيء سمي يوم الجمعة ؟ قال لأن فيه طبعت طينة أبيك آدم وفيه الصعقة والبعثة وفيه البطشة وفي آخره ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له
    وقال الحسن بن سفيان النسوي في " مسنده " حدثنا أبو مروان هشام بن خالد الأزرق حدثنا الحسن بن يحيى الخشني حدثنا عمر بن عبد الله مولى غفرة حدثني أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أتاني جبريل وفي يده كهيئة المرآة البيضاء فيها نكتة سوداء فقلت : ما هذه يا جبريل ؟ فقال هذه الجمعة بعثت بها إليك تكون عيدا لك ولأمتك من بعدك . فقلت : وما لنا فيها يا جبريل ؟ قال لكم فيها خير كثير أنتم الآخرون السابقون يوم القيامة وفيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه . قلت فما هذه النكتة السوداء يا جبريل ؟ قال هذه الساعة تكون في يوم الجمعة وهو سيد الأيام ونحن نسميه عندنا يوم المزيد . قلت وما يوم المزيد يا جبريل ؟ قال ذلك بأن ربك اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة من أيام الآخرة هبط الرب عز وجل من عرشه إلى كرسيه ويحف الكرسي بمنابر من النور فيجلس عليها النبيون وتحف المنابر بكراسي من ذهب فيجلس عليها الصديقون والشهداء ويهبط أهل الغرف من غرفهم فيجلسون على كثبان المسك لا يرون لأهل المنابر والكراسي فضلا في المجلس ثم يتبدى لهم ذو الجلال والإكرام تبارك وتعالى فيقول سلوني فيقولون بأجمعهم نسألك الرضى يا رب فيشهد لهم على الرضى ثم يقول سلوني فيسألونه حتى تنتهي نهمة كل عبد منهم قال ثم يسعى عليهم بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم يرتفع الجبار من كرسيه إلى عرشه ويرتفع أهل الغرف إلى غرفهم وهي غرفة من لؤلؤة بيضاء أو ياقوتة حمراء أو زمردة خضراء ليس فيها فصم ولا وصم منورة فيها أنهارها أو قال مطردة متدلية فيها ثمارها فيها أزواجها وخدمها ومساكنها قال فأهل الجنة يتباشرون في الجنة بيوم الجمعة كما يتباشر أهل الدنيا في الدنيا بالمطر
    وقال ابن أبي الدنيا في كتاب " صفة الجنة " : حدثني أزهر بن مروان الرقاشي حدثني عبد الله بن عرادة الشيباني حدثنا القاسم بن مطيب عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جب ريل وفي كفه مرآة كأحسن المرائي وأضوئها وإذا في وسطها لمعة سوداء فقلت : ما هذه اللمعة التي أرى فيها ؟ قال هذه الجمعة قلت : وما الجمعة ؟ قال يوم من أيام ربك عظيم وسأخبرك بشرفه وفضله في الدنيا وما يرجى فيه لأهله وأخبرك باسمه في الآخرة فأما شرفه وفضله في الدنيا فإن الله عز وجل جمع فيه أمر الخلق وأما ما يرجى فيه لأهله فإن فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم أو أمة مسلمة يسألان الله تعالى فيها خيرا إلا أعطاهما إياه وأما شرفه وفضله في الآخرة واسمه فإن الله تبارك وتعالى إذا صير أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جرت عليهم هذه الأيام وهذه الليالي ليس فيها ليل ولا نهار إلا قد علم الله عز وجل مقدار ذلك وساعاته فإذا كان يوم الجمعة حين يخرج أهل الجمعة إلى جمعتهم نادى أهل الجنة مناد يا أهل الجنة اخرجوا إلى وادي المزيد ووادي المزيد لا يعلم سعة طوله وعرضه إلا الله فيه كثبان المسك رءوسها في السماء قال فيخرج غلمان الأنبياء بمنابر من نور ويخرج غلمان المؤمنين بكراسي من ياقوت فإذا وضعت لهم وأخذ القوم مجالسهم بعث الله عليهم ريحا تدعى المثيرة تثير ذلك المسك وتدخله من تحت ثيابهم وتخرجه في وجوههم وأشعارهم تلك الريح أعلم كيف تصنع بذلك المسك من امرأة أحدكم لو دفع إليها كل طيب على وجه الأرض . قال ثم يوحي الله تبارك وتعالى إلى حملة عرشه ضعوه بين أظهرهم فيكون أول ما يسمعونه منه إلي يا عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني وصدقوا رسلي واتبعوا أمري سلوني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة رضينا عنك فارض عنا فيرجع الله إليهم أن يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم داري فسلوني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة يا ربنا وجهك ننظر إليه فيكشف تلك الحجب فيتجلى لهم عز وجل فيغشاهم من نوره شيء لولا أنه قضى ألا يحترقوا لاحترقوا لما يغشاهم من نوره ثم يقال لهم ارجعوا إلى منازلكم فيرجعون إلى منازلهم وقد أعطى كل واحد منهم الضعف على ما كانوا فيه فيرجعون إلى أزواجهم وقد خفوا عليهن وخفين عليهم مما غشيهم من نوره فإذا رجعوا تراد النور حتى يرجعوا إلى صورهم التي كانوا عليها فتقول لهم أزواجهم لقد خرجتم من عندنا على صورة ورجعتم على غيرها فيقولون ذلك لأن الله عز وجل تجلى لنا فنظرنا منه قال وإنه والله ما أحاط به خلق ولكنه قد أراهم من عظمته وجلاله ما شاء أن يريهم قال فذلك قولهم فنظرنا منه قال فهم يتقلبون في مسك الجنة ونعيمها في كل سبعة أيام الضعف على ما كانوا فيه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قوله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة 17 ] .
    ورواه أبو نعيم في " صفة الجنة " من حديث عصمة بن محمد حدثنا موسى بن عقبة عن أبي صالح عن أنس شبيها به .
    وذكر أبو نعيم في " صفة الجنة " من حديث المسعودي عن المنهال عن أبي عبيدة عن عبد الله قال سارعوا إلى الجمعة في الدنيا فإن الله تبارك وتعالى يبرز لأهل الجنة في كل جمعة على كثيب من كافور أبيض فيكونون منه سبحانه بالقرب على قدر سرعتهم إلى الجمعة ويحدث لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا رأوه قبل ذلك فيرجعون إلى أهليهم وقد أحدث لهم


  3. #108
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    فصل في مبدإ الجمعة

    قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال كنت قائد أبي حين كف بصره فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة فمكث حينا على ذلك فقلت : إن هذا لعجز ألا أسأله عن هذا فخرجت به كما كنت أخرج فلما سمع الأذان للجمعة استغفر له فقلت : يا أبتاه أرأيت استغفارك لأسعد بن زرارة كلما سمعت الأذان يوم الجمعة ؟ قال أي بني كان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له : نقيع الخضمات . قلت فكم كنتم يومئذ ؟ قال أربعون رجلا .
    قال البيهقي ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه من الراوي وكان الراوي ثقة استقام الإسناد وهذا حديث حسن صحيح الإسناد انتهى .
    قلت : وهذا كان مبدأ الجمعة . ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فأقام بقباء في بني عمرو بن عوف كما قاله ابن إسحاق يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة وذلك قبل تأسيس مسجده .
    قال ابن إسحاق : وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - ونعوذ بالله أن نقول على رسول الله ما لم يقل - أنه قام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه ألم يأتك رسولي فبلغك وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    قال ابن إسحاق : ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال إن الحمد لله أحمده وأستعينه نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إن أحسن الحديث كتاب الله قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر فاختاره على ما سواه من أحاديث الناس إنه أحسن الحديث وأبلغه أحبوا ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره ولا تقس عنه قلوبكم فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي قد سماه الله خيرته من الأعمال ومصطفاه من العباد والصالح من الحديث ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا واتقوه حق تقاته واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم وتحابوا بروح الله بينكم إن الله يغضب أن ينكث عهده والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    وقد تقدم طرف من خطبته عليه السلام عند ذكر هديه في الخطب .


  4. #109
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم


    فصل [خواص يوم الجمعة وهي ثلاث وثلاثون ]


    وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره .وقد اختلف العلماء هل هو أفضل أم يوم عرفة ؟ على قولين هما وجهان لأصحاب الشافعي . وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي ( الم تنزيل ) و ( هل أتى على الإنسان ) . ويظن كثير ممن لا علم عنده أن المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة ويسمونها سجدة الجمعة وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة استحب قراءة سورة أخرى فيها سجدة ولهذا كره من كره من الأئمة المداومة على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة دفعا لتوهم الجاهلين وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها فإنهما اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر العباد وذلك يكون يوم الجمعة وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون والسجدة جاءت تبعا ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت . فهذه خاصة من خواص يوم الجمعة . الخاصة الثانية استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته لقوله صلى الله عليه وسلم أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام فللصلاة عليه في هذا اليوم مزية ليست لغيره مع حكمة أخرى وهي أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده فجمع الله لأمته به بين خيري الدنيا والآخرة فأعظم كرامة تحصل لهم فإنما تحصل يوم الجمعة فإن فيه بعثهم إلى منازلهم وقصورهم في الجنة وهو يوم المزيد لهم إذا دخلوا الجنة وهو يوم عيد لهم في الدنيا ويوم فيه يسعفهم الله تعالى بطلباتهم وحوائجهم ولا يرد سائلهم وهذا كله إنما عرفوه وحصل لهم بسببه وعلى يده فمن شكره وحمده وأداء القليل من حقه صلى الله عليه وسلم أن نكثر من الصلاة عليه في هذا اليوم وليلته . الخاصة الثالثة صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام ومن أعظم مجامع المسلمين وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة ومن تركها تهاونا بها طبع الله على قلبه وقرب أهل الجنة يوم القيامة وسبقهم إلى الزيارة يوم المزيد بحسب قربهم من الإمام يوم الجمعة وتبكيرهم . الخاصة الرابعة الأمر بالاغتسال في يومها وهو أمر مؤكد جدا ووجوبه أقوى من وجوب الوتر وقراءة البسملة في الصلاة ووجوب الوضوء من مس النساء ووجوب الوضوء من مس الذكر ووجوب الوضوء من القهقهة في الصلاة ووجوب الوضوء من الرعاف والحجامة والقيء ووجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ووجوب القراءة على المأموم . وللناس في وجوبه ثلاثة أقوال النفي والإثبات والتفصيل بين من به رائحة يحتاج إلى إزالتها فيجب عليه ومن هو مستغن عنه فيستحب له والثلاثة لأصحاب أحمد . الخاصة الخامسة التطيب فيه وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع . الخاصة السادسة السواك فيه وله مزية على السواك في غيره . الخاصة السابعة التبكير للصلاة .







    الصفحة الرئيسة >السيرة > زاد المعاد > الجزء الأول

    الخاصة الثامنة أن يشتغل بالصلاة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام .
    الخاصة التاسعة الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوبا في أصح القولين فإن تركه كان لاغيا ومن لغا فلا جمعة له وفي " المسند " مرفوعا والذي يقول لصاحبه أنصت فلا جمعة له
    الخاصة العاشرة قراءة سورة الكهف في يومها فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء به يوم القيامة وغفر له ما بين الجمعتين وذكره سعيد بن منصور من قول أبي سعيد الخدري وهو أشبه .
    الحادية عشرة إنه لا يكره فعل الصلاة فيه وقت الزوال عند الشافعي رحمه الله ومن وافقه وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية ولم يكن اعتماده على حديث ليث عن مجاهد عن أبي الخليل عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة . وقال إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة - وإنما كان اعتماده على أن من جاء إلى الجمعة يستحب له أن يصلي حتى يخرج الإمام وفي الحديث الصحيح لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى رواه البخاري فندبه إلى الصلاة ما كتب له ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإمام ولهذا قال غير واحد من السلف منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتبعه عليه الإمام أحمد بن حنبل : خروج الإمام يمنع الصلاة وخطبته تمنع الكلام فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإمام لا انتصاف النهار .
    وأيضا فإن الناس يكونون في المسجد تحت السقوف ولا يشعرون بوقت الزوال والرجل يكون متشاغلا بالصلاة لا يدري بوقت الزوال ولا يمكنه أن يخرج ويتخطى رقاب الناس وينظر إلى الشمس ويرجع ولا يشرع له ذلك .
    وحديث أبي قتادة هذا قال أبو داود : هو مرسل لأن أبا الخليل لم يسمع من أبي قتادة والمرسل إذا اتصل به عمل وعضده قياس أو قول صحابي أو كان مرسله معروفا باختيار الشيوخ ورغبته عن الرواية عن الضعفاء والمتروكين ونحو ذلك مما يقتضي قوته عمل به . وأيضا فقد عضده شواهد أخر منها ما ذكره الشافعي في كتابه فقال روي عن إسحاق بن عبد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة هكذا رواه رحمه الله في كتاب " اختلاف الحديث " ورواه في " كتاب الجمعة " : حدثنا إبراهيم بن محمد عن إسحاق ورواه أبو خالد الأحمر عن شيخ من أهل المدينة يقال له : عبد الله بن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقد رواه البيهقي في " المعرفة " من حديث عطاء بن عجلان عن أبي نضرة عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا : كان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة . ولكن إسناده فيه من لا يحتج به قاله البيهقي قال ولكن إذا انضمت هذه الأحاديث إلى حديث أبي قتادة أحدثت بعض القوة .
    قال الشافعي : من شأن الناس التهجير إلى الجمعة والصلاة إلى خروج الإمام قال البيهقي : الذي أشار إليه الشافعي موجود في الأحاديث الصحيحة وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في التبكير إلى الجمعة وفي الصلاة إلى خروج الإمام من غير استثناء وذلك يوافق هذه الأحاديث التي أبيحت فيها الصلاة نصف النهار يوم الجمعة وروينا الرخصة في ذلك عن عطاء و طاووس و الحسن ومكحول .
    قلت : اختلف الناس في كراهة الصلاة نصف النهار على ثلاثة أقوال أحدها : أنه ليس وقت كراهة بحال وهو مذهب مالك . الثاني : أنه وقت كراهة في يوم الجمعة وغيرها وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب أحمد . والثالث أنه وقت كراهة إلا يوم الجمعة فليس بوقت كراهة وهذا مذهب الشافعي .


  5. #110
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    الصفحة الرئيسة >السيرة > زاد المعاد > الجزء الأول

    الثانية عشرة قراءة ( سورة الجمعة و ( المنافقين أو ( سبح والغاشية في صلاة الجمعة فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهن في الجمعة ذكره مسلم في " صحيحه " . وفيه أيضا : أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيها ب ( الجمعة و ( هل أتاك حديث الغاشية ثبت عنه ذلك كله . ولا يستحب أن يقرأ من كل سورة بعضها أو يقرأ إحداهما في الركعتين فإنه خلاف السنة وجهال الأئمة يداومون على ذلك .
    الثالثة عشرة أنه يوم عيد متكرر في الأسبوع وقد روى أبو عبد الله بن ماجه في " سننه " من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يوم الجمعة سيد الأيام وأعظمها عند الله وهو أعظم عند الله من يوم الأضحى ويوم الفطر فيه خمس خلال خلق الله فيه آدم وأهبط فيه آدم إلى الأرض وفيه توفى الله آدم وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا أعطاه ما لم يسأل حراما وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا شجر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة
    الرابعة عشرة إنه يستحب أن يلبس فيه أحسن الثياب التي يقدر عليها فقد روى الإمام أحمد في " مسنده " من حديث أبي أيوب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب إن كان له ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد ثم يركع إن بدا له ولم يؤذ أحدا ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينهما
    وفي" سنن أبي داود " عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر في يوم الجمعة ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته
    وفي " سنن ابن ماجه " عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار فقال ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته
    الخامسة عشرة أنه يستحب فيه تجمير المسجد فقد ذكر سعيد بن منصور عن نعيم بن عبد الله المجمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أن يجمر مسجد المدينة كل جمعة حين ينتصف النهار قلت ولذلك سمي نعيم المجمر .


