72
دخل يزيدُ بن معاويةَ على أبيه مغضبًا فقال له : إن عبدَ الرحمنِ بن حسانَ يشبِّب بابنتك رملة،
قال: وما يقول فيها ؟ قال : يقول :
وهي بيضاءُ مثلُ لؤلؤةِ الغوَّ اصِ صِيغتْ من لؤلؤٍ مكنونِ
قال : صدق، قال : ويقول :
وإذا ما نسبتها لم تجدها في سناءٍ من المكارمِ دونِ ) 1(
قال : صدق أيضا، قال : ويقول :
ثم خَا اَرصُْهتَ إلى القُبَّةِ الخض راءِ تمشي في مَرْمرٍ مسنون
) 2(
قال : كذب، قال : فهلا تبعثُ إليه من يأتيك برأسه؟ قال : يا بُنَيَّ لو فعلتُ ذلك لكان أشدَّ
عليك، لأنه يكون سببًا للخوضِ في ذكره، فَيُكْثِرُ مكثرٌ، ويزيدُ زائدٌ، ا بْرضِْ عن هذا
صفحًا، واطْوِ دونه كَشْحًا
) 3(.
٭ ٭ ٭
ورُويَ أنَّه لما شبَّب برملةَ قال الناسُ لمعاويةَ : لوجعلتَه نكالا ! فقال : لا، ولكن أدوايه بغيرِ
ذلك، فلما وَفَدَ عليه وكان يدخل في أُخْريات الناسِ أجلسه على سريرٍ مَعَهُ وأقبلَ عليهِ بوجهِهِ
وحديثِه، ثم قال لهُ : ابنتي الأخرى عاتبةٌ عليك، قال : في أيِّ شيء؟ قال : في مدحك أختها وتركك
إياها، قال : فلها العتبى
) 4( وكرامة، أنا ذاكرها، فلما شبَّبَ بها ولم يكن لمعاوية ابنة غير رملة علم
الناسُ أنه كَذَبَ على الأولى لمّا ذكر الثانية .
3 مختارات من التراث الأدبي
) 1( السناء : الرفعة .
) 2( خاصرتها : أخذت بخصرها وأخذت بخصري . والمرمر : الرخام المسنون، المصقول .
) 3( طوى عنه كشحا أي قطعه.
) 4( العتبى : الرضا .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
وكان أبو العلاءِ المعري يتعصبُ لأبي الطيّبِ المتنبي، فحضر يومًا مجلسَ السيدِ المرتضى وكان
يُبغضُ المتنبي ويتعصبُ عليه فجرى ذكرُ المتنبي فتنقَّصَهُ المرتضى وغضَّ منه، فقال المعري : لَوْ
لَمْ يَكُنْ له من الشعرِ إلا قولُه :
لكِ يا منازلُ في القلوبِ منازلُ أقفرتِ أنتِ وهنَّ منكِ أواهلُ
) 5(
لَكَفَاهُ، فَغضِبَ المرتضى وأَمَرَ به فسُحِبَ وأُخْرِجَ من مجلسِهِ، ثُمَّ قال المرتضى لمن بِحَ تْرضَِه :
أفَطَنْتُم لما يريدُ هذا الأعمى ؟ قالوا : لا، قال : يريدُ قولَه في هذه القصيدةِ :
وَإذَا أتتكَ مَذمَّتي مِنْ نَاقِصٍ فهي الشهادةُ لي بأ كَامِلُ
٭ ٭ ٭
وتَظَلَّمَ رجلٌ إلى المأمونِ من عاملٍ لَهُ فقالَ : يا أميرَ المؤمنين، مَا تركَ فيَّ فضةً إلا فضَّها، ولا ذهبًا
إلا ذَهَبَ بِهِ، ولا غلةً إلا غلَّها
) 6(، ولا ضيعةً إلا أَضَاعَها، ولا عِرْضًا، إلا عَرَضَ له، ولا ماشيةً إلا
امتشَّها
) 7(، ولا جليلاً إلا أَجْلاه) 8(، ولا دَقِيقًا إلا دقَّه، فَعجِبَ من فَصَاحَتِهِ وَقَ حاجتَه .
