بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مم كانوا يخافون؟
------------------------------------------
خوف سلفنا الصالح رضي الله عنهم
من ( سوء الخاتمة )
لن تخرج أرواحنا ما لم نسمع من ملك الموت إحدى البشريـين ، إمـا :
أبشِرْ يا عدو الله بالنار أو أبشر يا ولي الله بالجنة ،
هكذا - كان ويجب أن يكون - خوف أصحاب العقـول
فعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(( من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه )) .
قالت عائشة أو بعض أزواجه : إنا لنكره الموت .
قال : ليس ذاك ،
ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشّر برضوان الله وكرامته ،
فليس شيء أحب إليه مما أمامه ، فأحب لقاء الله ، وأحب الله لقاءه ،
وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته ،
فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه )) حديث صحيح رواه البخاري .
والمقصود أن العبد قبل أن تخرج روحه يبشر بالنعيم أو بالعذاب والعياذ بالله ،
فإذا بشرت بالنعيم : أحببت لقاء الله واشتقت إليه ، فأحب الله لقاءك .
ومن بشر بالعذاب : كره لقاء الله وأشفق منه ، فكره الله لقاءه .
وهذا سبب خوف سلفنا الصالح رضي الله عنهم لأنهم ينتظرون إحدى البشارتين .
------------------------------------------
1- بكى أبو هريرة رضي الله عنه عند موته ،
وقال : والله ما أبكي حزنا على الدنيا ، ولا جزعا من فراقكم ،
ولكن انتظر إحدى البشريـين من ربي بجنة أم بنار .
2- عن أبا مسلم قال جئت أبا الدرداء وهو يجود بنفسه عند موته ،
فقال : ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ، ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا ،
ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه ، ثم قبض .
3- ولما حضرت محمد بن سيرين الوفاة بكى ،
فقيل له : ما يبكيك ؟
فقال : أبكي لتفريطي في الأيام الخالية ، وقلة عملي للجنة العالية ، وما ينجّني من النار الحامية .
4- لما طعِن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - جاءه ابن عباس
فقال ابن عباس : يا أمير المؤمنين أسلَمْتَ حين كفر الناس ، وجاهَدْتَ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خذله الناس ، وقتلت شهيدا ، ولم يختلف عليك اثنان ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض .
فقال عمر : أعد مقالتك ،
فأعاد عليه ،
فقال عمر : المغرور من غررتموه ، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لافتدي به من هول المطلع .
5- ولما نزل الموت بسليمان التيمي ،
قيل : أبشر فقد كنت مجتهدا في طاعة الله تعالى .
فقال : لا تقولوا هكذا ، فإني لا أدري ما يبـدو لي من الله عز وجل ،
فإنـه سبحانه وتعالى يقول : ((وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) )) الزمر
6- ولما حضرت الفضيل بن عياض الوفاة غشي عليه ثم أفاق ،
وقال : يا بُعدَ سفري وقلة زادي .
7- ولما حضرت الوفاة عامر بن عبد قيس بكى ،
فقيل له : ما يبكيك ؟
قـال : أبكي ، لقوله تعالى : (( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) )) المائدة
سوء الخاتمة /هي أن يموت العبد على حالة سيئة والعياذ بالله : -
1) من كفرٍ أو جحودٍ أو شكٍ ، وهذه الداهية العظمى والرزية الكبرى
فإن ذلك يوجب لصاحبه الخلود في العذاب ، وغضب الملك الوهاب .
2) أو أن يموت وهو متلبس بمعصية من معاصي الله عز وجل أو مُصرٌّ عليها بقلبه .
والمرء يبعث على ما مات عليه ،
والموفق من وفقه الله عز وجل ، والمخذول من حُرم هدايته وتوفيقه .
عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( يُبْعَثُ كل عبدٍ على ما ماتَ عليه )) حديث صحيح رواه مسلم
الخــــواتيـــــم
-- قال رسول الله عليه وسلم:
(( إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة )) [ وإنما الأعمال بالخواتيم ] )) . متفق عليه والزيادة للبخاري.
-- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال:
(( إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا استعمله )).
فقيل : وكيف يستعمله يا رسول الله ؟
قال : (( يوفقه لعمل صالح قبل الموت )). صحيح - الجامع للألباني - رواه الترمذي
من أقوال ابـن القيـم :-
فإذا كان العبد في حال حضور ذهنه وقوته وكمال إدراكه ( أثناء حياته ) قد تمكن منه الشيطان ، واستعمله فيما يريده ، من معاصي الله ، وقد أغفل قلبه عن ذكر الله ، وعطل لسانه عن ذكره ، وجوارحه عن طاعته ،
فكيف الظن عند سقوط قواه(يعني عند الموت)واشتغال قلبه ونفسه بما هو فيه من ألم النزع !!
وقد جمع الشيطان له كل قوته وهمته وحشده عليه بجميع ما يقدر عليه لينال فرصته فإن ذلك آخر العمل ، فأقوى ما يكون عليه الشيطان ذلك الوقت ، وأضعف ما يكون عليه (العبد) هو في تلك الحال .
فكيف يوفق لحسن الخاتمة ؟! من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره ، واتبع هواه ، وكان أمره فرطا !!
فبعيـــد ، مَنْ قلبه بعيدٌ عن الله تعالى ، غافل عنه ، متعبد لهواه ، أسير لشهواته ، ولسانه يابس عن ذكره ، وجوارحه معطلة عن طاعته ، مشتغلة بمعصيته ، بعيد هذا أن يوفق للخاتمة بالحسنى .
ولقد قطع خوف الخاتمة ظهور المتقين ، وكأن المسيئين الظالمين قد أخذوا توقيعا بالأمان .
- عن معاذ بن معاذ عن أبي كعب صاحب الحرير قال حدثني عن شهر بن حوشب قال :
قلت لأم سلمة : يا أم المؤمنين ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك ؟
قالت : كان أكثر دعائه (( يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك )) ،
قالت : فقلت يا رسول الله ما لأكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ؟
قال : (( يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله ، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ )). فتلا معاذٌ قال تعالى:{ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} الترمذي- حديث حسن.
من أقوال ابـن الجَـوْزي : -
إفاقة المحتضر عند موته ، فإنه ينتبه انتباها لا يوصف ، ويقلق قلقا لا يُحَدُّ ، ويتلهف على زمانه الماضي .
ويود لو تُرك حتى يتدارك ما فاته ، ويَصدُق في توبته على مقدار يقينِه بالموت ، ويَكادُ يَقتل نفسه قبل موتها بالأسف .
ولو وجدت ذرة من تلك الأحوال في أوان العافية (في حياة الإنسان) حصل كل مقصود من العمل بالتقوى.
فالعاقل من مَثّـل تلك الساعة ، وعمل بمقتضى ذلك .
فإن لم يتهيأ تصوير ذلك على حقيقته ، تخايله على قدر يقظته .
كما روي عن حبيب العجمي :
أنه كان إذا أصبح قال لامرأته إذا مت اليوم ففلان يغسلني ، وفلان يحملني .
وذكر رجل رجلا بين يديه بغيبة فجعل معروف يقول له : اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك .
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْماًفَلا تَقُلْ *** خَلَـوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيّ رَقِيبُ
وَلا تـَحْـسَبـَنّاللهَ يَـغْفَـلُ سَاعَةً *** وَلا أَنّ مَا يَخْفَى عَلَيهِ يَغِيبُ
غَفَـلْنَا لِعَمــْرِ اللهِ حَـتَّى تَرَاكَمَتْ *** عَلَـينَا ذُنُوبٌبَعْــدَهُنّ ذُنـُوبٌ
فَيَا لَيــتَ أَنّ اللهَ يَغْفـِرُ مـَا مَضـَى *** وَيَـأْذَنَ فِــي تَوْبـَــةٍ فَنَــتُوبُ
منقوول
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة يا رب العالمين