    الصفحة الرئيسة >السيرة > زاد المعاد > الجزء الأول

    السادسة عشرة أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها وأما قبله فللعلماء ثلاثة أقوال وهي روايات منصوصات عن أحمد أحدها : لا يجوز والثاني : يجوز والثالث يجوز للجهاد خاصة .
    وأما مذهب الشافعي رحمه الله فيحرم عنده إنشاء السفر يوم الجمعة بعد الزوال ولهم في سفر الطاعة وجهان أحدهما : تحريمه وهو اختيار النووي
    والثاني : جوازه وهو اختيار الرافعي
    وأما السفر قبل الزوال فللشافعي فيه قولان القديم جوازه والجديد أنه كالسفر بعد زوال . وأما مذهب مالك فقال صاحب " التفريع " : ولا يسافر أحد يوم الجمعة بعد الزوال حتى يصلي الجمعة ولا بأس أن يسافر قبل الزوال والاختيار أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر حتى يصلي الجمعة .
    وذهب أبو حنيفة إلى جواز السفر مطلقا وقد روى الدارقطني في " الإفراد " من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ألا يصحب في سفره وهو من حديث ابن لهيعة . وفي " مسند الإمام أحمد " من حديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة قال فغدا أصحابه وقال أتخلف وأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقال: ما منعك أن تغدو مع أصحابك ؟ فقال أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم فقال " لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم " وأعل هذا الحديث بأن الحكم لم يسمع من مقسم
    هذا إذا لم يخف المسافر فوت رفقته فإن خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلقا لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة . ولعل ما روي عن الأوزاعي - أنه سئل عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته فقال ليمض على سفره - محمول على هذا وكذلك قول ابن عمر رضي الله عنه الجمعة لا تحبس عن السفر .
    وإن كان مرادهم جواز السفر مطلقا فهي مسألة نزاع . والدليل هو الفاصل على أن عبد الرزاق قد روى في " مصنفه " عن معمر عن خالد الحذاء عن ابن سيرين أو غيره أن عمر بن الخطاب رأى رجلا عليه ثياب سفر بعد ما قضى الجمعة فقال: ما شأنك ؟ قال أردت سفرا فكرهت أن أخرج حتى أصلي فقال عمر إن الجمعة لا تمنعك السفر ما لم يحضر وقتها فهذا قول من يمنع السفر بعد الزوال ولا يمنع منه قبله .
    وذكره عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن الأسود بن قيس عن أبيه قال أبصر عمر بن الخطاب رجلا عليه هيئة السفر وقال الرجل إن اليوم يوم جمعة ولولا ذلك لخرجت فقال عمر : إن الجمعة لا تحبس مسافرا فاخرج ما لم يحن الرواح
    وذكر أيضا عن الثوري عن ابن أبي ذئب عن صالح بن كثير عن الزهري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا يوم الجمعة ضحى قبل الصلاة
    وذكر عن معمر قال سألت يحيى بن أبي كثير : هل يخرج الرجل يوم الجمعة ؟ فكرهه فجعلت أحدثه بالرخصة فيه فقال لي : قلما يخرج رجل في يوم الجمعة إلا رأى ما يكرهه لو نظرت في ذلك وجدته كذلك .
    وذكر ابن المبارك عن الأوزاعي عن حسان بن أبي عطية قال إذا سافر الرجل يوم الجمعة دعا عليه النهار أن لا يعان على حاجته ولا يصاحب في سفره .
    وذكر الأوزاعي عن ابن المسيب أنه قال السفر يوم الجمعة بعد الصلاة . قال ابن جريج : قلت لعطاء أبلغك أنه كان يقال إذا أمسى في قرية جامعة من ليلة الجمعة فلا يذهب حتى يجمع ؟ قال إن ذلك ليكره .
    قلت فمن يوم الخميس ؟ قال لا ، ذلك النهار فلا يضره .



    الصفحة الرئيسة >السيرة > زاد المعاد > الجزء الأول

    السادسة عشرة أنه لا يجوز السفر في يومها لمن تلزمه الجمعة قبل فعلها بعد دخول وقتها وأما قبله فللعلماء ثلاثة أقوال وهي روايات منصوصات عن أحمد أحدها : لا يجوز والثاني : يجوز والثالث يجوز للجهاد خاصة .
    وأما مذهب الشافعي رحمه الله فيحرم عنده إنشاء السفر يوم الجمعة بعد الزوال ولهم في سفر الطاعة وجهان أحدهما : تحريمه وهو اختيار النووي
    والثاني : جوازه وهو اختيار الرافعي
    وأما السفر قبل الزوال فللشافعي فيه قولان القديم جوازه والجديد أنه كالسفر بعد زوال . وأما مذهب مالك فقال صاحب " التفريع " : ولا يسافر أحد يوم الجمعة بعد الزوال حتى يصلي الجمعة ولا بأس أن يسافر قبل الزوال والاختيار أن لا يسافر إذا طلع الفجر وهو حاضر حتى يصلي الجمعة .
    وذهب أبو حنيفة إلى جواز السفر مطلقا وقد روى الدارقطني في " الإفراد " من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة ألا يصحب في سفره وهو من حديث ابن لهيعة . وفي " مسند الإمام أحمد " من حديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة قال فغدا أصحابه وقال أتخلف وأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ألحقهم فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم رآه فقال: ما منعك أن تغدو مع أصحابك ؟ فقال أردت أن أصلي معك ثم ألحقهم فقال " لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم " وأعل هذا الحديث بأن الحكم لم يسمع من مقسم
    هذا إذا لم يخف المسافر فوت رفقته فإن خاف فوت رفقته وانقطاعه بعدهم جاز له السفر مطلقا لأن هذا عذر يسقط الجمعة والجماعة . ولعل ما روي عن الأوزاعي - أنه سئل عن مسافر سمع أذان الجمعة وقد أسرج دابته فقال ليمض على سفره - محمول على هذا وكذلك قول ابن عمر رضي الله عنه الجمعة لا تحبس عن السفر .
    وإن كان مرادهم جواز السفر مطلقا فهي مسألة نزاع . والدليل هو الفاصل على أن عبد الرزاق قد روى في " مصنفه " عن معمر عن خالد الحذاء عن ابن سيرين أو غيره أن عمر بن الخطاب رأى رجلا عليه ثياب سفر بعد ما قضى الجمعة فقال: ما شأنك ؟ قال أردت سفرا فكرهت أن أخرج حتى أصلي فقال عمر إن الجمعة لا تمنعك السفر ما لم يحضر وقتها فهذا قول من يمنع السفر بعد الزوال ولا يمنع منه قبله .
    وذكره عبد الرزاق أيضا عن الثوري عن الأسود بن قيس عن أبيه قال أبصر عمر بن الخطاب رجلا عليه هيئة السفر وقال الرجل إن اليوم يوم جمعة ولولا ذلك لخرجت فقال عمر : إن الجمعة لا تحبس مسافرا فاخرج ما لم يحن الرواح
    وذكر أيضا عن الثوري عن ابن أبي ذئب عن صالح بن كثير عن الزهري قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مسافرا يوم الجمعة ضحى قبل الصلاة
    وذكر عن معمر قال سألت يحيى بن أبي كثير : هل يخرج الرجل يوم الجمعة ؟ فكرهه فجعلت أحدثه بالرخصة فيه فقال لي : قلما يخرج رجل في يوم الجمعة إلا رأى ما يكرهه لو نظرت في ذلك وجدته كذلك .
    وذكر ابن المبارك عن الأوزاعي عن حسان بن أبي عطية قال إذا سافر الرجل يوم الجمعة دعا عليه النهار أن لا يعان على حاجته ولا يصاحب في سفره .
    وذكر الأوزاعي عن ابن المسيب أنه قال السفر يوم الجمعة بعد الصلاة . قال ابن جريج : قلت لعطاء أبلغك أنه كان يقال إذا أمسى في قرية جامعة من ليلة الجمعة فلا يذهب حتى يجمع ؟ قال إن ذلك ليكره .
    قلت فمن يوم الخميس ؟ قال لا ، ذلك النهار فلا يضره .


  6. #111
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    الصفحة الرئيسة >السيرة > زاد المعاد > الجزء الأول

    السابعة عشرة أن للماشي إلى الجمعة بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها قال عبد الرزاق : عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها وذلك على الله يسير ورواه الإمام أحمد في " مسنده " . وقال الإمام أحمد غسل بالتشديد جامع أهله وكذلك فسره وكيع .




    الصفحة الرئيسة >السيرة > زاد المعاد > الجزء الأول

    الثامنة عشرة أنه يوم تكفير السيئات فقد روى الإمام أحمد في " مسنده " عن سلمان قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أتدري ما يوم الجمعة ؟ " قلت : هو اليوم الذي جمع الله فيه أباكم آدم قال " ولكني أدري ما يوم الجمعة لا يتطهر الرجل فيحسن طهوره ثم يأتي الجمعة فينصت حتى يقضي الإمام صلاته إلا كانت كقارة لما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت المقتلة .
    وفي " المسند " أيضا من حديث عطاء الخراساني عن نبيشة الهذلي أنه كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحدا فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له وإن وجد الإمام قد خرج جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها أن تكون كفارة للجمعة التي تليها .
    وفي " صحيح البخاري " عن سلمان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى .
    وفي " مسند أحمد " من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اغتسل يوم الجمعة ثم لبس ثيابه ومس طيبا إن كان عنده ثم مشى إلى الجمعة وعليه السكينة ولم يتخط أحدا ولم يؤذه وركع ما قضي له ثم انتظر حتى ينصرف الإمام غفر له ما بين الجمعتين
    التاسعة عشرة أن جهنم تسجر كل يوم إلا يوم الجمعة . وقد تقدم حديث أبي قتادة فى ذلك وسر ذلك - والله أعلم - أنه أفضل الأيام عند الله ويقع فيه من الطاعات والعبادات والدعوات والابتهال إلى الله سبحانه وتعالى ما يمنع من تسجير جهنم فيه . ولذلك تكون معاصي أهل الإيمان فيه أقل من معاصيهم في غيره حتى إن أهل الفجور ليمتنعون فيه مما لا يمتنعون منه في يوم السبت وغيره .
    وهذا الحديث الظاهر منه أن المراد سجر جهنم في الدنيا وأنها توقد كل يوم إلا يوم الجمعة وأما يوم القيامة فإنه لا يفتر عذابها ولا يخفف عن أهلها الذين هم أهلها يوما من الأيام ولذلك يدعون الخزنة أن يدعوا ربهم ليخفف عنهم يوما من العذاب فلا يجيبونهم إلى ذلك .
    العشرون أن فيه ساعة الإجابة وهي الساعة التي لا يسأل الله عبد مسلم فيها شيئا إلا أعطاه ففي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه وقال بيده يقللها .
    وفي المسند من حديث أبي لبابة بن عبد المنذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمها عند الله وأعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى وفيه خمس خصال خلق الله فيه آدم وأهبط الله فيه آدم إلى الأرض وفيه توفى الله عز وجل آدم وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه ما لم يسأل حراما وفيه تقوم الساعة ما من ملك مقرب ولا أرض ولا رياح ولا بحر ولا جبال ولا شجر إلا وهن يشفقن من يوم الجمعة
    فصل [ بيان اختلاف الناس في ساعة الإجابة ]
    وقد اختلف الناس في هذه الساعة هل هي باقية أو قد رفعت ؟ على قولين حكاهما ابن عبد البر وغيره والذين قالوا : هي باقية ولم ترفع اختلفوا هل هي في وقت من اليوم بعينه أم هي غير معينة ؟ على قولين . ثم اختلف من قال بعدم تعيينها : هل هي تنتقل في ساعات اليوم أو لا ؟ على قولين أيضا والذين قالوا بتعيينها اختلفوا على أحد عشر قولا .
    قال ابن المنذر روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال هي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد صلاة العصر إلى غروب الشمس .
    الثاني : أنها عند الزوال ذكره ابن المنذر عن الحسن البصري وأبي العالية .
    الثالث أنها إذا أذن المؤذن بصلاة الجمعة قال ابن المنذر روينا ذلك عن عائشة رضي الله عنها .
    الرابع أنها إذا جلس الإمام على المنبر يخطب حتى يفرغ قال ابن المنذر رويناه عن الحسن البصري .
    الخامس قاله أبو بردة هي الساعة التي اختار الله وقتها للصلاة .
    السادس قاله أبو السوار العدوي وقال كانوا يرون أن الدعاء مستجاب ما بين زوال الشمس إلى أن تدخل الصلاة .
    السابع قاله أبو ذر إنها ما بين أن ترتفع الشمس شبرا إلى ذراع .
    الثامن أنها ما بين العصر إلى غروب الشمس قاله أبو هريرة وعطاء وعبد الله بن سلام وطاووس حكى ذلك كله ابن المنذر .
    التاسع أنها آخر ساعة بعد العصر وهو قول أحمد وجمهور الصحابة والتابعين .
    العاشر أنها من حين خروج الإمام إلى فراغ الصلاة حكاه النووي وغيره .
    الحادي عشر أنها الساعة الثالثة من النهار حكاه صاحب " المغني " فيه . وقال كعب لو قسم الإنسان جمعة في جمع أتى على تلك الساعة . وقال عمر إن طلب حاجة في يوم ليسير .
    وأرجح هذه الأقوال قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة وأحدهما أرجح من الآخر.

    [ دليل من قال بأن ساعة الإجابة من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ]

