من أراد دوام العافية والسلامة فليتق الله عز وجل . فإنه ما من عبد أطلق نفسه في شئ ينافي التقوى وإن قل إلا وجد عقوبته عاجلة أو آجله
ومن الاغترار أن تسئ فترى إحساناً فتظن أنك قد سومحت , وتنسى {مَن يَعْمَلْ سُوءاً
يُجْزَ بِهِ} النساء
وربما قالت النفس : إنه يغفر فتسامحت ولا شك أنه يغفر ولكن لمن يشاء
وأنا أشرح لك حالاً فتأمله بفكرك تعرف المغفرة وذلك أن من هفا هفوة لم يقصدها ولم يعزم عليها قبل الفعل ولا عزم على العود بعد الفعل ثم انتبه لما فعل فاستغفر الله كان فعله وإن دخله عمداً في مقام خطأ مثل أن يعرض له مستحسن فيغلبه الطبع فيطلق النظر ويتشاغل في حاله نظره بالتذاذ الطبع عن تلمح معنى النهي فيكون كالغائب أو كالسكران فإذا انتبه لنفسه ندم على فعله فقام الندم بغسل تلك الأوساخ التي كانت كأنها غلطة لم تقصد فهذا معنى قوله تعالى : {إذَا مَسَّهُمْ طَآئِفٌ مِّنَ اٌلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} الأعراف
فأما المداوم على تلك النظرة المردد لها المصر عليها فكأنه في مقام متعمد للنهي مبارز بالخلاف فالعفو يبعد عنه بمقدار إصراره ومن البعد أن لا يرى الجزاء على ذلك واعلم أنه من أعظم المحن الاغترار بالسلامة بعد الذنب فإن العقوبة تتأخر ومن أعظم العقوبة أن لا يحس الإنسان بها وأن تكون في سلب الدين وطمس القلوب وسوء الاختيار للنفس فيكون من آثارها سلامة البدن وبلوغ الأغراض
ابن الجوزي