٭ ٭ ٭
وَكانَ ابنُ الرُّوميِّ مُقْذِعاً في هِجَائهِ
) 9(، وكان الوزيرُ القاسمُ بنُ عبيدِ اللهِ وزيرُ المُعْتَضِدِ يخافُ
هَجْوَه وفلتاتِ لسانِه، فدسَّ عليه مَنْ أطعمَه خُشْكُنَانَةً
) 10 ( مَسْمُومُةً، فل أكلها أحَسَّ بالسُّمِّ فقامَ،
فقالَ له الوزيرُ : إلى أينَ تذهبُ ؟ قال إلى الموضِعِ الذي بعثتَ بي إليهِ، فقال لَهُ : سلِّمْ على والديَّ.
قالَ : ليسَ طَرِيقي على النارِ .
٭ ٭ ٭
وتَسَابَقَ العزيزُ بالله الفَاطِمِيُّ مع وزيرهِ يعقوبَ بنِ كلسٍ بِالحَمامِ، فسبقَ حمامُ الوزيرِ، فعزَّ ذلك
على العزيزِ، وَوَجَدَ أعداءُ يعقوبَ إلى الطَّعنِ فيهِ سبيلاً، فقالوا للعزيزِ إنه اختارَ من كلِّ صِنْفٍ
) 5( جمع آهله : أي عامرة . ) 6( غله كنصره : أدخله، والمعنى أدخلها بيته واستحوذ عليها .
) 7( امتش ما في الضرع : أخذ جميعه . ) 8( أبعده .
) 9( مفحشا في القول . ) 10 ( نوع من الكعك ) فارسي معرب ( .
ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
أجودَه وأعلاه، ولم يُبقِ منه إلا أدنَاهُ، حتى الحمام، ورامُوا بذلكَ أن يُغْرُوه به حَسَدًا منهم لعلَّه يتغيرُ
عليه، فاتَّصَلَ ذلكَ بالوزيرِ فكتبَ إلى العزيزِ :
قُلْ لأميرِ المؤمنينَ الذي له العلا والمثلُ الثَّاقبُ
طائرُكَ السابقُ لكنَّه جاءَ وفي خدمتِهِ حَاجِبُ
فأعجبُه ذلكَ منه، وَسَكنَ غضبُه .
٭ ٭ ٭
ووقفَ أعرابيٌّ على قومٍ، فسألهم عن أسمائِهم ، فقالَ أَحَدُهم : اسمي وثيقٌ، وقال الآخر : منيعٌ، وقال الآخر
: ثابتٌ، وقال الآخر : شديدٌ، فقال الأعرابي : ما أظنُّ الأقفالَ عُمِلت إلا من أسمائِكم!
٭ ٭ ٭
وقَدِمَ أعرابيٌّ على حضريٍّ فأنزلهُ، وكانَ عندهُ دجاجٌ كثيرٌ، وَلَهُ امرأةٌ وابنانِ وابنتانِ، قال: فقلتُ لامرأتي :
اشوي دجاجةً، وقدِّميها إلينا ، فلما حضرَ الطعامُ جلسنَا جميعًا، فدفعتُ إليه الدجاجةَ، وقلتُ له : اقسمها بيننا.
قال : لا أحسنُ القسمةَ، فإنْ رَضِيتُم قَسَمْتُ، قُلْنَا : رَضِينَا، فأخذَ الدجاجةَ فقطعَ رأسَها، ثم نَاوَلَنِيه وقالَ : الرأسُ
للرئيسِ، ثم قطعَ الجناحينِ وقالَ : والجناحانِ للابنين، ثم الساقان وقال : والساقان للابنتين، ثم الزِّمِكَّي) 11 (
وقال : والعَجزُ للعجوزِ، ثم قالَ : والزَّور للزائِر، وَأخَذَ سائرَ الدَّجَاجَةِ، فلما كانَ من الغدِ قلتُ لامرأتي : اشوي
لنا خمسَ دجاجاتٍ ثُمَّ قلتُ له : اقْسِمْ بينَنا. قال : أظُنُّكُم وَجَدْتُم ) 12 ( من قِسْمَتِي أمسِ قُلْنَا : لا . قَالَ : شَفْعًا
أم وِتْرًا ؟ قُلْنا : وِتْرًا. قَالَ : أنتَ وامرأتُكَ ودجاجةٌ ثلاثةٌ، وابناكَ ودَجَاجَةٌ ثلاثةٌ، وابنتاكَ ودجاجةٌ ثلاثةٌ، وأنا
ودجاجتانِ ثلاثةٌ، ثم أخذَ الدجاجتينِ، ورآنا ونحن ننظرُ إلى دجاجتيه فقالَ: ما تنظرونَ ؟ لعلكم كرِهْتُم قِسْمَتِي،
قُلْنَا : فَاقْسِمْهَا شفعًا، فَقَبضَهُنَّ إليهِ وقالَ : أنتَ وابناكَ ودجاجةٌ أربعةٌ، والعجوزُ وابنتاها ودجاجةٌ أربعةٌ، وأنا
وثلاثُ دجاجاتٍ أربعةٌ، وضمَّ إليه ثلاثَ دجاجاتٍ.