    الأول أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة وحجة هذا القول ما روى مسلم في " صحيحه " من حديث أبي بردة بن أبي موسى أن عبد الله بن عمر قال له أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة شيئا ؟ قال نعم سمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة " .
    وروى ابن ماجه والترمذي من حديث عمرو بن عوف المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجمعة ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه " قالوا : يا رسول الله أية ساعة هي ؟ قال " حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها .
    [ ترجيح المصنف بأنها بعد العصر مع أدلته ]
    والقول الثاني : أنها بعد العصر وهذا أرجح القولين وهو قول عبد الله بن سلام
    وأبي هريرة والإمام أحمد وخلق . وحجة هذا القول ما رواه أحمد في " مسنده " من حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه وهي بعد العصر
    وروى أبو داود والنسائي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الجمعة اثنا عشر ساعة فيها ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا أعطاه فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر .
    وروى سعيد بن منصور في " سننه " عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة .
    وفي " سنن ابن ماجه " : عن عبد الله بن سلام قال قلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إنا لنجد في كتاب الله ( يعني التوراة في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يصلي يسأل الله عز وجل شيئا إلا قضى الله له حاجته قال عبد الله فأشار إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بعض ساعة . قلت : صدقت يا رسول الله أو بعض ساعة . قلت : أي ساعة هي ؟ قال هي آخر ساعة من ساعات النهار " . قلت إنها ليست ساعة صلاة قال بلى إن العبد المؤمن إذا صلى ثم جلس لا يجلسه إلا الصلاة فهو في صلاة
    وفي " مسند أحمد " من حديث أبي هريرة قال قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لأي شيء سمي يوم الجمعة ؟ قال لأن فيها طبعتطينة أبيك آدم وفيها الصعقة والبعثة وفيها البطشة وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له .
    وفي " سنن أبي داود " والترمذي والنسائي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أهبط وفيه تيب عليه وفيه مات وفيه تقوم الساعة وما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة من حين تصبح حتى تطلع الشمس شفقا من الساعة إلا الجن والإنس وفيه ساعة لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي يسأل الله عز وجل حاجة إلا أعطاه إياه ا قال كعب ذلك في كل سنة يوم ؟ فقلت بل في كل جمعة قال فقرأ كعب التوراة فقال صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو هريرة ثم لقيت عبد الله بن سلام فحدثته بمجلسي مع كعب فقال عبد الله بن سلام وقد علمت أية ساعة هي . قال أبو هريرة فقلت أخبرني بها فقال عبد الله بن سلام هي آخر ساعة من يوم الجمعة فقلت : كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يصادفها عبد مسلم وهو يصلي " وتلك الساعة لا يصلى فيها ؟ فقال عبد الله بن سلام ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم " من جلس مجلسا ينتظر الصلاة فهو في صلاة حتى يصلي " ؟ قال فقلت : بلى . فقال هو ذاك . قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وفي " الصحيحين " بعضه
    [ رد المصنف على بقية الأقوال ]
    وأما من قال إنها من حين يفتتح الإمام الخطبة إلى فراغه من الصلاة فاحتج بما رواه مسلم في " صحيحه " عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال قال عبد الله بن عمر أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى شأن ساعة الجمعة ؟ قال قلت : نعم سمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الإمام الصلاة . وأما من قال هي ساعة الصلاة فاحتج بما رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عمرو بن عوف المزني قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن في الجمعة لساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا آتاه الله إياه " . قالوا : يا رسول الله أية ساعة هي ؟ قال " حين تقام الصلاة إلى الانصراف منها . ولكن هذا الحديث ضعيف قال أبو عمر بن عبد البر هو حديث لم يروه فيما علمت إلا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وليس هو ممن يحتج بحديثه .
    وقد روى روح بن عبادة عن عوف عن معاوية بن قرة عن أبي بردة عن أبي موسى أنه قال لعبد الله بن عمر هي الساعة التي يخرج فيها الإمام إلى أن تقضى الصلاة . فقال ابن عمر أصاب الله بك .
    وروى عبد الرحمن بن حجيرة عن أبي ذر أن امرأته سألته عن الساعة التي يستجاب فيها يوم الجمعة للعبد المؤمن فقال لها : هي مع رفع الشمس بيسير فإن سألتني بعدها فأنت طالق .
    واحتج هؤلاء أيضا بقوله في حديث أبي هريرة " وهو قائم يصلي " وبعد العصر لا صلاة في ذلك الوقت والأخذ بظاهر الحديث أولى . قال أبو عمر يحتج أيضا من ذهب إلى هذا بحديث علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إذا زالت الشمس وفاءت الأفياء وراحت الأرواح فاطلبوا إلى الله حوائجكم فإنها ساعة الأوابين ثم تلا : فإنه كان للأواببن غفورا الإسراء : 25 "
    وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال الساعة التي تذكر يوم الجمعة ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس .
    وكان سعيد بن جبير إذا صلى العصر لم يكلم أحدا حتى تغرب الشمس وهذا هو قول أكثر السلف وعليه أكثر الأحاديث . ويليه القول بأنها ساعة الصلاة وبقية الأقوال لا دليل عليها .
    [ ساعة الصلاة ساعة ترجى فيها الإجابة ولكنها ليست الساعة المخصوصة ]
    وعندي أن ساعة الصلاة ساعة ترجى فيها الإجابة أيضا فكلاهما ساعة إجابة وإن كانت الساعة المخصوصة هي آخر ساعة بعد العصر فهي ساعة معينة من اليوم لا تتقدم ولا تتأخر وأما ساعة الصلاة فتابعة للصلاة تقدمت أو تأخرت لأن لاجتماع المسلمين وصلاتهم وتضرعهم وابتهالهم إلى الله تعالى تأثيرا في الإجابة فساعة اجتماعهم ساعة ترجى فيها الإجابة وعلى هذا تتفق الأحاديث كلها ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد حض أمته على الدعاء والابتهال إلى الله تعالى في هاتين الساعتين .
    ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال هو مسجدكم هذا وأشار إلى مسجد المدينة . وهذا لا ينفي أن يكون مسجد قباء الذي نزلت فيه الآية مؤسسا على التقوى بل كل منهما مؤسس على التقوى
    وكذلك قوله في ساعة الجمعة " هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تنقضي الصلاة " لا ينافي قوله في الحديث الآخر فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر .
    ويشبه هذا في الأسماء قوله ما تعدون الرقوب فيكم ؟ قالوا : من لم يولد له قال " الرقوب من لم يقدم من ولده شيئا .
    فأخبر أن هذا هو الرقوب إذ لم يحصل له من ولده من الأجر ما حصل لمن قدم منهم فرطا وهذا لا ينافي أن يسمى من لم يولد له رقوبا .
    ومثله قوله ما تعدون المفلس فيكم ؟ قالوا : من لا درهم له ولا متاع . قال " المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ويأتي وقد لطم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته الحديث .
    ومثله قوله صلى الله عليه وسلم ليس المسكين بهذا الطواف الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين الذي لا يسأل الناس ولا يتفطن له . فيتصدق عليه
    [ آخر ساعة من يوم الجمعة يعظمها جميع أهل الملل ]
    وهذه الساعة هي آخر ساعة بعد العصر يعظمها جميع أهل الملل . وعند أهل الكتاب هي ساعة الإجابة وهذا مما لا غرض لهم في تبديله وتحريفه وقد اعترف به مؤمنهم .
    [ متابعة المصنف لرد بقية الأقوال ]
    وأما من قال بتنقلها فرام الجمع بذلك بين الأحاديث كما قيل ذلك في ليلة القدر وهذا ليس بقوي فإن ليلة القدر قد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم فالتمسوها في خامسة تبقى في سابعة تبقى في تاسعة تبقى . ولم يجئ مثل ذلك في ساعة الجمعة .
    وأيضا فالأحاديث التي في ليلة القدر ليس فيها حديث صريح بأنها ليلة كذا وكذا بخلاف أحاديث ساعة الجمعة فظهر الفرق بينهما .
    وأما قول من قال إنها رفعت فهو نظير قول من قال إن ليلة القدر رفعت وهذا القائل إن أراد أنها كانت معلومة فرفع علمها عن الأمة فيقال له لم يرفع علمها عن كل الأمة وإن رفع عن بعضهم وإن أراد أن حقيقتها وكونها ساعة إجابة رفعت فقول باطل مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة فلا يعول عليه والله أعلم .



  7. #112
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم


    الصفحة الرئيسة >السيرة > زاد المعاد > الجزء الأول

    الحادية والعشرون أن فيه صلاة الجمعة التي خصت من بين سائر الصلوات المفروضات بخصائص لا توجد في غيرها من الاجتماع والعدد المخصوص واشتراط الإقامة والاستيطان والجهر بالقراءة . وقد جاء من التشديد فيها ما لم يأت نظيره إلا في صلاة العصر ففي السنن الأربعة من حديث أبي الجعد الضمري - وكانت له صحبة - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من ترك ثلاث جمع تهاونا طبع الله على قلبه قال الترمذي : حديث حسن وسألت محمد بن إسماعيل عن اسم أبي الجعد الضمري فقال لم يعرف اسمه وقال لا أعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث . وقد جاء في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر لمن تركها أن يتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار . رواه أبو داود والنسائي من رواية قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب . ولكن قال أحمد : قدامة بن وبرة لا يعرف . وقال يحيى بن معين : ثقة وحكي عن البخاري أنه لا يصح سماعه من سمرة .
    وأجمع المسلمون على أن الجمعة فرض عين إلا قولا يحكى عن الشافعي أنها فرض كفاية وهذا غلط عليه منشؤه أنه قال وأما صلاة العيد فتجب على كل من تجب عليه صلاة الجمعة فظن هذا القائل أن العيد لما كانت فرض كفاية كانت الجمعة كذلك . وهذا فاسد بل هذا نص من الشافعي أن العيد واجب على الجميع وهذا يحتمل أمرين أحدهما : أن يكون فرض عين كالجمعة وأن يكون فرض كفاية فإن فرض الكفاية يجب على الجميع كفرض الأعيان سواء وإنما يختلفان بسقوطه عن البعض بعد وجوبه بفعل الآخرين .
    الثانية والعشرون أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة وتذكير العباد بأيامه وتحذيرهم من بأسه ونقمته ووصيتهم بما يقربهم إليه وإلى جنانه ونهيهم عما يقربهم من سخطه وناره فهذا هو مقصود الخطبة والاجتماع لها .
    الثالثة والعشرون أنه اليوم الذي يستحب أن يتفرغ فيه للعبادة وله على سائر الأيام مزية بأنواع من العبادات واجبة ومستحبة فالله سبحانه جعل لأهل كل ملة يوما يتفرغون فيه للعبادة ويتخلون فيه عن أشغال الدنيا فيوم الجمعة يوم عبادة وهو في الأيام كشهر رمضان في الشهور وساعة الإجابة فيه كليلة القدر في رمضان . ولهذا من صح له يوم جمعته وسلم سلمت له سائر جمعته ومن صح له رمضان وسلم سلمت له سائر سنته ومن صحت له حجته وسلمت له صح له سائر عمره فيوم الجمعة ميزان الأسبوع ورمضان ميزان العام والحج ميزان العمر . وبالله التوفيق .
    الرابعة والعشرون أنه لما كان في الأسبوع كالعيد في العام وكان العيد مشتملا على صلاة وقربان وكان يوم الجمعة يوم صلاة جعل الله سبحانه التعجيل فيه إلى المسجد بدلا من القربان وقائما مقامه فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاة والقربان كما في " الصحيحين " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن
    [ المقصود بالساعة في قوله من راح في الساعة الأولى]
    وقد اختلف الفقهاء في هذه الساعة على قولين أحدهما : أنها من أول النهار وهذا هو المعروف في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما .
    والثاني : أنها أجزاء من الساعة السادسة بعد الزوال وهذا هو المعروف في مذهب مالك واختاره بعض الشافعية واحتجوا عليه بحجتين . إحداهما : أن الرواح لا يكون إلا بعد الزوال وهو مقابل الغدو الذي لا يكون إلا قبل الزوال قال تعالى :
    ورواحها شهر [ سبأ 12 ] . قال الجوهري : ولا يكون إلا بعد الزوال .
    الحجة الثانية أن السلف كانوا أحرص شيء على الخير ولم يكونوا يغدون إلى الجمعة من وقت طلوع الشمس وأنكر مالك التبكير إليها في أول النهار وقال لم ندرك عليه أهل المدينة .
    [أدلة من قال بأن الساعة الأولى من أول النهار وترجيح المصنف له ]
    واحتج أصحاب القول الأول بحديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم " يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة " .
    قالوا : والساعات المعهودة هي الساعات التي هي ثنتا عشرة ساعة وهي نوعان ساعات تعديلية وساعات زمانية قالوا : ويدل على هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما بلغ بالساعات إلى ست ولم يزد عليها ولو كانت الساعة أجزاء صغارا من الساعة التي تفعل فيها الجمعة لم تنحصر في ستة أجزاء بخلاف ما إذا كان المراد بها الساعات المعهودة فإن الساعة السادسة متى خرجت ودخلت السابعة خرج الإمام وطويت الصحف ولم يكتب لأحد قربان بعد ذلك كما جاء مصرحا به في " سنن أبي داود " من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم الجمعة غدت الشياطين براياتها إلى الأسواق فيرمون الناس بالترابيث أو الربائث ويثبطونهم عن الجمعة وتغدو الملائكة فتجلس على أبواب المساجد فيكتبون الرجل من ساعة والرجل من ساعتين حتى يخرج الإمام
    قال أبو عمر بن عبد البر : اختلف أهل العلم في تلك الساعات فقالت طائفة منهم أراد الساعات من طلوع الشمس وصفائها والأفضل عندهم التبكير في ذلك الوقت إلى الجمعة وهو قول الثوري وأبي حنيفة والشافعي وأكثر العلماء بل كلهم يستحب البكور إليها .
    قال الشافعي رحمه الله ولو بكر إليها بعد الفجر وقبل طلوع الشمس كان حسنا . وذكر الأثرم قال قيل لأحمد بن حنبل كان مالك بن أنس يقول لا ينبغي التهجير يوم الجمعة باكرا فقال هذا خلاف حديث النبي صلى الله عليه وسلم . وقال سبحان الله إلى أي شيء ذهب في هذا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " كالمهدي جزورا " . قال وأما مالك فذكر يحيى بن عمر عن حرملة أنه سأل ابن وهب عن تفسير هذه الساعات أهو الغدو من أول ساعات النهار أو إنما أراد بهذا القول ساعات الرواح ؟ فقال ابن وهب : سألت مالكا عن هذا فقال أما الذي يقع بقلبي فإنه إنما أراد ساعة واحدة تكون فيها هذه الساعات من راح من أول تلك الساعة أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة أو الخامسة أو السادسة . ولو لم يكن كذلك ما صليت الجمعة حتى يكون النهار تسع ساعات في وقت العصر أو قريبا من ذلك .
    وكان ابن حبيب ينكر مالك هذا ويميل إلى القول الأول وقال قول مالك هذا تحريف في تأويل الحديث ومحال من وجوه . وقال يدلك أنه لا يجوز ساعات في ساعة واحدة أن الشمس إنما تزول في الساعة السادسة من النهار وهو وقت الأذان وخروج الإمام إلى الخطبة فدل ذلك على أن الساعات في هذا الحديث هي ساعات النهار المعروفات فبدأ بأول ساعات النهار فقال : من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ثم قال في الساعة الخامسة بيضة ثم انقطع التهجير وحان وقت الأذان فشرح الحديث بين في لفظه ولكنه حرف عن موضعه وشرح بالخلف من القول وما لا يكون وزهد شارحه الناس فيما رغبهم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من التهجير من أول النهار وزعم أن ذلك كله إنما يجتمع في ساعة واحدة قرب زوال الشمس قال وقد جاءت الآثار بالتهجير إلى الجمعة في أول النهار وقد سقنا ذلك في موضعه من كتاب واضح السنن بما فيه بيان وكفاية .
    هذا كله قول عبد الملك بن حبيب ثم رد عليه أبو عمر وقال هذا تحامل منه على مالك رحمه الله تعالى فهو الذي قال القول الذي أنكره وجعله خلفا وتحريفا من التأويل والذي قاله مالك تشهد له الآثار الصحاح من رواية الأئمة ويشهد له أيضا العمل بالمدينة عنده وهذا مما يصح فيه الاحتجاج بالعمل لأنه أمر يتردد كل جمعة لا يخفى على عامة العلماء .
    فمن الآثار التي يحتج بها مالك ما رواه الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا كان يوم الجمعة قام على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس الأول فالأول فالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ثم الذي يليه كالمهدي كبشا حتى ذكر الدجاجة والبيضة فإذا جلس الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة
    قال ألا ترى إلى ما في هذا الحديث فإنه قال يكتبون الناس الأول فالأول فالمهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة ثم الذي يليه فجعل الأول مهجرا وهذه اللفظة إنما هي مأخوذة من الهاجرة والتهجير وذلك وقت النهوض إلى الجمعة وليس ذلك وقت طلوع الشمس لأن ذلك الوقت ليس بهاجرة ولا تهجير وفي الحديث " ثم الذي يليه ثم الذي يليه " . ولم يذكر الساعة . قال والطرق بهذا اللفظ كثيرة مذكورة في " التمهيد " وفي بعضها " المتعجل إلى الجمعة كالمهدي بدنة " .
    وفي أكثرها " المهجر كالمهدي جزورا " الحديث . وفي بعضها ما يدل على أنه جعل الرائح إلى الجمعة في أول الساعة كالمهدي بدنة وفي آخرها كذلك وفي أول الساعة الثانية كالمهدي بقرة وفي آخرها كذلك . وقال بعض أصحاب الشافعي لم يرد صلى الله عليه وسلم بقوله المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة الناهض إليها في الهجير والهاجرة وإنما أراد التارك لأشغاله وأعماله من أغراض أهل الدنيا للنهوض إلى الجمعة كالمهدي بدنة وذلك مأخوذ من الهجرة وهو ترك الوطن والنهوض إلى غيره ومنه سمي المهاجرون
    وقال الشافعي رحمه الله أحب التبكير إلى الجمعة ولا تؤتى إلا مشيا .
    هذا كله كلام أبي عمر . قلت : ومدار إنكار التبكير أول النهار على ثلاثة أمور أحدها : على لفظة الرواح وإنها لا تكون إلا بعد الزوال والثاني : لفظة التهجير وهي إنما تكون بالهاجرة وقت شدة الحر والثالث عمل أهل المدينة فإنهم لم يكونوا يأتون من أول النهار.
    قد يأتي الرواح بمعنى الذهاب
    فأما لفظة الرواح فلا ريب أنها تطلق على المضي بعد الزوال وهذا إنما يكون في الأكثر إذا قرنت بالغدو كقوله تعالى : غدوها شهر ورواحها شهر [ سبأ 12 ] وقوله صلى الله عليه وسلم من غدا إلى المسجد وراح أعد الله له نزلا في الجنة كلما غدا أو راح
    وقول الشاعر .
    نروح ونغدو لحاجاتنا

    </SPAN>وحاجة من عاش لا تنقضي
    وقد يطلق الرواح بمعنى الذهاب والمضي وهذا إنما يجيء إذا كانت مجردة عن الاقتران بالغدو .
    وقال الأزهري في " التهذيب " : سمعت بعض العرب يستعمل الرواح في السير في كل وقت يقال راح القوم إذا ساروا وغدوا كذلك ويقول أحدهم لصاحبه تروح ويخاطب أصحابه فيقول روحوا أي سيروا ويقول الآخر ألا تروحون ؟ ومن ذلك ما جاء في الأخبار الصحيحة الثابتة وهو بمعنى المضي إلى الجمعة والخفة إليها لا بمعنى الرواح بالعشي .
    قد يأتي التهجير بمعنى التبكير وأما لفظ التهجير والمهجر فمن الهجير والهاجرة قال الجوهري : هي نصف النهار عند اشتداد الحر تقول منه : هجر النهار قال امرؤ القيس
    فدعها وسل الهم عنها بجسرة

