بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الماضي المقدس ... والحاضر المغضوب عليه
يروي الجبرتي ان الفرنسيين سمحوا له للاطلاع على تجربة كانوا يجرونها
في احد المختبرات التي استصحبوها معهم خلال الحملة الفرنسية على مصر نهاية
القرن الثامن عشر والتجربة كانت عبارة عن كيفية استخلاص الأملاح من الماء وقد انبهر صاحبنا بما رأى
وقال معلقا : "وهذا ما لا تستوعبه عقولنا" ...
بهذه الصورة نظرنا الى انفسنا منذ افول نجم الدولة العباسية ...
نظرة استصغار وعدم القدرة على المواكبة وهروباً من ضعفنا رحنا نمجد بالماضي ونتغنى بأننا علمنا اوربا كذا وكذا ...
انكفائنا على الماضي المشرق ورحنا نبحث عن الحل لازمتنا هناك ...
كأن الزمن توقف هناك ...
وكأن هؤلاء لم يكونوا أجدادنا ....
وتناسينا أنهم خلقوا شئ من لا شئ بعد ان وثقوا بأنفسهم ووظفوا قدراتهم
بالشكل المناسب ...لا زلنا نتجادل بين المعاصرة والسلفية لازلنا نكفر بعضنا البعض ...
وحولنا أنفسنا أوصياء على غيرنا ...
ورحنا نرمي أهلنا ولا أقول الآخرين بالحجارة ونسينا ان بيوتنا من زجاج ..
انشغلنا بالتفاهات والمجادلات التي لا تنتهي وأقنعنا أنفسنا إننا امة كلام في كلام
واجتهدنا في ان نكون جديرين بهذا النعت
وصارت مسألتنا كيف نستهلك من تنتجه عقول من نتعالى عليهم ...
وياحسرتي حتى في الاستهلاك فشلنا وبجدارة ...
منذ ان بدأنا نستفيق من غيبوبة الدولة العثمانية التي نومتنا مغناطيسياً قروناً ونحن نتجادل ونتجادل ...
قالوا في البداية انها مخاض فكري بين القوميين والشيوعيين والإسلاميين ...
وسينتهي هذا المخاض بعد ان ننال الاستقلال ونحدد وجهتنا ...
ومرت عشرات الأعوام وحصلنا على الاستقلال الموعود
ولكننا استعذبنا الجدل ورفضنا ان تؤشر البوصلة وجهتها ...
كيف نقبل العمل ونحن امة كلام ...
هذا لا يليق بنا ....
عندما سافر محمد عبدة الى اوربا في نهاية القرن التاسع عشر ...
صدم مما رآه ...
واعمل عقله الأزهري في ما يرى من تقدم منهم وتأخر منا ...
ووصل الى ان الغربيين اخذوا مفاهيم الإسلام العملية وتركوا مفاهيم المسيحية التواكلية ....
بينما اخذ المسلمين قشور الإسلام ومظاهره وتبنوا المفاهيم المسيحية التواكلية ....
اشتاط الأزهريين عليه غضباً وانقلبت الدنيا على رأسه ....
وصار بنظرهم خارج عن الملة ...
....
اعرف ان السيوف ستمشق من إغمادها
هدءوا من روعكم انه كلام في كلام
...........