السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأخت الفاضلة الوفاء المجروح
الله يعطيكِ العافية
جهد مميز تشكرين عليه
وجدت هذا عن التشبيه المقلوب
(1) وأحسن من نور يفتحه الندى *** بياض العطايا في سواد المطالب
النّوْر : الزهر الأبيض ، وواحدته نَوْرَة .
يشيد الشاعر بكرم الممدوح ، فهو يغيث الملهوف ذا الحاجة الذي أصابته الخطوب ،
ويزيل بعطاياه السخيّة حاجته وعوزه الشديدين .
من الأفضل أن توضحي للتلميذات استخدام أبي تمام للطباق والمقابلة ( بياض العطايا في سواد المطالب ) ...
وهذا معروف في أسلوب الشاعر كما في بائيته الشهيرة حيث قال :
( بيض الصفائح لا سود الصحائف ) ... في متونهن جلاء الشك والريب .
************
(2) بعث الصاحب بن عباد هدية من العطر إى القاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني, ومعها رقعة فيها هذان البيتان:
يأيها القاضي الذي نفسي له *** مع قرب عهد لقـائه مشتاقه
أهديت عطراً مثل طيب ثنائه***فكأنما أهدي لـه أخـلاقـه
طيب ثنائه / ذكره الحسن بين الناس .
يخاطب الشاعر ممدوحه منوهًا بمكانته في قلبه : يا أيها القاضي الذي أكنّ له شوق على الرغم من قرب لقائي به ،
أهديتك عطرًا طيّب الرائحة ، يحاكي طِيبَ سيرتك بين الناس ، فكأنني أهديتك أخلاقك الفاضله .
***********
(3) وقال القاضي التنوخي يصف قدوم الشتاء:
انهض بنار إلى فحم كأنهما *** في العين ظلم وإنصاف قد اتفقا
يطلب الشاعر أن يُؤتى بنار لإشعال الفحم ؛ تأهبًا لقدوم الشتاء ، وشبّه الفحم والنار بالإنصاف والظلم ، بجامع الضياء والسواد ،
فتخيّل أن للإنصاف ضياء هو أقوى فيه من النار ، وأن للظلم سوادًا هو أقوى فيه من الفحم .
(4) وكتب إلياس فرحات في قطعة بعنوان"الشاعر":
بلبلي الروح نسري الجناح *** ما لما يكتبه في الطرس ماح
أدمع الفجر بأجفان الأقاحي *** غرن من ألفاظه الغر الفصاح
الله كم أحب هذين البيتين ..!
فمعناهما رائع جدًا ، وإليك المعنى أختي :
الطرس : الكتب أو الصحف .......... أدمع الفجر : قطرات الندى
الأقاحي : جمع أقحوان ، نبات له زهر أبيض في وسطه كتلة صغيرة صفراء .
الغرّ : جمع غرّاء ، وهي البيضاء الحسنة . الفصاح : جمع فصيحة .
يقول الشاعر إن الشاعر ذو روح شفافة مغرّدة كروح البلبل ، وهو صاحب ملكة فريدة وموهبة قوية ،
يحلّق بها في عالم الأدب الرفيع ، فكأن خياله جناح نسر قويّ ، وقصائده التي يكتبها باقية لا تُمحى
على مرّ الزمن ، وله ألفاظ واضحة فصيحة تغار من حسنها قطرات الندى الصافية الرقيقة التي تسقط على الزهر .
*****************
(5) وكتب ميخائيل نعيمة في قصيدة عنوانها " يابحـر":
أمـا تعـبت؟ عـجـيج *** كـرٌّ فـفـرٌّ فـكَـرٌّ
مــاذا تـروم؟ وأنـى *** تسـير لا تسـتقـرٌّ؟
كـأنمـا فـيك مـثلي *** قلبــان: عبد وحـر
هـذا يـروم فــراراً *** من ذا، وليس مـفـر
العجيج : عجّ الرجل أي رفع صوته ، والمقصود هنا صوت الموج الصاخب .
الكرّ والفرّ : الإقدام والإحجام ( وهما من فنون الحرب عن العرب )
تروم : أي تقصد .