    ذمول إذا صام النهار وهجرا </SPAN>
    ويقال أتينا أهلنا مهجرين أي في وقت الهاجرة والتهجير والتهجر السير في الهاجرة فهذا ما يقرر به قول أهل المدينة .
    قال الآخرون الكلام في لفظ التهجير كالكلام في لفظ الرواح فإنه يطلق ويراد به التبكير .
    قال الأزهري في " التهذيب " : روى مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه
    وفي حديث آخر مرفوع المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة قال ويذهب كثير من الناس إلى أن التهجير في هذه الأحاديث تفعيل من الهاجرة وقت الزوال وهو غلط والصواب فيه ما روى أبو داود المصاحفي عن النضر بن شميل أنه قال التهجير إلى الجمعة وغيرها : التبكير والمبادرة إلى كل شيء قال سمعت الخليل يقول ذلك قاله في تفسير هذا الحديث .
    قال الأزهري : وهذا صحيح وهي لغة أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس قال لبيد :
    راح القطين بهجر بعد ما ابتكروا

    فما تواصله سلمى وما تذر
    فقرن الهجر بالابتكار والرواح عندهم الذهاب والمضي يقال راح القوم إذا خفوا ومروا أي وقت كان .
    وقوله صلى الله عليه وسلم لو يعلم الناس ما في التهجير لاستبقوا إليه أراد به التبكير إلى جميع الصلوات وهو المضي إليها في أول أوقاتها قال الأزهري وسائر العرب يقولون : هجر الرجل إذا خرج وقت الهاجرة وروى عن أبي زيد : هجر الرجل إذا خرج بالهاجرة . قال وهي نصف النهار .
    ثم قال الأزهري : أنشدني المنذري فيما روى لثعلب عن ابن الأعرابي في " نوادره " قال قال جعثنة بن جواس الربعي في ناقته :
    هل تذكرين قسمي ونذري

    </SPAN>أزمان أنت بعروض الجفر
    إذ أنت مضرار جواد الحضر

    علي إن لم تنهضي بوقري
    بأربعين قدرت بقدر

    بالخالدي لا بصاع حجر
    وتصحبي أيانقا في سفر

    يهجرون بهجير الفجر
    ثمت تمشي ليلهم فتسري

    يطوون أعراض الفجاج الغبر
    طي أخي التجر برود التجر
    قال الأزهري يهجرون بهجير الفجر أي يبكرون بوقت السحر .
    وأما كون أهل المدينة لم يكونوا يروحون إلى الجمعة أول النهار فهذا غاية عملهم في زمان مالك رحمه الله وهذا ليس بحجة ولا عند من يقول إجماع أهل المدينة حجة فإن هذا ليس فيه إلا ترك الرواح إلى الجمعة من أول النهار وهذا جائز بالضرورة .
    وقد يكون اشتغال الرجل بمصالحه ومصالح أهله ومعاشه وغير ذلك من أمور دينه ودنياه أفضل من رواحه إلى الجمعة من أول النهار ولا ريب أن انتظار الصلاة بعد الصلاة وجلوس الرجل في مصلاه حتى يصلي الصلاة الأخرى أفضل من ذهابه وعوده في وقت آخر للثانية كما قال صلى الله عليه وسلم والذي ينتظر الصلاة ثم يصليها مع الإمام أفضل من الذي يصلي ثم يروح إلى أهله وأخبر " أن الملائكة لم تزل تصلي عليه ما دام في مصلاه " وأخبر " أن انتظار الصلاة بعد الصلاة مما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات وأنه الرباط " وأخبر " أن الله يباهي ملائكته بمن قضى فريضة وجلس ينتظر أخرى " وهذا يدل على أن من صلى الصبح ثم جلس ينتظر الجمعة فهو أفضل ممن يذهب ثم يجيء في وقتها وكون أهل المدينة وغيرهم لا يفعلون ذلك لا يدل على أنه مكروه فهكذا المجيء إليها والتبكير في أول النهار والله أعلم .








    الصفحة الرئيسة >السيرة > زاد المعاد > الجزء الأول

    الخامسة والعشرون أن للصدقة فيه مزية عليها في سائر الأيام والصدقة فيه بالنسبة إلى سائر أيام الأسبوع كالصدقة في شهر رمضان بالنسبة إلى سائر الشهور .
    وشاهدت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه إذا خرج إلى الجمعة يأخذ ما وجد في البيت من خبز أو غيره فيتصدق به في طريقه سرا وسمعته يقول إذا كان الله قد أمرنا بالصدقة بين يدي مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالصدقة بين يدي مناجاته تعالى أفضل وأولى بالفضيلة .
    وقال أحمد بن زهير بن حرب : حدثنا أبي حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال اجتمع أبو هريرة وكعب فقال أبو هريرة : إن في الجمعة لساعة لا يوافقها رجل مسلم في صلاة يسأل الله عز وجل شيئا إلا آتاه إياه فقال كعب : أنا أحدثكم عن يوم الجمعة إنه إذا كان يوم الجمعة فزعت له السموات والأرض والبر والبحر والجبال والشجر والخلائق كلها إلا ابن آدم والشياطين وحفت الملائكة بأبواب المسجد فيكتبون من جاء الأول فالأول حتى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام طووا صحفهم فمن جاء بعد جاء لحق الله لما كتب عليه وحق على كل حالم أن يغتسل يومئذ كاغتساله من الجنابة والصدقة فيه أعظم من الصدقة في سائر الأيام ولم تطلع الشمس ولم تغرب على مثل يوم الجمعة فقال ابن عباس : هذا حديث كعب وأبي هريرة وأنا أرى إن كان لأهله طيب يمس منه .


    [ يوم تجلى الله فيه لأوليائه في الجنة ]


    السادسة والعشرون أنه يوم يتجلى الله عز وجل فيه لأوليائه المؤمنين في الجنة وزيارتهم له فيكون أقربهم منهم أقربهم من الإمام وأسبقهم إلى الزيارة أسبقهم إلى الجمعة . وروى يحيى بن يمان عن شريك عن أبي اليقظان عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله عز وجل ولدينا مزيد [ ق : 35 ] قال يتجلى لهم في كل جمعة
    وذكر الطبراني في " معجمه " من حديث أبي نعيم المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة قال قال عبد الله سارعوا إلى الجمعة فإن الله عز وجل يبرز لأهل الجنة في كل جمعة في كثيب من كافور فيكونون منه في القرب على قدر تسارعهم إلى الجمعة فيحدث الله سبحانه لهم من الكرامة شيئا لم يكونوا قد رأوه قبل ذلك ثم يرجعون إلى أهليهم فيحدثونهم بما أحدث الله لهم . قال ثم دخل عبد الله المسجد فإذا هو برجلين فقال عبد الله رجلان وأنا الثالث إن يشأ الله يبارك في الثالث
    وذكر البيهقي في " الشعب " عن علقمة بن قيس قال رحت مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إلى جمعة فوجد ثلاثة قد سبقوه فقال رابع أربعة وما رابع أربعة ببعيد . ثم قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" إن الناس يجلسون يوم القيامة من الله على قدر رواحهم إلى الجمعة الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع . ثم قال وما أربع أربعة ببعيد
    قال الدارقطني في كتاب " الرؤية " : حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن حدثنا محمد بن عثمان بن محمد حدثنا مروان بن جعفر حدثنا نافع أبو الحسن مولى بني هاشم حدثنا عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم فأحدثهم عهدا بالنظر إليه من بكر في كل جمعة وتراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر
    حدثنا محمد بن نوح حدثنا محمد بن موسى بن سفيان السكري حدثنا عبد الله بن الجهم الرازي حدثنا عمرو بن أبي قيس عن أبي طيبة عن عاصم عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتاني جبريل وفي يده كالمرآة البيضاء فيها كالنكتة السوداء فقلت ما هذا يا جبريل ؟ قال هذه الجمعة يعرضها الله عليك لتكون لك عيدا ولقومك من بعدك قلت وما لنا فيها ؟ قال لكم فيها خير أنت فيها الأول واليهود والنصارى من بعدك ولك فيها ساعة لا يسأل الله عز وجل عبد فيها شيئا هو له قسم إلا أعطاه أو ليس له قسم إلا أعطاه أفضل منه وأعاذه الله من شر ما هو مكتوب عليه وإلا دفع عنه ما هو أعظم من ذلك . قال قلت وما هذه النكتة السوداء ؟ قال هي الساعة تقوم يوم الجمعة وهو عندنا سيد الأيام ويدعوه أهل الآخرة يوم المزيد . قال قلت يا جبريل وما يوم المزيد ؟ قال ذلك أن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا أفيح من مسك أبيض فإذا كان يوم الجمعة نزل على كرسيه ثم حف الكرسي بمنابر من نور فيجيء النبيون حتى يجلسوا عليها ثم حف المنابر بمنابر من ذهب فيجيء الصديقون والشهداء حتى يجلسوا عليها ويجيء أهل الغرف حتى يجلسوا على الكثب قال ثم يتجلى لهم ربهم عز وجل قال فينظرون إليه فيقول أنا الذي صدقتكم وعدي وأتممت عليكم نعمتي وهذا محل كرامتي فسلوني فيسألونه الرضى . قال رضاي أنزلكم داري وأنا لكم كرامتي فسلوني فيسألونه الرضى . قال فيشهد لهم بالرضى ثم يسألونه حتى تنتهي رغبتهم ثم يفتح لهم عند ذلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . قال ثم يرتفع رب العزة ويرتفع معه النبيون والشهداء ويجيء أهل الغرف إلى غرفهم . قال كل غرفة من لؤلؤة لا وصل فيها ولا فصم ياقوتة حمراء وغرفة من زبرجدة خضراء أبوابها وعلاليها وسقائفها وأغلاقها منها أنهارها مطردة متدلية فيها أثمارها فيها أزواجها وخدمها . قال فليسوا إلى شيء أحوج منهم إلى يوم الجمعة ليزدادوا من كرامة الله عز وجل والنظر إلى وجهه الكريم فذلك يوم المزيد
    ولهذا الحديث عدة طرق ذكرها أبو الحسن الدارقطني في كتاب " الرؤية " .


    <A id="الكلمات المفتاحية" name="هو الشاهد في قوله تعالى: وشاهد ومشهود115">[ هو الشاهد في قوله تعالى وشاهد ومشهود ]


    السابعة والعشرون أنه قد فسر الشاهد الذي أقسم الله به في كتابه بيوم الجمعة قال حميد بن زنجويه : حدثنا عبد الله بن موسى أنبأنا موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود هو يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة ما طلعت شمس ولا غربت على أفضل من يوم الجمعة فيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يدعو الله فيها بخير إلا استجاب له أو يستعيذه من شر إلا أعاذه منه
    ورواه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " عن روح عن موسى بن عبيدة .
    وفي " معجم الطبراني " من حديث محمد بن إسماعيل بن عياش حدثني أبي حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم الموعود يوم القيامة والشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة ويوم الجمعة ذخره الله لنا وصلاة الوسطى صلاة العصر
    وقد روي من حديث جبير بن مطعم . قلت : والظاهر - والله أعلم - أنه من تفسير أبي هريرة فقد قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت علي بن زيد ويونس بن عبيد يحدثان عن عمار مولى بني هاشم عن أبي هريرة أما علي بن زيد فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما يونس فلم يعد أبا هريرة أنه قال في هذه الآية وشاهد ومشهود قال : الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة والموعود يوم القيامة


  8. #113
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    [ هو اليوم الذي تفزع فيه الخلائق إلا الإنس والجن ]
    الثامنة والعشرون أنه اليوم الذي تفزع منه السموات والأرض والجبال والبحار والخلائق كلها إلا الإنس والجن فروى أبو الجواب عن عمار بن زريق عن منصور عن مجاهد عن ابن عباس قال اجتمع كعب وأبو هريرة فقال أبو هريرة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه
    فقال كعب : ألا أحدثكم عن يوم الجمعة إنه إذا كان يوم الجمعة فزعت له السموات والأرض والجبال والبحار والخلائق كلها إلا ابن آدم والشياطين وحفت الملائكة بأبواب المساجد فيكتبون الأول فالأول حتى يخرج الإمام فإذا خرج الإمام طووا صحفهم ومن جاء بعد جاء لحق الله ولما كتب عليه ويحق على كل حالم أن يغتسل فيه كاغتساله من الجنابة والصدقة فيه أفضل من الصدقة في سائر الأيام ولم تطلع الشمس ولم تغرب على يوم كيوم الجمعة .
    قال ابن عباس : هذا حديث كعب وأبي هريرة وأنا أرى من كان لأهله طيب أن يمس منه يومئذ .
    وفي حديث أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه وسلم لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة وما من دابة إلا وهي تفزع ليوم الجمعة إلا هذين الثقلين من الجن والإنس وهذا حديث صحيح .
    وذلك أنه اليوم الذي تقوم فيه الساعة ويطوى العالم وتخرب فيه الدنيا ويبعث فيه الناس إلى منازلهم من الجنة والنار .
    [ هو اليوم الذي هدى الله هذه الأمة له ]
    التاسعة والعشرون أنه اليوم الذي ادخره الله لهذه الأمة وأضل عنه أهل الكتاب قبلهم كما في " الصحيح " من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما طلعت الشمس ولا غربت على يوم خير من يوم الجمعة هدانا الله له وضل الناس عنه فالناس لنا فيه تبع هو لنا ولليهود يوم السبت وللنصارى يوم الأحد وفي حديث آخر " ذخره الله لنا " .
    وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عاصم عن حصين بن عبد الرحمن عن عمر بن قيس عن محمد بن الأشعث عن عائشة قالت بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ استأذن رجل من اليهود فأذن له فقال السام عليك قال النبي صلى الله عليه وسلم وعليك . قالت فهممت أن أتكلم قالت ثم دخل الثانية فقال مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم وعليك قالت فهممت أن أتكلم ثم دخل الثالثة فقال السام عليكم قالت فقلت بل السام عليكم وغضب الله إخوان القردة والخنازير أتحيون رسول الله بما لم يحيه به الله عز وجل . قالت فنظر إلي فقال : مه إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش قالوا قولا فرددناه عليهم فلم يضرنا شيئا ولزمهم إلى يوم القيامة إنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على الجمعة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام آمين
    وفي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد
    وفي " بيد " لغتان بالباء وهي المشهورة وميد بالميم حكاها أبو عبيد . وفي هذه الكلمة قولان أحدهما : أنها بمعنى " غير " وهو أشهر معنييها والثاني : بمعنى " على " وأنشد أبو عبيد شاهدا له
    عمدا فعلت ذاك بيد أني
    إخال لو هلكت لم ترني </SPAN>
    ترني : تفعلي من الرنين





    [خيرة الله من أيام الأسبوع ]
    الثلاثون أنه خيرة الله من أيام الأسبوع كما أن شهر رمضان خيرته من شهور العام وليلة القدر خيرته من الليالي ومكة خيرته من الأرض ومحمد صلى الله عليه وسلم خيرته من خلقه .
    قال آدم بن أبي إياس : حدثنا شيبان أبو معاوية عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن كعب الأحبار . قال إن الله عز وجل اختار الشهور واختار شهر رمضان واختار الأيام واختار يوم الجمعة واختار الليالي واختار ليلة القدر واختار الساعات واختار ساعة الصلاة والجمعة تكفر ما بينها وبين الجمعة الأخرى وتزيد ثلاثا ورمضان يكفر ما بينه وبين رمضان والحج يكفر ما بينه وبين الحج والعمرة تكفر ما بينها وبين العمرة ويموت الرجل بين حسنتين حسنة قضاها وحسنة ينتظرها يعني صلاتين وتصفد الشياطين في رمضان وتغلق أبواب النار وتفتح فيه أبواب الجنة ويقال فيه يا باغي الخير هلم . رمضان أجمع وما من ليال أحب إلى الله العمل فيهن من ليالي العشر
    [ فيه تدنو أرواح الموتى من قبورهم ]
    الحادية والثلاثون إن الموتى تدنو أرواحهم من قبورهم وتوافيها في يوم الجمعة فيعرفون زوارهم ومن يمر بهم ويسلم عليهم ويلقاهم في ذلك اليوم أكثر من معرفتهم بهم في غيره من الأيام فهو يوم تلتقي فيه الأحياء والأموات فإذا قامت فيه الساعة التقى الأولون والآخرون وأهل الأرض وأهل السماء والرب والعبد والعامل وعمله والمظلوم وظالمه والشمس والقمر ولم تلتقيا قبل ذلك قط وهو يوم الجمع واللقاء ولهذا يلتقي الناس فيه في الدنيا أكثر من التقائهم في غيره فهو يوم التلاق . قال أبو التياح يزيد بن حميد : كان مطرف بن عبد الله يبادر فيدخل كل جمعة فأدلج حتى إذا كان عند المقابر يوم الجمعة قال فرأيت صاحب كل قبر جالسا على قبره فقالوا : هذا مطرف يأتي الجمعة قال فقلت لهم وتعلمون عندكم الجمعة ؟ قالوا : نعم ونعلم ما تقول فيه الطير قلت : وما تقول فيه الطير ؟ قالوا : تقول رب سلم سلم يوم صالح .
    وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب " المنامات " وغيره عن بعض أهل عاصم الجحدري قال رأيت عاصما الجحدري في منامي بعد موته لسنتين فقلت أليس قد مت ؟ قال بلى قلت فأين أنت ؟ قال أنا والله في روضة من رياض الجنة أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى بكر بن عبد الله المزني فنتلقى أخباركم . قلت : أجسامكم أم أرواحكم ؟ قال هيهات بليت الأجسام وإنما تتلاقى الأرواح قال قلت فهل تعلمون بزيارتنا لكم ؟ قال نعلم بها عشية الجمعة ويوم الجمعة كله وليلة السبت إلى طلوع الشمس . قال قلت فكيف ذلك دون الأيام كلها ؟ قال لفضل يوم الجمعة وعظمته .
    وذكر ابن أبي الدنيا أيضا عن محمد بن واسع أنه كان يذهب كل غداة سبت حتى يأتي الجبانة فيقف على القبور فيسلم عليهم ويدعو لهم ثم ينصرف . فقيل له لو صيرت هذا اليوم يوم الاثنين . قال بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده .
    وذكر عن سفيان الثوري قال بلغني عن الضحاك أنه قال من زار قبرا يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته . فقيل له كيف ذلك ؟ قال لمكان يوم الجمعة .


