ترك العمل بالقرآن والإعراض عنه نوع من أنواع هجره
بل هو أعظم أنواع الهجر، الذي حذرنا الله منه وذم فاعله
روى مالك في "موطئه" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: ( تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله، وسنة نبيه )،
فكتاب الله هو حبل الله المتين، وهو الصراط المستقيم، وهو النور المبين.
لقد نزل هذا القرآن ليكون منهج حياة .. ودستور أمة .. ونموذجاً واقعياً للتطبيق العملي .. تنمو الحياة في ظله وتترقى ..
لا ليقبع في الزاوية الضيقة من الحياة .. كما تقبع الأبحاث النظرية في زوايا الجامعات ومراكز الأبحاث ..
مَا أهنأهَا هيَ الحيَاة ؛ عِندَما نَعيشُها معَ القُرْآن .. !
نتقَلَّبُ بيْنَ جنَباتِه , وَ نقْطفُ منْ لَذِيذِ ثِمارِه ,
نَنهلُ منْ عذْبِ مَائِه , وَ نسْبحُ فِي شتَّى أنْهَارِه ,
نَسمعُ لذيذَ خِطابِه , وَ نقِفُ عنْدَ قصَصِهِ وَ أخبَارِه ..
حَديقَةٌ غنَّاءُ وَاسِعَة .. يُنبِتُها القُرآنُ فِي قُلوبِنَا !
مَطَرٌ يتَقاطَرُ لَيرْوي ظَمَأَ عُروقِنَا , مع كُلِّ حرْفٍ منْ كتَابِ الله !
غَيْمَةٌ بيْضاء كَبيرَة تُظلِّلنَا , مع كُلِّ وقْفةٍ وَ تأَمُّلٍ فِي كلامِ الحَقِّ جلَّ فِي عُلاه !
وَ لكِنْ مَا هِيَ حَياتُنا لوْ أنَّنا هجَرْنَاه , أوْ فرَّطنَا وَ لهَوْنَا .. وَ ما سَمعْنَاه !
لنْ تكُونَ الحيَاةُ إلّا جحِيمًا قاسِيًا مُهلِكًا , وَ عذَابًا سَرمَدِيًّا ,
وَ غُبَارًا يعلُو وُجُوهنا , وَ صدَاً يُغطِّي قُلُوبنَا , وَ نظْرةَ حُزنٍ تكْسُو مَلامِحنا ..
هذِهِ هيَ الحيَاةُ بدونِ قُرآننَا .. تمَامًا كحَياتِنا بدُونِ مَاء ؛ فكَلامُ ربّنا هُوَ مَاءُ قلُوبِنا وَ عُروقِنَا !
مَا دَفعَنِي لكِتابَةِ هذا المَوضُوع إلَّا موقفًا حدَثَ لِي فِي ظُهرٍ حارِقٍ , أجَارنَا اللهُ وَ إيّاكم منْ نارِ جهنَّم !
ذاتَ ظَهِيرَة .. أخرَجتُ مِصحَفِي ؛ لأَقرَأَ شيْئًا منْ آيَاتِ ربِّي ..
فَإذا بِي أسْمعُها خلْفِي تقُول :
" * ما شَاء الله علِيها , تقرأ قُرآن , تدرِين أنا من رمَضَان ما فتحتْ القُرآن !!!
فَتردُّ عليْها صاحِبتها : * يوه , لا أنا الحمد لله منْ بعد رمَضَان قرِيت ثلاثة أجزَاء !
* ما شاء الله علِيك , وَ الله أنا مَا عندِي وقت أبد أقرَأ فِيه القُرآن !! "
انْتهَى النِّقَاش , لكِنَّ دَهشَتِي ظلَّت مُستَمرَّة !
أشهرٌ قلِيلَة و يُطلُّ علَينا شهرُ رمضَان , أَمَعقُولٌ أنّها لمْ تقرَأ القُرآن ؟
مَا أقسَاها , وَ ما أقسَى قلْبَها !
فلْنعذرْها ربّمَا هيَ حقًّا مشْغُولة , " و ما عندَها وقت أبد " !
فَخالِدُ بنُ الوَلِيد أشْغلَهُ الجِهاد عنِ القُرْآن !
وَ لكِن هيَ ما الّذِي أشْغلَها ؟
أَتَراهُ ذلكَ الفلم الأجنَبيّ الّذِي تَتحدَّثُ عنهُ البَارِحة ؟
أمْ تُرَاهَا تلْكَ الأُغنيَةِ المَاجِنة الّتِي سمِعتْها ليْلا , وَ جاءَتْ لِتُسمعهَا رَفِيقتها صبَاحًا ؟!
أمْ فِي من أضافَها فِي " الفِيس بوك " وَ " المَاسنجر " ؟!
حقًّا هيَ معذُورة , فلَديهَا أشْغالٌ وَ أشْغَال ! :/
فِي نفسِ اليَوم , أخذْتُ أقلِّب كتَابَ الفَوائِد , وَ هوَ كتَابٌ عظِيم لابنِ قيِّم الجوزِيَّة ,
لتَسقُط عيْني على فَائِدةٍ عُظمَى , وَ ما أعظَمها هيَ فَوائِدُ هذا الكِتاب ,
أحبَبتُ أنْ أطلعكم على شيءٍ منهَا , باختِصارٍ شدِيد ..
" * هجرُ القرْآنِ أنوَاع :
1/ هجرُ سمَاعِهِ وَ الإيمَانِ به وَ الإصْغاءِ إليْه .
2/ هجرُ العمَلِ بهِ وَ الوُقوفِ عندَ حَلالِهِ وَ حَرامِه وَ إنْ قرَأه ُوَ آمَنَ به .
3/ هجرُ تحكِيمهِ وَ التّحاكُم إلَيْه .
4/ هجرُ تدبُّرِهِ وَ تفَهُّمهِ وَ معرِفةِ مَا أرَادَ المُتكلّم به منْه .
5/ هجرُ الاسْتشفَاءِ وَ التَّداوِي بِه فِي جمِيعِ أمرَاضِ القُلوبِ وَ أدْوائِها ،
فيطلبُ شِفاءَ دائِهِ منْ غيرِه وَ يهجُرُ التّداوِي به ،
وَ كُل هذا داخِلٌ فِي قوْلِه: " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا القُرْآنَ مَهْجُوراً " سورة الفرقان ، الآية 30.
وَ إنْ كَانَ بعضُ الهجْرِ أهْونُ منْ بعْض .
فكلُّ هؤُلاءِ في صُدورِهم حرَجٌ من القُرآن , وَ هُم يعلَمُونَ ذلكَ فِي نُفوسِهم وَ يجدُونهُ فِي صُدورِهِم ! "
فلْنعِشْ معَ القُرآنِ , تِلاوَةً وَ تدَبُّرًا ..
وَ سمَاعًا وَ تطْبيقًا ..
لِنحيَا بِهِ وَ معَهُ و لأجْلِه .. !
مِمًا راقَ لِي..