٭ ٭ ٭
) 11 ( الزمكي : منبت ذنب الطائر، أو ذنبه كله، أو أصله .
) 12 ( وَجَد عليه : غضب .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
بِنصَا اِهب ) 13 ( وأشارَ إليه بالحدِّ، فنظرَ إليه المأمُونُ نظرَ مُنْكِرٍ، فقالَ أحمدُ: لعلَّ أميرَ المؤمنينَ أَنْكرَ عليَّ أخذي
بالنِّصَابِ وإشارتي إليه بالحَدِّ، فلا يظنَّنَّ هذا مني عبثًا، وإنَّما تفَاءَلتُ بذلكَ أن يكونَ له الحِدَّةُ على أعدائِهِ، فَتَعجَّبَ
المأمونُ من سرعةِ فطنتِه ولطيفِ جوابِهِ .
1 لِمَ رفض معاوية طلب ابنه يزيد بأن يقتل عبد الرحمن بن حسان؟ وعلام تدل هذه القصة ؟
2 ماذا كان يقصد معاوية عندما طلب من عبد الرحمن بن حسان أن يُشبِّب بابنته الثانية ؟
3 بم ردّ المعري على انتقاص المرتضى لشعر المتنبي ؟ وما رأيك في ذلك القول ؟
4 ما رأيك في أسلوب الظلامة التي قدمها العامل إلى المأمون ؟
5 ما وجه الفكاهة في قول الأعرابي لمن سألهم عن أسمائهم ؟
6 كيف قسّم الأعرابي الدجاجة بين الحاضرين ؟ وما وجه الفكاهة في هذه القصة .
7 علام يدل ردُّ ابن الرومي على من قدم له السُّمَّ ؟
8 لماذا أعجب العزيز بالله بشعر وزيره يعقوب بن كلس ؟
1 ميّز بين همزة الوصل وهمزة القطع فيما يلي :
اضرب، اسم، احمد، اب ، ابن، الى ، ابنه ، امراة، اختيار.
) 13 ( نصاب السكين : ما يقبض عليه منها .
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
2 ما نوع المحسن البديعي فيما يلي :
« تظلم رجل إلى المأمون من عامل له فقال : يا أمير المؤمنين، ما ترك في فضة إلاّ فضّها ، ولا ذهباً
إلاّ ذهبَ بِه، ولا غلّة إلاّ غلها، ولا ضيعة إلاّ أضاعها، ولا عِرْضاً إلا عَرَضَ له .»
3 ما معنى المفردات الآتية :
شبَّب، مكنون، مرمر، أَقْفَرْتِ، ضَيعة، رام ؟
4 ما إعراب كلمة «جالساً » في قوله : « وكان أحمد بن يوسف جالسًا ؟ »
5 لماذا منعت الكلمات الآتية من الصرف :
يوسف، أحمد، يعقوب، يزيد، رملة، معاوية ؟
6 قال أبو الطيب المتنبي :
وإذا أتتك مذمتي من ناقصٍ فهي الشهادة لي بأني كامل
يشتمل البيت السابق على محسن بديعي. اذكره .
7 اذكر ما يضاد الكلمات الآتية :
كذَبَ، بيضاء، ذمَّ، عزَّ ، حضري، رَضي .