  9. #114
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم


    [ يكره إفراده بالصوم ]
    الثانية والثلاثون أنه يكره إفراد يوم الجمعة بالصوم هذا منصوص أحمد قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله صيام يوم الجمعة ؟ فذكر حديث النهي عن أن يفرد ثم قال إلا أن يكون في صيام كان يصومه وأما أن يفرد فلا . قلت رجل كان يصوم يوما ويفطر يوما فوقع فطره يوم الخميس وصومه يوم الجمعة وفطره يوم السبت فصار الجمعة مفردا ؟ قال هذا إلا أن يتعمد صومه خاصة إنما كره أن يتعمد الجمعة .
    وأباح مالك وأبو حنيفة صومه كسائر الأيام قال مالك : لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة وصيامه حسن وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه وأراه كان يتحراه . قال ابن عبد البر : اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم في صيام يوم الجمعة فروى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر وقال قلما رأيته مفطرا يوم الجمعة وهذا حديث صحيح . وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر يوم الجمعة قط . ذكره ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن ليث بن أبي سليم عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر .
    وروى ابن عباس أنه كان يصومه ويواظب عليه . وأما الذي ذكره مالك فيقولون إنه محمد بن المنكدر . وقيل : صفوان بن سليم .
    وروى الدراوردي عن صفوان بن سليم عن رجل من بني جشم أنه سمع أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من صام يوم الجمعة كتب له عشرة أيام غرر زهر من أيام الآخرة لا يشاكلهن أيام الدنيا
    والأصل في صوم يوم الجمعة أنه عمل بر لا يمنع منه إلا بدليل لا معارض له .
    قلت قد صح المعارض صحة لا مطعن فيها البتة ففي " الصحيحين " عن محمد بن عباد قال سألت جابرا : أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة ؟ قال نعم . وفي " صحيح مسلم " عن محمد بن عباد قال سألت جابر بن عبد الله وهو يطوف بالبيت : أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الجمعة ؟ قال نعم ورب هذه البنية
    وفي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده واللفظ للبخاري .
    وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين سائر الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم
    وفي " صحيح البخاري " عن جويرية بنت الحارث " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال أصمت أمس ؟ قالت لا . قال فتريدين أن تصومي غدا ؟ قالت لا . قال فأفطري وفي " مسند أحمد " عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تصوموا يوم الجمعة وحده
    وفي " مسنده " أيضا عن جنادة الأزدي قال دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة في سبعة من الأزد أنا ثامنهم وهو يتغدى فقال " هلموا إلى الغداء " فقلنا : يا رسول الله إنا صيام . فقال أصمتم أمس ؟ قلنا : لا . قال فتصومون غدا ؟ قلنا : لا . قال فأفطروا . قال فأكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال فلما خرج وجلس على المنبر دعا بإناء ماء فشرب وهو على المنبر والناس ينظرون إليه يريهم أنه لا يصوم يوم الجمعة
    وفي " مسنده " أيضا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده وذكر ابن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن عمران بن ظبيان عن حكيم بن سعد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال من كان منكم متطوعا من الشهر أياما فليكن في صومه يوم الخميس ولا يصم يوم الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر فيجمع الله له يومين صالحين يوم صيامه ويوم نسكه مع المسلمين
    [ علة كراهة صوم يوم الجمعة ]
    وذكر ابن جرير عن مغيرة عن إبراهيم إنهم كرهوا صوم الجمعة ليقووا على الصلاة .
    قلت المأخذ في كراهته ثلاثة أمور هذا أحدها ولكن يشكل عليه زوال الكراهية بضم يوم قبله أو بعده إليه .
    والثاني : أنه يوم عيد وهو الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم وقد أورد على هذا التعليل إشكالان . أحدهما : أن صومه ليس بحرام وصوم يوم العيد حرام . والثاني : إن الكراهة تزول بعدم إفراده وأجيب عن الإشكالين بأنه ليس عيد العام بل عيد الأسبوع والتحريم إنما هو لصوم عيد العام .
    وأما إذا صام يوما قبله أو يوما بعده فلا يكون قد صامه لأجل كونه جمعة وعيدا فتزول المفسدة الناشئة من تخصيصه بل يكون داخلا في صيامه تبعا وعلى هذا يحمل ما رواه الإمام أحمد رحمه الله في " مسنده " والنسائي والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود إن صح قال قلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر يوم جمعه " . فإن صح هذا تعين حمله على أنه كان يدخل في صيامه تبعا لا أنه كان يفرده لصحة النهي عنه .
    وأين أحاديث النهي الثابتة في " الصحيحين " من حديث الجواز الذي لم يروه أحد من أهل الصحيح وقد حكم الترمذي بغرابته فكيف تعارض به الأحاديث الصحيحة الصريحة ثم يقدم عليها ؟
    والمأخذ الثالث سد الذريعة من أن يلحق بالدين ما ليس فيه ويوجب التشبه بأهل الكتاب في تخصيص بعض الأيام بالتجرد عن الأعمال الدنيوية وينضم إلى هذا المعنى : أن هذا اليوم لما كان ظاهر الفضل على الأيام كان الداعي إلى صومه قويا فهو في مظنة تتابع الناس في صومه واحتفالهم به ما لا يحتفلون بصوم يوم غيره وفي ذلك إلحاق بالشرع ما ليس منه . ولهذا المعنى - والله أعلم - نهي عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالي لأنها من أفضل الليالي حتى فضلها بعضهم على ليلة القدر وحكيت رواية عن أحمد فهي في مظنة تخصيصها بالعبادة فحسم الشارع الذريعة وسدها بالنهي عن تخصيصها بالقيام . والله أعلم .
    فإن قيل ما تقولون في تخصيص يوم غيره بالصيام ؟ قيل أما تخصيص ما خصصه الشارع كيوم الاثنين ويوم عرفة ويوم عاشوراء فسنة وأما تخصيص غيره كيوم السبت والثلاثاء والأحد والأربعاء فمكروه . وما كان منها أقرب إلى التشبه بالكفار لتخصيص أيام أعيادهم بالتعظيم والصيام فأشد كراهة وأقرب إلى التحريم










    [ يوم اجتماع الناس ]


    الثالثة والثلاثون إنه يوم اجتماع الناس وتذكيرهم بالمبدإ والمعاد وقد شرع الله سبحانه وتعالى لكل أمة في الأسبوع يوما يتفرغون فيه للعبادة ويجتمعون فيه لتذكر المبدإ والمعاد والثواب والعقاب ويتذكرون به اجتماعهم يوم الجمع الأكبر قياما بين يدي رب العالمين وكان أحق الأيام بهذا الغرض المطلوب اليوم الذي يجمع الله فيه الخلائق وذلك يوم الجمعة فادخره الله لهذه الأمة لفضلها وشرفها فشرع اجتماعهم في هذا اليوم لطاعته وقدر اجتماعهم فيه مع الأمم لنيل كرامته فهو يوم الاجتماع شرعا في الدنيا وقدرا في الآخرة وفي مقدار انتصافه وقت الخطبة والصلاة يكون أهل الجنة في منازلهم وأهل النار في منازلهم كما ثبت عن ابن مسعود من غير وجه أنه قال لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في منازلهم وأهل النار في منازلهم وقرأ أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا [ الفرقان : 24 ] وقرأ ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم وكذلك هي في قراءته .
    ولهذا كون الأيام سبعة إنما تعرفه الأمم التي لها كتاب فأما أمة لا كتاب لها فلا تعرف ذلك إلا من تلقاه منهم عن أمم الأنبياء فإنه ليس هنا علامة حسية يعرف بها كون الأيام سبعة بخلاف الشهر والسنة وفصولها ولما خلق الله السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام


    [علة قراءة سورتي السجدة والدهر في صلاة فجر يوم الجمعة ]


    وتعرف بذلك إلى عباده على ألسنة رسله وأنبيائه شرع لهم في الأسبوع يوما يذكرهم فيه بذلك وحكمة الخلق وما خلقوا له وبأجل العالم وطي السموات والأرض وعود الأمر كما بدأه سبحانه وعدا عليه حقا وقولا صدقا ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجر يوم الجمعة سورتي ( الم تنزيل ) و ( هل أتى على الإنسان ) لما اشتملت عليه هاتان السورتان مما كان ويكون من المبدإ والمعاد وحشر الخلائق وبعثهم من القبور إلى الجنة والنار لا لأجل السجدة كما يظنه من نقص علمه ومعرفته فيأتي بسجدة من سورة أخرى ويعتقد أن فجر يوم الجمعة فضل بسجدة وينكر على من لم يفعلها.
    وهكذا كانت قراءته صلى الله عليه وسلم في المجامع الكبار كالأعياد ونحوها بالسورة المشتملة على التوحيد والمبدإ والمعاد وقصص الأنبياء مع أممهم وما عامل الله به من كذبهم وكفر بهم من الهلاك والشقاء ومن آمن منهم وصدقهم من النجاة والعافية .
    كما كان يقرأ في العيدين بسورتي ( ق والقرآن المجيد) و ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) وتارة ب ( سبح اسم ربك الأعلى ) و ( هل أتاك حديث الغاشية ) وتارة يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة لما تضمنت من الأمر بهذه الصلاة وإيجاب السعي إليها وترك العلم العائق عنها والأمر بإكثار ذكر الله ليحصل لهم الفلاح في الدارين فإن في نسيان ذكره تعالى العطب والهلاك في الدارين ويقرأ في الثانية بسورة ( إذا جاءك المنافقون ) تحذيرا للأمة من النفاق المردي وتحذيرا لهم أن تشغلهم أموالهم وأولادهم عن صلاة الجمعة وعن ذكر الله وأنهم إن فعلوا ذلك خسروا ولا بد وحضا لهم على الإنفاق الذي هو من أكبر أسباب سعادتهم وتحذيرا لهم من هجوم الموت وهم على حالة يطلبون الإقالة ويتمنون الرجعة ولا يجابون إليها وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يفعل عند قدوم وفد يريد أن يسمعهم القرآن
    وكان يطيل قراءة الصلاة الجهرية لذلك كما صلى المغرب ب ( الأعراف ) وب ( الطور ) و ( ق ) . وكان يصلي الفجر بنحو مائة آية .


    [ كانت خطبته تقريرا لأصول الإيمان ]


    وكذلك كانت خطبته صلى الله عليه وسلم إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعد لأعدائه وأهل معصيته فيملأ القلوب من خطبته إيمانا وتوحيدا ومعرفة بالله وأيامه لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورا مشتركة بين الخلائق وهي النوح على الحياة والتخويف بالموت فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانا بالله ولا توحيدا له ولا معرفة خاصة به ولا تذكيرا بأيامه ولا بعثا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه فيخرج السامعون ولم يستفيدوا فائدة غير أنهم يموتون وتقسم أموالهم ويبلي التراب أجسامهم فيا ليت شعري أي إيمان حصل بهذا ؟ وأي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به ؟
    ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد وذكر صفات الرب جل جلاله وأصول الإيمان الكلية والدعوة إلى الله وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه وأيامه التي تخوفهم من بأسه والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم ثم طال العهد وخفي نور النبوة وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها فأعطوها صورها وزينوها بما زينوها به فجعلوا الرسوم والأوضاع سننا لا ينبغي الإخلال بها وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر وعلم البديع فنقص بل عدم حظ القلوب منها وفات المقصود بها .
    فمما حفظ من خطبه صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر أن يخطب بالقرآن وسورة ( ق) . قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان : ما حفظت ( ق ) إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يخطب بها على المنبر وحفظ من خطبته صلى الله عليه وسلم من رواية علي بن زيد بن جدعان وفيها ضعف " يا أيها الناس توبوا إلى الله عز وجل قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية تؤجروا وتحمدوا وترزقوا . واعلموا أن الله عز وجل قد فرض عليكم الجمعة فريضة مكتوبة في مقامي هذا في شهري هذا في عامي هذا إلى يوم القيامة من وجد إليها سبيلا فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي جحودا بها أو استخفافا بها وله إمام جائر أو عادل فلا جمع الله شمله ولا بارك له في أمره ألا ولا صلاة له ألا ولا وضوء له ألا ولا صوم له ألا ولا زكاة له ألا ولا حج له ألا ولا بركة له حتى يتوب فإن تاب تاب الله عليه ألا ولا تؤمن امرأة رجلا ألا ولا يؤمن أعرابي مهاجرا ألا ولا يؤمن فاجر مؤمنا إلا أن يقهره سلطان فيخاف سيفه وسوطه
    وحفظ من خطبته أيضا : الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا
    رواه أبو داود وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر خطبه في الحج