يخاطب الشاعر البحر قائلا : ألم تتعب من اضطراب أمواجك
ما بين مدّ وجزر صاخب ؟ ماذا تريد ؟ وإلى أين تسير ؟
إنّك في اضطرابك وحيرتك مثلي ، كأن فيك قلبين يتنازعانك ، أحدهما حرّ والآخرعبد ،
يتنافران لأنهما لا يقوان على الاجتماع ، ولكن لا مفرّ ؛ لأنهما يسكنان جسدًا واحدًا .
والأبيات تعبّر عن اضطراب نفس الشاعر ، وعدم استقراره في المهجر ..
إن التشبيه قائم على وصف شيء بشيء آخر بينهما صفة مشتركة ، وتكون هذه الصفة أصلا في المشبه به ، عارضة في المشبه ، أو أقوى وأظهر في المشبه به ضعيفة في المشبه.
فعندما أقول زيد كالأسد ، فهنا أشبه زيدا بالأسد ،الصفة المشتركة أو (وجه الشبه) هي الشجاعة والإقدام والقوة ، وهذه صفة ثابتة في الأسد وأشد التصاقا به ، وكذلك حين أشبه الخد بالورد ، فوجه الشبة :الرقة و الحمرة ، وهذه صفات ثابتة في الورد ، ولأجل أن أصف الخد بهذه الصفات شبهته به ..
أما حين أقول : هذا الأسد كزيد ، فهنا جعلت زيدا هو المشبه به ، وكأنما أن صفات الشجاعة والإقدام والقوة ثابتة متأصلة فيه ، وأن الأسد يشبهه في ذلك
هذا هو (التشبيه المقلوب) أن أجعل المشبه مشبها به ، وذلك من أجل المبالغة في التشبيه ..
بعد هذه المقدمة البسيطة نأتي للأمثلة ( ويمكنك أستخدام هذه الأمثلة تمهيدا لدرسك لكي تأخذ الطالبات فكرة عن الدرس قبل الدخول في الأمثلة الشعرية التي تبدو لأول وهلة صعبة )
(1)قال أبو تمام يمدح:
وأحسن من نور يفتحه الندى *** بياض العطايا في سواد المطالب
البيت هنا عبارة عن صورة متراكبة كعادة أبي تمام في البديع ، فهنا قوله (بياض العطايا) إشارة إلى عطاء الممدوح الكثير بلا منّ ، فهو أبيض نقي يفرح ويبهج ويزيل الكروب ، وقوله (سواد المطالب) إشارة إلى مايعانيه الطالب للعطاء من ذل وكدر وضيق فكأنه اكتسى لونا أسودا ، وهنا شبه الزهر الذي يفتحه الندى في الصباح بأثر عطاء الممدوح الأبيض و سواد المُطالبِ الخجل ، والأصل أن يشبه العطاء وأثره بالزهر لا أن يشبه الزهر بالعطاء .
(2)بعث الصاحب بن عباد هدية من العطر إى القاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني,ومعها رقعة فيها هذان البيتان:
يأيها القاضي الذي نفسي له *** مع قرب عهد لقـائه مشتاقه
أهديت عطراً مثل طيب ثنائه***فكأنما أهدي لـه أخـلاقـه
الشاهد البيت الثاني حيث شبه العطر بثناء الممدوح ، وجه الشبه : طيب الرائحة والانتشار ، والأصل أن يشبه ثناء الممدوح بالعطر ، لأن الصفة ثابتة أصلية في العطر .
(3)وقال القاضي التنوخي يصف قدوم الشتاء:
انهض بنار إلى فحم كأنهما *** في العين ظلم وإنصاف قد اتفقا
هنا شبه نار مشتعلة يخالطها فحم أسود بالإنصاف والظلم إذا اجتمعا ، وجه الشبه : الضوء والإنارة في النار :تشبه الإنصاف ، والظلمة والسواد في الفحم يشبه الظلم .
وكان الأصل أن يشبه الإنصاف بالنار ، والظلم بالفحم .
منقول