  10. #115
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبه

    كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى
    ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة
    ثم يقول أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي رواه مسلم . وفي لفظ كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته فذكره .
    وفي لفظ يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وخير الحديث كتاب الله وفي لفظ للنسائي وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
    وكان يقول في خطبته بعد التحميد والثناء والتشهد " أما بعد " . وكان يقصر الخطبة ويطيل الصلاة ويكثر الذكر ويقصد الكلمات الجوامع
    وكان يقول إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه
    وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي كما أمر الداخل وهو يخطب أن يصلي ركعتين . ونهى المتخطي رقاب الناس عن ذلك وأمره بالجلوس .
    وكان يقطع خطبته للحاجة تعرض أو السؤال من أحد من أصحابه فيجيبه ثم يعود إلى خطبته فيتمها . وكان ربما نزل عن المنبر للحاجة ثم يعود فيتمها كما نزل لأخذ الحسن والحسين رضي الله عنهما فأخذهما ثم رقي بهما المنبر فأتم خطبته
    وكان يدعو الرجل في خطبته تعال يا فلان اجلس يا فلان صل يا فلان . وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة أمرهم بالصدقة وحضهم عليها .
    وكان يشير بأصبعه السبابة في خطبته عند ذكر الله تعالى ودعائه.
    وكان يستسقي بهم إذا قحط المطر في خطبته
    وكان يمهل يوم الجمعة حتى يجتمع الناس فإذا اجتمعوا خرج إليهم وحده من غير شاويش يصيح بين يديه ولا لبس طيلسانا ولا طرحة ولا سوادا فإذا دخل المسجد سلم عليهم فإذا صعد المنبر استقبل الناس بوجهه وسلم عليهم ولم يدع مستقبل القبلة ثم يجلس ويأخذ بلال في الأذان فإذا فرغ منه قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب من غير فصل بين الأذان والخطبة لا بإيراد خبر ولا غيره .
    ولم يكن يأخذ بيده سيفا ولا غيره وإنما كان يعتمد على قوس أو عصا قبل أن يتخذ المنبر وكان في الحرب يعتمد على قوس وفي الجمعة يعتمد على عصا . ولم يحفظ عنه أنه اعتمد على سيف وما يظنه بعض الجهال أنه كان يعتمد على السيف دائما وأن ذلك إشارة إلى أن الدين قام بالسيف فمن فرط جهله فإنه لا يحفظ عنه بعد اتخاذ المنبر أنه كان يرقاه بسيف ولا قوس ولا غيره ولا قبل اتخاذه أنه أخذ بيده سيفا البتة وإنما كان يعتمد على عصا أو قوس .
    وكان منبره ثلاث درجات وكان قبل اتخاذه يخطب إلى جذع يستند إليه فلما تحول إلى المنبر حن الجذع حنينا سمعه أهل المسجد فنزل إليه صلى الله عليه وسلم وضمه قال أنس : حن لما فقد ما كان يسمع من الوحي وفقده التصاق النبي صلى الله عليه وسلم . ولم يوضع المنبر في وسط المسجد وإنما وضع في جانبه الغربي قريبا من الحائط وكان بينه وبين الحائط قدر ممر الشاة .
    وكان إذا جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم في غير الجمعة أو خطب قائما في الجمعة استدار أصحابه إليه بوجوههم وكان وجهه صلى الله عليه وسلم قبلهم في وقت الخطبة .
    [ الأمر بالإنصات للخطبة ]
    وكان يقوم فيخطب ثم يجلس جلسة خفيفة ثم يقوم فيخطب الثانية فإذا فرغ منها أخذ بلال في الإقامة . وكان يأمر الناس بالدنو منه ويأمرهم بالإنصات ويخبرهم أن الرجل إذا قال لصاحبه أنصت فقد لغا . ويقول من لغا فلا جمعة له
    وكان يقول من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا والذي يقول له أنصت ليست له جمعة رواه الإمام أحمد .
    وقال أبي بن كعب : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ( تبارك وهو قائم فذكرنا بأيام الله وأبو الدرداء أو أبو ذر يغمزني فقال متى أنزلت هذه السورة ؟ فإني لم أسمعها إلى الآن فأشار إليه أن اسكت فلما انصرفوا قال سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني فقال إنه ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك وأخبره بالذي قال له أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صدق أبي " . ذكره ابن ماجه وسعيد بن منصور وأصله في " مسند أحمد " .
    وقال صلى الله عليه وسلم يحضر الجمعة ثلاثة نفر : رجل حضرها يلغو وهو حظه منها ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز وجل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة له إلى يوم الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام وذلك أن الله عز وجل يقول من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها
    ذكره أحمد وأبو داود .


  11. #116
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    [ لا سنة قبل الخطبة ]

    وكان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة ولم يكن الأذان إلا واحدا وهذا يدل على أن الجمعة كالعيد لا سنة لها قبلها وهذا أصح قولي العلماء وعليه تدل السنة فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج من بيته فإذا رقي المنبر أخذ بلال في أذان الجمعة فإذا أكمله أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة من غير فصل وهذا كان رأي عين فمتى كانوا يصلون السنة ؟ ومن ظن أنهم كانوا إذا فرغ بلال رضي الله عنه من الأذان قاموا كلهم فركعوا ركعتين فهو أجهل الناس بالسنة وهذا الذي ذكرناه من أنه لا سنة قبلها هو مذهب مالك وأحمد في المشهور عنه وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي .
    والذين قالوا : إن لها سنة منهم من احتج أنها ظهر مقصورة فيثبت لها أحكام الظهر وهذه حجة ضعيفة جدا فإن الجمعة صلاة مستقلة بنفسها تخالف الظهر في الجهر والعدد والخطبة والشروط المعتبرة لها وتوافقها في الوقت وليس إلحاق مسألة النزاع بموارد الاتفاق أولى من إلحاقها بموارد الافتراق بل إلحاقها بموارد الافتراق أولى لأنها أكثر مما اتفقا فيه .
    ومنهم من أثبت السنة لها هنا بالقياس على الظهر وهو أيضا قياس فاسد فإن السنة ما كان ثابتا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو سنة خلفائه الراشدين وليس في مسألتنا شيء من ذلك ولا يجوز إثبات السنن في مثل هذا بالقياس لأن هذا مما انعقد سبب فعله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإذا لم يفعله ولم يشرعه كان تركه هو السنة ونظير هذا أن يشرع لصلاة العيد سنة قبلها أو بعدها بالقياس فلذلك كان الصحيح أنه لا يسن الغسل للمبيت بمزدلفة ولا لرمي الجمار ولا للطواف ولا للكسوف ولا للاستسقاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يغتسلوا لذلك مع فعلهم لهذه العبادات .
    ومنهم من احتج بما ذكره البخاري في " صحيحه " فقال باب الصلاة قبل الجمعة وبعدها : حدثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وقبل العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين وهذا لا حجة فيه ولم يرد به البخاري إثبات السنة قبل الجمعة وإنما مراده أنه هل ورد في الصلاة قبلها أو بعدها شيء ؟ ثم ذكر هذا الحديث أي أنه لم يرو عنه فعل السنة إلا بعدها ولم يرد قبلها شيء .
    وهذا نظير ما فعل في كتاب العيدين فإنه قال باب الصلاة قبل العيد وبعدها وقال أبو المعلى : سمعت سعيدا عن ابن عباس أنه كره الصلاة قبل العيد . ثم ذكر حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما ومعه بلال الحديث . فترجم للعيد مثل ما ترجم للجمعة وذكر للعيد حديثا دالا على أنه لا تشرع الصلاة قبلها ولا بعدها فدل على أن مراده من الجمعة كذلك .
    وقد ظن بعضهم أن الجمعة لما كانت بدلا عن الظهر - وقد ذكر في الحديث السنة قبل الظهر وبعدها - دل على أن الجمعة كذلك وإنما قال وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف بيانا لموضع صلاة السنة بعد الجمعة وأنه بعد الانصراف وهذا الظن غلط منه لأن البخاري قد ذكر في باب التطوع بعد المكتوبة حديث ابن عمر رضي الله عنه صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعد الظهر وسجدتين بعد المغرب وسجدتين بعد العشاء وسجدتين بعد الجمعة
    فهذا صريح في أن الجمعة عند الصحابة صلاة مستقلة بنفسها غير الظهر وإلا لم يحتج إلى ذكرها لدخولها تحت اسم الظهر فلما لم يذكر لها سنة إلا بعدها علم أنه لا سنة لها قبلها .
    ومنهم من احتج بما رواه ابن ماجه في " سننه " عن أبي هريرة وجابر قال جاء سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال له أصليت ركعتين قبل أن تجيء ؟ " قال لا . قال " فصل ركعتين وتجوز فيهما وإسناده ثقات .
    قال أبو البركات ابن تيمية : وقوله قبل أن تجيء يدل عن أن هاتين الركعتين سنة الجمعة وليستا تحية المسجد . قال شيخنا حفيده أبو العباس وهذا غلط والحديث المعروف في " الصحيحين " عن جابر قال دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال أصليت قال لا . قال فصل ركعتين .
    وقال إذا جاء أحدكم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما فهذا هو المحفوظ في هذا الحديث وأفراد ابن ماجه في الغالب غير صحيحة هذا معنى كلامه .
    وقال شيخنا أبو الحجاج الحافظ المزي : هذا تصحيف من الرواة إنما هو أصليت قبل أن تجلس فغلط فيه الناسخ .
    وقال وكتاب ابن ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به بخلاف صحيحي البخاري ومسلم فإن الحفاظ تداولوهما واعتنوا بضبطهما وتصحيحهما قال ولذلك وقع فيه أغلاط وتصحيف .
    قلت : ويدل على صحة هذا أن الذين اعتنوا بضبط سنن الصلاة قبلها وبعدها وصنفوا في ذلك من أهل الأحكام والسنن وغيرها لم يذكر واحد منهم هذا الحديث في سنة الجمعة قبلها وإنما ذكروه في استحباب فعل تحية المسجد والإمام على المنبر واحتجوا به على من منع من فعلها في هذه الحال فلو كانت هي سنة الجمعة لكان ذكرها هناك والترجمة عليها وحفظها وشهرتها أولى من تحية المسجد .
    ويدل عليه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهاتين الركعتين إلا الداخل لأجل أنها تحية المسجد .
    ولو كانت سنة الجمعة لأمر بها القاعدين أيضا ولم يخص بها الداخل وحده . ومنهم من احتج بما رواه أبو داود في " سننه " قال حدثنا مسدد قال حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع قال كان ابن عمر يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين في بيته وحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك .
    وهذا لا حجة فيه على أن للجمعة سنة قبلها وإنما أراد بقوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك أنه كان يصلي الركعتين بعد الجمعة في بيته لا يصليهما في المسجد وهذا هو الأفضل فيهما كما ثبت في " الصحيحين " عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته
    وفي " السنن " عن ابن عمر أنه إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعا وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل بالمسجد فقيل له فقال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ذلك .
    وأما إطالة ابن عمر الصلاة قبل الجمعة فإنه تطوع مطلق وهذا هو الأولى لمن جاء إلى الجمعة أن يشتغل بالصلاة حتى يخرج الإمام كما تقدم من حديث أبي هريرة ونبيشة الهذلي عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى المسجد فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام
    وفي حديث نبيشة الهذلي : إن المسلم إذا اغتسل يوم الجمعة ثم أقبل إلى المسجد لا يؤذي أحدا فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له وإن وجد الإمام خرج جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه إن لم يغفر له في جمعته تلك ذنوبه كلها أن تكون كفارة للجمعة التي تليها هكذا كان هدي الصحابة رضي الله عنهم .
    قال ابن المنذر : روينا عن ابن عمر : أنه كان يصلي قبل الجمعة ثنتي عشرة ركعة . وعن ابن عباس أنه كان يصلي ثمان ركعات .
    وهذا دليل على أن ذلك كان منهم من باب التطوع المطلق ولذلك اختلف في العدد المروي عنهم في ذلك وقال الترمذي في " الجامع " : وروي عن ابن مسعود أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعا وبعدها أربعا وإليه ذهب ابن المبارك والثوري .
    وقال إسحاق بن إبراهيم بن هانئ النيسابوري : رأيت أبا عبد الله إذا كان يوم الجمعة يصلي إلى أن يعلم أن الشمس قد قاربت أن تزول فإذا قاربت أمسك عن الصلاة حتى يؤذن المؤذن فإذا أخذ في الأذان قام فصلى ركعتين أو أربعا يفصل بينهما بالسلام فإذا صلى الفريضة انتظر في المسجد ثم يخرج منه فيأتي بعض المساجد التي بحضرة الجامع فيصلي فيه ركعتين ثم يجلس وربما صلى أربعا ثم يجلس ثم يقوم فيصلي ركعتين أخريين فتلك ست ركعات على حديث علي وربما صلى بعد الست ستا أخر أو أقل أو أكثر .
    وقد أخذ من هذا بعض أصحابه رواية أن للجمعة قبلها سنة ركعتين أو أربعا وليس هذا بصريح بل ولا ظاهر فإن أحمد كان يمسك عن الصلاة في وقت النهي فإذا زال وقت النهي قام فأتم تطوعه إلى خروج الإمام فربما أدرك أربعا وربما لم يدرك إلا ركعتين . ومنهم من احتج على ثبوت السنة قبلها بما رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا محمد بن يحيى حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا بقية عن مبشر بن عبيد عن حجاج بن أرطأة عن عطية العوفي عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يركع قبل الجمعة أربعا لا يفصل بينها في شيء منها
    قال ابن ماجه باب الصلاة قبل الجمعة فذكره . وهذا الحديث فيه عدة بلايا إحداها : بقية بن الوليد : إمام المدلسين وقد عنعنه ولم يصرح بالسماع .
    الثانية مبشر بن عبيد المنكر الحديث . وقال عبد الله بن أحمد : سمعت أبي يقول شيخ كان يقال له مبشر بن عبيد كان بحمص أظنه كوفيا روى عنه بقية وأبو المغيرة أحاديثه أحاديث موضوعة كذب . وقال الدارقطني : مبشر بن عبيد متروك الحديث أحاديثه لا يتابع عليها .
    الثالثة : الحجاج بن أرطأة الضعيف المدلس .
    الرابعة عطية العوفي قال البخاري : كان هشيم يتكلم فيه وضعفه أحمد وغيره .
    ذكر بعض الأحاديث المقلوبة
    وقال البيهقي : عطية العوفي لا يحتج به ومبشر بن عبيد الحمصي منسوب إلى وضع الحديث والحجاج بن أرطأة لا يحتج به .
    قال بعضهم ولعل الحديث انقلب على بعض هؤلاء الثلاثة الضعفاء لعدم ضبطهم وإتقانهم فقال قبل الجمعة أربعا وإنما هو بعد الجمعة فيكون موافقا لما ثبت في الصحيح " ونظير هذا : قول الشافعي في رواية عبد الله بن عمر العمري : للفارس سهمان وللراجل سهم قال الشافعي : كأنه سمع نافعا يقول للفرس سهمان وللراجل سهم فقال للفارس سهمان وللراجل سهم . حتى يكون موافقا لحديث أخيه عبيد الله قال وليس يشك أحد من أهل العلم في تقديم عبيد الله بن عمر على أخيه عبد الله في الحفظ .
    قلت : ونظير هذا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في حديث أبي هريرة لا تزال جهنم يلقى فيها وهي تقول هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط . وأما الجنة فينشئ الله لها خلقا فانقلب على بعض الرواة فقال أما النار فينشئ الله لها خلقا .
    قلت : ونظير هذا حديث عائشة إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وهو في " الصحيحين " فانقلب على بعض الرواة فقال ابن أم مكتوم يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال
    ونظيره أيضا عندي حديث أبي هريرة إذا صلى أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه وأظنه وهم - والله أعلم - فيما قاله رسوله الصادق المصدوق " وليضع ركبتيه قبل يديه " . كما قال وائل بن حجر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه
    وقال الخطابي وغيره وحديث وائل بن حجر أصح من حديث أبي هريرة . وقد سبقت المسألة مستوفاة في هذا الكتاب والحمد لله .
    [ السنة بعد الجمعة ]
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الجمعة دخل إلى منزله فصلى ركعتين سنتها وأمر من صلاها أن يصلي بعدها أربعا .
    قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية : إن صلى في المسجد صلى أربعا وإن صلى في بيته صلى ركعتين . قلت وعلى هذا تدل الأحاديث وقد ذكر أبو داود عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في المسجد صلى أربعا وإذا صلى في بيته صلى ركعتين .
    وفي " الصحيحين " : عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته
    وفي " صحيح مسلم " عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات والله أعلم .


  12. #117
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين

    كان صلى الله عليه وسلم يصلي العيدين في المصلى وهو المصلى الذي على باب المدينة الشرقي وهو المصلى الذي يوضع فيه محمل الحاج ولم يصل العيد بمسجده إلا مرة واحدة أصابهم مطر فصلى بهم العيد في المسجد إن ثبت الحديث وهو في سنن أبي داود وابن ماجه وهديه كان فعلهما في المصلى دائما .
    وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة ومرة كان يلبس بردين أخضرين ومرة بردا أحمر وليس هو أحمر مصمتا كما يظنه بعض الناس فإنه لو كان كذلك لم يكن بردا وإنما فيه خطوط حمر كالبرود اليمنية فسمي أحمر باعتبار ما فيه من ذلك .
    وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من غير معارض النهي عن لبس المعصفر والأحمر وأمر عبد الله بن عمرو لما رأى عليه ثوبين أحمرين أن يحرقهما فلم يكن ليكره الأحمر هذه الكراهة الشديدة ثم يلبسه والذي يقوم عليه الدليل تحريم لباس الأحمر أو كراهيته كراهية شديدة .
    وكان صلى الله عليه وسلم يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات ويأكلهن وترا وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته . وكان يغتسل للعيدين صح الحديث فيه وفيه حديثان ضعيفان حديث ابن عباس من رواية جبارة بن مغلس وحديث الفاكه بن سعد من رواية يوسف بن خالد السمتي .
    ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه وكان صلى الله عليه وسلم يخرج ماشيا والعنزة تحمل بين يديه فإذا وصل إلى المصلى نصبت بين يديه ليصلي إليها فإن المصلى كان إذ ذاك فضاء لم يكن فيه بناء ولا حائط وكانت الحربة سترته .
    وكان يؤخر صلاة عيد الفطر ويعجل الأضحى وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس ويكبر من بيته إلى المصلى .
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة والسنة أنه لا يفعل شيء من ذلك . ولم يكن هو ولا أصحابه يصلون إذا انتهوا إلى المصلى شيئا قبل الصلاة ولا بعدها .
    وكان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الافتتاح يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ولكن ذكر عن ابن مسعود أنه قال يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الخلال . وكان ابن عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة .
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا أتم التكبير أخذ في القراءة فقرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ بعدها ق والقرآن المجيد في إحدى الركعتين وفي الأخرى اقتربت الساعة وانشق القمر وربما قرأ فيهما سبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية صح عنه هذا وهذا ولم يصح عنه غير ذلك . فإذا فرغ من القراءة كبر وركع ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود كبر خمسا متوالية فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين والقراءة يليها الركوع وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه والى بين القراءتين فكبر أولا ثم قرأ وركع فلما قام في الثانية قرأ وجعل التكبير بعد القراءة ولكن لم يثبت هذا عنه فإنه من رواية محمد بن معاوية النيسابوري . قال البيهقي : رماه غير واحد بالكذب .
    وقد روى الترمذي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الآخرة خمسا قبل القراءة قال الترمذي : سألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث قال ليس في الباب شيء أصح من هذا وبه أقول وقال وحديث عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في هذا الباب هو صحيح أيضا .
    قلت : يريد حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعا في الأولى وخمسا في الآخرة ولم يصل قبلها ولا بعدها . قال أحمد : وأنا أذهب إلى هذا . قلت : وكثير بن عبد الله بن عمرو هذا ضرب أحمد على حديثه في " المسند " وقال لا يساوي حديثه شيئا والترمذي تارة يصحح حديثه وتارة يحسنه وقد صرح البخاري بأنه أصح شيء في الباب مع حكمه بصحة حديث عمرو بن شعيب وأخبر أنه يذهب إليه . والله أعلم
    [ كان يخطبهم في العيد قائما على الأرض ]
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا أكمل الصلاة انصرف فقام مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وينهاهم وإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه أو يأمر بشيء أمر به . ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه ولم يكن يخرج منبر المدينة وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض قال جابر : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن متفق عليه . وقال أبو سعيد الخدري : كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى فأول ما يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم . . . الحديث . رواه مسلم .
    وذكر أبو سعيد الخدري : أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم العيد فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف على راحلته مستقبل الناس وهم صفوف جلوس فيقول " تصدقوا " فأكثر من يتصدق النساء بالقرط والخاتم والشيء . فإن كانت له حاجة يريد أن يبعث بعثا يذكره لهم وإلا انصرف . وقد كان يقع لي أن هذا وهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يخرج إلى العيد ماشيا والعنزة بين يديه وإنما خطب على راحلته يوم النحر بمنى إلى أن رأيت بقي بن مخلد الحافظ قد ذكر هذا الحديث في " مسنده " عن أبي بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا داود بن قيس حدثنا عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم العيد من يوم الفطر فيصلي بالناس تينك الركعتين ثم يسلم فيستقبل الناس فيقول تصدقوا وكان أكثر من يتصدق النساء وذكر الحديث .
    ثم قال حدثنا أبو بكر بن خلاد حدثنا أبو عامر حدثنا داود عن عياض عن أبي سعيد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في يوم الفطر فيصلي بالناس فيبدأ بالركعتين ثم يستقبلهم وهم جلوس فيقول تصدقوا فذكر مثله وهذا إسناد ابن ماجه إلا أنه رواه عن أبي كريب عن أبي أسامة عن داود . ولعله ثم يقوم على رجليه كما قال جابر قام متوكئا على بلال فتصحف على الكاتب براحلته . والله أعلم .
    فإن قيل فقد أخرجا في " الصحيحين " عن ابن عباس قال شهدت صلاة الفطر مع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم يصليها قبل الخطبة ثم يخطب قال فنزل نبي الله صلى الله عليه وسلم كأني أنظر إليه حين يجلس الرجال بيده ثم أقبل يشقهم حتى جاء إلى النساء ومعه بلال فقال يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا [ الممتحنة 12 ] . فتلا الآية حتى فرغ منها الحديث .
    وفي " الصحيحين " أيضا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فبدأ بالصلاة ثم خطب الناس بعد فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم نزل فأتى النساء فذكرهن الحديث . وهو يدل على أنه كان يخطب على منبر أو على راحلته ولعله كان قد بني له منبر من لبن أو طين أو نحوه ؟ قيل لا ريب في صحة هذين الحديثين ولا ريب أن المنبر لم يكن يخرج من المسجد وأول من أخرجه مروان بن الحكم فأنكر عليه وأما منبر اللبن والطين فأول من بناه كثير بن الصلت في إمارة مروان على المدينة كما هو في " الصحيحين " فلعله صلى الله عليه وسلم كان يقوم في المصلى على مكان مرتفع أو دكان وهي التي تسمى مصطبة ثم ينحدر منه إلى النساء فيقف عليهن فيخطبهن فيعظهن ويذكرهن . والله أعلم .
    [ كان يفتتح خطبه بالحمدلة ]
    وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير وإنما روى ابن ماجه في " سننه " عن سعد القرظ مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر التكبير بين أضعاف الخطبة ويكثر التكبير في خطبتي العيدين . وهذا لا يدل على أنه كان يفتتحها به .
    وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء فقيل يفتتحان بالتكبير وقيل تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقيل يفتتحان بالحمد . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهو الصواب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم
    وكان يفتتح خطبه كلها بالحمد لله . ورخص صلى الله عليه وسلم لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة وأن يذهب ورخص لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة .
    وكان صلى الله عليه وسلم يخالف الطريق يوم العيد فيذهب في طريق ويرجع في آخر فقيل ليسلم على أهل الطريقين وقيل لينال بركته الفريقان وقيل ليقضي حاجة من له حاجة منهما وقيل ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق وقيل ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام شعائره وقيل لتكثر شهادة البقاع فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجة والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله وقيل وهو الأصح : إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها .
    [ التكبير من فجر يوم عرفة ]
    وروي عنه أنه كان يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد


  13. #118
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم




    الصفحة الرئيسة >السيرة > زاد المعاد > الجزء الأول


    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف


    لما كسفت الشمس خرج صلى الله عليه وسلم إلى المسجد مسرعا فزعا يجر رداءه وكان كسوفها في أول النهار على مقدار رمحين أو ثلاثة من طلوعها فتقدم فصلى ركعتين قرأ في الأولى بفاتحة الكتاب وسورة طويلة جهر بالقراءة ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع رأسه من الركوع فأطال القيام وهو دون القيام الأول وقال لما رفع رأسه سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ثم أخذ في القراءة ثم ركع فأطال الركوع وهو دون الركوع الأول ثم رفع رأسه من الركوع ثم سجد سجدة طويلة فأطال السجود ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ما فعل في الأولى فكان في كل ركعة ركوعان وسجودان فاستكمل في الركعتين أربع ركعات وأربع سجدات ورأى في صلاته تلك الجنة والنار وهم أن يأخذ عنقودا من الجنة فيريهم إياه ورأى أهل العذاب في النار فرأى امرأة تخدشها هرة ربطتها حتى ماتت جوعا وعطشا ورأى عمرو بن مالك يجر أمعاءه في النار وكان أول من غير دين إبراهيم ورأى فيها سارق الحاج يعذب ثم انصرف فخطب بهم خطبة بليغة حفظ منها قوله إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا يا أمة محمد والله ما أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
    وقال لقد رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم به حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفا من الجنة حين رأيتموني أتقدم ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضا حين رأيتموني تأخرت
    وفي لفظ ورأيت النار فلم أر كاليوم منظرا قط أفظع منها ورأيت أكثر أهل النار النساء . قالوا : وبم يا رسول الله ؟ قال بكفرهن . قيل أيكفرن بالله ؟ قال يكفرن العشير ويكفرن الإحسان لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئا قالت ما رأيت منك خيرا قط
    ومنها : ولقد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور مثل أو قريبا من فتنة الدجال يؤتى أحدكم فيقال له ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو قال الموقن فيقول محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وآمنا واتبعنا فيقال له نم صالحا فقد علمنا إن كنت لمؤمنا وأما المنافق أو قال المرتاب فيقول لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته
    وفي طريق أخرى لأحمد بن حنبل رحمه الله أنه صلى الله عليه وسلم لما سلم حمد الله وأثنى عليه وشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله ثم قال أيها الناس أنشدكم بالله هل تعلمون أني قصرت في شيء من تبليغ رسالات ربي لما أخبرتموني بذلك ؟ فقام رجل فقال نشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك وقضيت الذي عليك . ثم قال أما بعد فإن رجالا يزعمون أن كسوف هذه الشمس وكسوف هذا القمر وزوال هذه النجوم عن مطالعها لموت رجال عظماء من أهل الأرض وإنهم قد كذبوا ولكنها آيات من آيات الله تبارك وتعالى يعتبر بها عباده فينظر من يحدث منهم توبة وايم الله لقد رأيت منذ قمت أصلي ما أنتم لاقوه من أمر دنياكم وآخرتكم وإنه - والله أعلم - لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا آخرهم الأعور الدجال ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى لشيخ حينئذ من الأنصار بينه وبين حجرة عائشة وإنه متى يخرج فسوف يزعم أنه الله فمن آمن به وصدقه واتبعه لم ينفعه صالح من عمله سلف ومن كفر به وكذبه لم يعاقب بشيء من عمله سلف وإنه سيظهر على الأرض كلها إلا الحرم وبيت المقدس وإنه يحصر المؤمنين في بيت المقدس فيزلزلون زلزالا شديدا ثم يهلكه الله عز وجل وجنوده حتى إن جذم الحائط أو قال أصل الحائط وأصل الشجرة لينادي : يا مسلم يا مؤمن هذا يهودي أو قال هذا كافر فتعال فاقتله قال ولن يكون ذلك حتى تروا أمورا يتفاقم بينكم شأنها في أنفسكم وتساءلون بينكم هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكرا : وحتى تزول جبال عن مراتبها ثم على أثر ذلك القبض .


    [ بيان الاختلاف في صفة صلاة الكسوف ]


    فهذا الذي صح عنه صلى الله عليه وسلم من صفة صلاة الكسوف وخطبتها . وقد روي عنه أنه صلاها على صفات أخر . منها : كل ركعة بثلاث ركوعات ومنها: كل ركعة بأربع ركوعات ومنها : إنها كإحدى صلاة صليت كل ركعة بركوع واحد ولكن كبار الأئمة لا يصححون ذلك كالإمام أحمد والبخاري والشافعي ويرونه غلطا .
    قال الشافعي وقد سأله سائل فقال روى بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركعات في كل ركعة قال الشافعي : فقلت له أتقول به أنت ؟ قال لا ولكن لم لم تقل به أنت وهو زيادة على حديثكم ؟ يعني حديث الركوعين في الركعة فقلت هو من وجه منقطع ونحن لا نثبت المنقطع على الانفراد ووجه نراه - والله أعلم - غلطا قال البيهقي : أراد بالمنقطع قول عبيد بن عمير : حدثني من أصدق قال عطاء : حسبته يريد عائشة . . . الحديث وفيه فركع في كل ركعة ثلاث ركوعات وأربع سجدات .
    وقال قتادة : عن عطاء عن عبيد بن عمير عنها : ست ركعات في أربع سجدات . فعطاء إنما أسنده عن عائشة بالظن والحسبان لا باليقين وكيف يكون ذلك محفوظا عن عائشة وقد ثبت عن عروة وعمرة عن عائشة خلافه وعروة وعمرة أخص بعائشة وألزم لها من عبيد بن عمير وهما اثنان فروايتهما أولى أن تكون هي المحفوظة .
    قال وأما الذي يراه الشافعي غلطا فأحسبه حديث عطاء عن جابر انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الناس إنما انكسفت الشمس لموت إبراهيم فقام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس ست ركعات في أربع سجدات الحديث .
    قال البيهقي : من نظر في قصة هذا الحديث وقصة حديث أبي الزبير علم أنهما قصة واحدة وأن الصلاة التي أخبر عنها إنما فعلها مرة واحدة وذلك في يوم توفي ابنه إبراهيم عليه السلام .
    قال ثم وقع الخلاف بين عبد الملك يعني ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وبين هشام الدستوائي عن أبي الزبير عن جابر في عدد الركوع في كل ركعة فوجدنا رواية هشام أولى يعني أن في كل ركعة ركوعين فقط لكونه مع أبي الزبير أحفظ من عبد الملك ولموافقة روايته في عدد الركوع رواية عمرة وعروة عن عائشة ورواية كثير بن عباس وعطاء بن يسار عن ابن عباس ورواية أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو ثم رواية يحيى بن سليم وغيره وقد خولف عبد الملك في روايته عن عطاء فرواه ابن جريج وقتادة عن عطاء عن عبيد بن عمير : ست ركعات في أربع سجدات فرواية هشام عن أبي الزبير عن جابر التي لم يقع فيها الخلاف ويوافقها عدد كثير أولى من روايتي عطاء اللتين إنما إسناد أحدهما بالتوهم والأخرى يتفرد بها عنه عبد الملك بن أبي سليمان الذي قد أخذ عليه الغلط في غير حديث .
    قال وأما حديث حبيب بن أبي ثابت عن طاووس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في كسوف فقرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم قرأ ثم ركع ثم سجد قال والأخرى مثلها فرواه مسلم في " صحيحه " وهو مما تفرد به حبيب بن أبي ثابت وحبيب وإن كان ثقة فكان يدلس ولم يبين فيه سماعه من طاووس فيشبه أن يكون حمله عن غير موثوق به وقد خالفه في رفعه ومتنه سليمان المكي الأحول فرواه عن طاووس عن ابن عباس من فعله ثلاث ركعات في ركعة .
    وقد خولف سليمان أيضا في عدد الركوع فرواه جماعة عن ابن عباس من فعله كما رواه عطاء بن يسار وغيره عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم يعني في كل ركعة ركوعان .
    قال وقد أعرض محمد بن إسماعيل البخاري عن هذه الروايات الثلاث فلم يخرج شيئا منها في " الصحيح " لمخالفتهن ما هو أصح إسنادا وأكثر عددا وأوثق رجالا وقال البخاري في رواية أبي عيسى الترمذي عنه أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات .
    قال البيهقي : وروي عن حذيفة مرفوعا أربع ركعات في كل ركعة وإسناده ضعيف . وروي عن أبي بن كعب مرفوعا خمس ركوعات في كل ركعة وصاحبا الصحيح لم يحتجا بمثل إسناد حديثه .
    قال وذهب جماعة من أهل الحديث إلى تصحيح الروايات في عدد الركعات وحملوها على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها مرارا وأن الجميع جائز فممن ذهب إليه إسحاق بن راهويه ومحمد بن إسحاق بن خزيمة وأبو بكر بن إسحاق الضبعي وأبو سليمان الخطابي واستحسنه ابن المنذر .
    والذي ذهب إليه البخاري والشافعي من ترجيح الأخبار أولى لما ذكرنا من رجوع الأخبار إلى حكاية صلاته صلى الله عليه وسلم يوم توفي ابنه .
    قلت : والمنصوص عن أحمد أيضا أخذه بحديث عائشة وحده في كل ركعة ركوعان وسجودان .
    قال في رواية المروزي : وأذهب إلى أن صلاة الكسوف أربع ركعات وأربع سجدات في كل ركعة ركعتان وسجدتان وأذهب إلى حديث عائشة أكثر الأحاديث على هذا . وهذا اختيار أبي بكر وقدماء الأصحاب وهو اختيار شيخنا أبي العباس ابن تيمية . وكان يضعف كل ما خالفه من الأحاديث ويقول هي غلط وإنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الكسوف مرة واحدة يوم مات ابنه إبراهيم . والله أعلم .
    وأمر صلى الله عليه وسلم في الكسوف بذكر الله والصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتاقة والله أعلم .


  14. #119
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء

    ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على وجوه . أحدها : يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته وقال اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا اللهم اسقنا الوجه الثاني : أنه صلى الله عليه وسلم وعد الناس يوما يخرجون فيه إلى المصلى فخرج لما طلعت الشمس متواضعا متبذلا متخشعا مترسلا متضرعا فلما وافى المصلى صعد المنبر - إن صح وإلا ففي القلب منه شيء - فحمد الله وأثنى عليه وكبره وكان مما حفظ من خطبته ودعائه الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت تفعل ما تريد اللهم لا إلا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلته علينا قوة لنا وبلاغا إلى حين ثم رفع يديه وأخذ في التضرع والابتهال والدعاء وبالغ في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره واستقبل القبلة وحول إذ ذاك رداءه وهو مستقبل القبلة فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن وظهر الرداء لبطنه وبطنه لظهره وكان الرداء خميصة سوداء وأخذ في الدعاء مستقبل القبلة والناس كذلك ثم نزل فصلى بهم ركعتين كصلاة العيد من غير أذان ولا إقامة ولا نداء البتة جهر فيهما بالقراءة وقرأ في الأولى بعد فاتحة الكتاب سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية هل أتاك حديث الغاشية .
    الوجه الثالث أنه صلى الله عليه وسلم استسقى على منبر المدينة استسقاء مجردا في غير يوم جمعة ولم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الاستسقاء صلاة .
    الوجه الرابع أنه صلى الله عليه وسلم استسقى وهو جالس في المسجد فرفع يديه ودعا الله عز وجل فحفظ من دعائه حينئذ اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريعا طبقا عاجلا غير رائث نافعا غير ضار
    الوجه الخامس أنه صلى الله عليه وسلم استسقى عند أحجار الزيت قريبا من الزوراء وهي خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام نحو قذفة حجر ينعطف عن يمين الخارج من المسجد .
    الوجه السادس أنه صلى الله عليه وسلم استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء فأصاب المسلمين العطش فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال بعض المنافقين لو كان نبيا لاستسقى لقومه كما استسقى موسى لقومه فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال أوقد قالوها ؟ عسى ربكم أن يسقيكم ثم بسط يديه ودعا فما رد يديه من دعائه حتى أظلهم السحاب وأمطروا فأفعم السيل الوادي فشرب الناس فارتووا .
    وحفظ من دعائه في الاستسقاء اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت اللهم اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضار عاجلا غير آجل . وأغيث صلى الله عليه وسلم في كل مرة استسقى فيها .
    واستسقى مرة فقام إليه أبو لبابة فقال يا رسول الله إن التمر في المرابد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب مربده بإزاره فأمطرت فاجتمعوا إلى أبي لبابة فقالوا : إنها لن تقلع حتى تقوم عريانا فتسد ثعلب مربدك بإزارك كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل فاستهلت السماء
    ولما كثر المطر سألوه الاستصحاء فاستصحى لهم وقال اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والجبال والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى مطرا قال اللهم صيبا نافعا وكان يحسر ثوبه حتى يصيبه من المطر فسئل عن ذلك فقال لأنه حديث عهد بربه
    قال الشافعي رحمه الله أخبرني من لا أتهم عن يزيد بن الهاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سال السيل قال اخرجوا بنا إلى هذا الذي جعله الله طهورا فنتطهر منه ونحمد الله عليه
    وأخبرني من لا أتهم عن إسحاق بن عبد الله أن عمر كان إذا سال السيل ذهب بأصحابه إليه وقال ما كان ليجيء من مجيئه أحد إلا تمسحنا وكان صلى الله عليه وسلم إذا رأى الغيم والريح عرف ذلك في وجهه فأقبل وأدبر فإذا أمطرت سري عنه وذهب عنه ذلك وكان يخشى أن يكون فيه العذاب .
    قال الشافعي : وروي عن سالم بن عبد الله عن أبيه مرفوعا أنه كان إذا استسقى قال اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا غدقا مجللا عاما طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم إن بالعباد والبلاد والبهائم والخلق من اللأواء والجهد والضنك ما لا نشكوه إلا إليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وأنبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والجوع والعري واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا
    قال الشافعي رحمه الله وأحب أن يدعو الإمام بهذا قال وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا في الاستسقاء رفع يديه وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمطر في أول مطرة حتى يصيب جسده .
    قال وبلغني أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح وقد مطر الناس قال مطرنا بنوء الفتح ثم يقرأ <A id=الآيات name="ما يفتح الله للناس من رحمة85"> ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها [ فاطر 2 ] .
    [ طلب الإجابة عند نزول الغيث ]
    قال وأخبرني من لا أتهم عن عبد العزيز بن عمر عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش وإقامة الصلاة ونزول الغيث وقد حفظت عن غير واحد طلب الإجابة عند : نزول الغيث وإقامة الصلاة .
    قال البيهقي : وقد روينا في حديث موصول عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء لا يرد عند النداء وعند البأس وتحت المطر .
    وروينا عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تفتح أبواب السماء ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن عند التقاء الصفوف وعند نزول الغيث وعند إقامة الصلاة وعند رؤية الكعبة .


  15. #120
    كـافخ لهـــا
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    الدولة
    قلـ وأهداب ـب
    المشاركات
    4,366

    رد: صلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في سفره وعبادته فيه

    كانت أسفاره صلى الله عليه وسلم دائرة بين أربعة أسفار سفره لهجرته وسفره للجهاد وهو أكثرها وسفره للعمرة وسفره للحج .
    وكان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها سافر بها معه ولما حج سافر بهن جميعا .
    وكان إذا سافر خرج من أول النهار وكان يستحب الخروج يوم الخميس ودعا الله تبارك وتعالى أن يبارك لأمته في بكورها
    وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم من أول النهار وأمر المسافرين إذا كانوا ثلاثة أن يؤمروا أحدهم
    ونهى أن يسافر الرجل وحده وأخبر أن الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب
    وذكر عنه أنه كان يقول حين ينهض للسفر اللهم إليك توجهت وبك اعتصمت اللهم اكفني ما أهمني وما لا أهتم به اللهم زودني التقوى واغفر لي ذنبي ووجهني للخير أينما توجهت
    وكان إذا قدمت إليه دابته ليركبها يقول بسم الله حين يضع رجله في الركاب وإذا استوى على ظهرها قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم يقول الحمد لله الحمد لله الحمد لله ثم يقول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثم يقول سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
    وكان يقول ( اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الأهل والمال وإذا رجع قالهن وزاد فيهن آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون
    وكان هو وأصحابه إذا علوا الثنايا كبروا وإذا هبطوا الأودية سبحوا .
    وكان إذا أشرف على قرية يريد دخولها يقول اللهم رب السموات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن ورب الرياح وما ذرين أسألك خير هذه القرية وخير أهلها وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها .
    وذكر عنه أنه كان يقول اللهم إني أسألك من خير هذه القرية . وخير ما جمعت فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها اللهم ارزقنا جناها وأعذنا من وباها وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا
    [ مبحث في قصر الصلاة ]

    وكان يقصر الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرا إلى أن يرجع إلى المدينة ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في سفره ألبتة وأما حديث عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في السفر ويتم ويفطر ويصوم فلا يصح . وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى وقد روي كان يقصر وتتم الأول بالياء آخر الحروف والثاني بالتاء المثناة من فوق وكذلك يفطر وتصوم أي تأخذ هي بالعزيمة في الموضعين قال شيخنا ابن تيمية : وهذا باطل ما كانت أم المؤمنين لتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع أصحابه فتصلي خلاف صلاتهم كيف والصحيح عنها أنها قالت إن الله فرض الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فكيف يظن بها مع ذلك أن تصلي بخلاف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه . قلت : وقد أتمت عائشة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس وغيره إنها تأولت كما تأول عثمان وإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر دائما فركب بعض الرواة من الحديثين حديثا وقال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصر وتتم هي فغلط بعض الرواة فقال كان يقصر ويتم أي هو . والتأويل الذي تأولته قد اختلف فيه فقيل ظنت أن القصر مشروط بالخوف في السفر فإذا زال الخوف زال سبب القصر وهذا التأويل غير صحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم سافر آمنا وكان يقصر الصلاة والآية قد أشكلت على عمر وعلى غيره فسأل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه بالشفاء وأن هذا صدقة من الله وشرع شرعه للأمة وكان هذا بيان أن حكم المفهوم غير مراد وأن الجناح مرتفع في قصر الصلاة عن الآمن والخائف وغايته أنه نوع تخصيص للمفهوم أو رفع له وقد يقال إن الآية اقتضت قصرا يتناول قصر الأركان بالتخفيف وقصر العدد بنقصان ركعتين وقيد ذلك بأمرين الضرب في الأرض والخوف فإذا وجد الأمران أبيح القصران فيصلون صلاة الخوف مقصورة عددها وأركانها وإن انتفى الأمران فكانوا آمنين مقيمين انتفى القصران فيصلون صلاة تامة كاملة وإن وجد أحد السببين ترتب عليه قصره وحده فإذا وجد الخوف والإقامة قصرت الأركان واستوفي العدد وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق في الآية فإن وجد السفر والأمن قصر العدد واستوفي الأركان وسميت صلاة أمن وهذا نوع قصر وليس بالقصر المطلق وقد تسمى هذه الصلاة مقصورة باعتبار نقصان العدد وقد تسمى تامة باعتبار إتمام أركانها وأنها لم تدخل في قصر الآية والأول اصطلاح كثير من الفقهاء المتأخرين والثاني يدل عليه كلام الصحابة كعائشة وابن عباس وغيرهما قالت عائشة : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فهذا يدل على أن صلاة السفر عندها غير مقصورة من أربع وإنما هي مفروضة كذلك وأن فرض المسافر ركعتان .
    وقال ابن عباس : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة متفق على حديث عائشة وانفرد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر بمنى ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان </SPAN> متفق عليه . ولم يكن ابن مسعود ليسترجع من فعل عثمان أحد الجائزين المخير بينهما بل الأولى على قول وإنما استرجع لما شاهده من مداومة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه على صلاة ركعتين في السفر . وفي " صحيح البخاري " عن ابن عمر رضي الله عنه قال صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان في السفر لا يزيد على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان . يعني في صدر خلافة عثمان وإلا فعثمان قد أتم في آخر خلافته وكان ذلك أحد الأسباب التي أنكرت عليه . وقد خرج لفعله تأويلات
    أحدها : أن الأعراب كانوا قد حجوا تلك السنة فأراد أن يعلمهم أن فرض الصلاة أربع لئلا يتوهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر ورد هذا التأويل بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا حديثي عهد بالإسلام والعهد بالصلاة قريب ومع هذا فلم يربع بهم النبي صلى الله عليه وسلم .
    التأويل الثاني : أنه كان إماما للناس والإمام حيث نزل فهو عمله ومحل ولايته فكأنه وطنه ورد هذا التأويل بأن إمام الخلائق على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو أولى بذلك وكان هو الإمام المطلق ولم يربع .
    التأويل الثالث أن منى كانت قد بنيت وصارت قرية كثر فيها المساكن في عهده ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت فضاء ولهذا قيل له يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بيتا يظلك من الحر ؟ فقال لا . منى مناخ من سبق فتأول عثمان أن القصر إنما يكون في حال السفر . ورد هذا التأويل بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عشرا يقصر الصلاة .
    التأويل الرابع أنه أقام بها ثلاثا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثا فسماه مقيما والمقيم غير مسافر ورد هذا التأويل بأن هذه إقامة مقيدة في أثناء السفر ليست بالإقامة التي هي قسيم السفر وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشرا يقصر الصلاة وأقام بمنى بعد نسكه أيام الجمار الثلاث يقصر الصلاة .
    التأويل الخامس أنه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى واتخاذها دار الخلافة فلهذا أتم ثم بدا له أن يرجع إلى المدينة وهذا التأويل أيضا مما لا يقوى فإن عثمان رضي الله عنه من المهاجرين الأولين وقد منع صلى الله عليه وسلم المهاجرين من الإقامة بمكة بعد نسكهم ورخص لهم فيها ثلاثة أيام فقط فلم يكن عثمان ليقيم بها وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك وإنما رخص فيها ثلاثا وذلك لأنهم تركوها لله وما ترك لله فإنه لا يعاد فيه ولا يسترجع ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من شراء المتصدق لصدقته وقال لعمر : لا تشترها ولا تعد في صدقتك فجعله عائدا في صدقته مع أخذها بالثمن .
    التأويل السادس أنه كان قد تأهل بمنى والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه أو كان له به زوجة أتم ويروى في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم . فروى عكرمة بن إبراهيم الأزدي عن ابن أبي ذباب عن أبيه قال صلى عثمان بأهل منى أربعا وقال يا أيها الناس لما قدمت تأهلت بها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا تأهل الرجل ببلدة فإنه يصلي بها صلاة مقيم رواه الإمام أحمد رحمه الله في " مسنده " وعبد الله بن الزبير الحميدي في " مسنده " أيضا وقد أعله البيهقي بانقطاعه وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم . قال أبو البركات بن تيمية : ويمكن المطالبة بسبب الضعف فإن البخاري ذكره في " تاريخه " ولم يطعن فيه وعادته ذكر الجرح والمجروحين وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام وهذا قول أبي حنيفة ومالك وأصحابهما وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان .
    وقد اعتذر عن عائشة أنها كانت أم المؤمنين فحيث نزلت كان وطنها وهو أيضا اعتذار ضعيف فإن النبي صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين أيضا وأمومة أزواجه فرع عن أبوته ولم يكن يتم لهذا السبب . وقد روى هشام بن عروة عن أبيه أنها كانت تصلي في السفر أربعا فقلت لها : لو صليت ركعتين فقالت يا ابن أختي إنه لا يشق علي
    قال الشافعي رحمه الله لو كان فرض المسافر ركعتين لما أتمها عثمان ولا عائشة ولا ابن مسعود ولم يجز أن يتمها مسافر مع مقيم وقد قالت عائشة : كل ذلك قد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم وقصر ثم روي عن إبراهيم بن محمد عن طلحة بن عمرو عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة قالت كل ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في السفر وأتم .
    قال البيهقي : وكذلك رواه المغيرة بن زياد عن عطاء وأصح إسناد فيه ما أخبرنا أبو بكر الحارثي عن الدارقطني عن المحاملي حدثنا سعيد بن محمد بن ثواب حدثنا أبو عاصم حدثنا عمر بن سعيد عن عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصر في الصلاة ويتم ويفطر ويصوم
    قال الدارقطني : وهذا إسناد صحيح . ثم ساق من طريق أبي بكر النيسابوري عن عباس الدوري أنبأنا أبو نعيم حدثنا العلاء بن زهير حدثني عبد الرحمن بن الأسود عن عائشة أنها اعتمرت مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وصمت وأفطرت . قال أحسنت يا عائشة
    وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول هذا الحديث كذب على عائشة ولم تكن عائشة لتصلي بخلاف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة وهي تشاهدهم يقصرون ثم تتم هي وحدها بلا موجب . كيف وهي القائلة فرضت الصلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر فكيف يظن أنها تزيد على ما فرض الله وتخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
    قال الزهري لعروة لما حدثه عنها بذلك فما شأنها كانت تتم الصلاة ؟ فقال تأولت كما تأول عثمان . فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حسن فعلها وأقرها عليه فما للتأويل حينئذ وجه ولا يصح أن يضاف إتمامها إلى التأويل على هذا التقدير وقد أخبر ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في السفر على ركعتين ولا أبو بكر ولا عمر . أفيظن بعائشة أم المؤمنين مخالفتهم وهي تراهم يقصرون ؟ وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم فإنها أتمت كما أتم عثمان وكلاهما تأول تأويلا والحجة في روايتهم لا في تأويل الواحد منهم مع مخالفة غيره له والله أعلم .
    وقد قال أمية بن خالد لعبد الله بن عمر إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر في القرآن ؟ فقال له ابن عمر يا أخي إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا فإنما نفعل كما رأينا محمدا صلى الله عليه وسلم يفعل
    وقد قال أنس خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة
    وقال ابن عمر : صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وهذه كلها أحاديث صحيحة .


صفحة 8 من 11 الأولىالأولى ... 6 7 8 9 10 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •