السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
:
:
:
:
بعد صلاةِ العشاء توجهتُ كالعادة إلى مجلسنا في الحي ، إنه ذلك المجلس الذي كنا أنا وصُحبَتي نلعب عند عتباته أيام الطفولة ، وكان ينهرنا آباؤنا من داخله ، فالباب مفتوح وصوتنا يقتحم صَفو حديثهم.
أما الآن وبعد رحيل جيل الآباء، جاء جيل الأبناء ليحل محله ، فبعد أن كُنا نلعب خارج المجلس في ذلك الزمن ، الآن نجلسُ بداخلهِ كلٌّ مكان أبيه ،
فسبحان الله.
وصلتُ للمجلسِ ودخلتُ على رجالاتِ الحي وأخذتُ موضعي بينهم وجلستُ مكان أبي رحمه الله ،
وبدأتُ بالطرائف والجودُ بما يَرسِمُ الابتسامة على وجُوهِهم ، كيف لا وقد قيل: من شابهَ أباهُ فما ظلم.!!
وبينما نحن في غَمْرةِ الحديث ، فُتِحَ الباب ، فإذا بشيخٍ كبيرٍ أخذ من الهيبة كل نصيب ، دخل دون استئذان ، وكأن دخوله محتوم ، شئنا أم أبينا؟! ،
إلا إن وقاره أسر عقولنا عن كل تفكير.
وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
فرددنا عليه السلام ، وقلنا: تفضل يا عَم.
ووقفنا له جميعا احتراما وتقديرا.
وبعد جلوسه ، بدأ في الحديث ، واستطرد في القول
فقال لي: ماشاء الله ، أنت تشبه أباك.!!
فقلت له : أوتعرفُ أبي.؟!!
فقال: وكيف لا أعرفه.!! لقد جئت هنا منذ زمن طويل ورأيته جالسٌ في مكانك هذا.!
ثم قال: لعلكم لا تعرفوني؟! ولكني أعرفكم ، وأعرف آباءكم ، فأنا شيخ كبير ، وعهدي بالزمن قديم ، عملتُ في التجارة ، ولكن هذه الأيام قَلَّ المتاجرون ، فلا أجدهم إلا قليلا.!!
يا أبنائي لم أعد مرغوبا كما كنت ، ذهبت أيام الشباب ، وازدادت آلامي ، واحدودب ظهري ، ولا تقوى على حملي عظامي ، لا زوجة لي ولا ولد ، تقتلني وحدتي ،
زَهِدَ بيَ الناس ، وإن طرقت باب أحدهم فتحه على استحياء ، وأعرف عدم رضاه من بين عيناه ، فأتراجعُ حتى لا أزيده ثِقلا ، يا أبنائي كم عَبرة كاد أن يشق مجراها تجاعيد وجهي طول هذه السنين، ضَعُفت قوتي ، وقلت حيلتي ، لا أنيس ولا جليس ، تروح الناس وتجيء ، ولا سائلٌ يسأل ، مع إني أحب الناس ، ولكنهم لا يحبوني؟!! ، إن أقبلت عليهم عبست وجوههم ، وساءت أفواههم ، وإن رحلت عنهم ، ابتهجوا سرورا وفرحا ، هذه حالي ، والله المستعان ، فلا أوصيكم؟!! ، الله الله ، الله الله......
انتهى كلامه.
ثم نهض على عكازه باذلاً جهداً حتى وقف على ساقيه ،
ثم همَّ بالخروج ،
فرفع أحدنا صوته مُناديا : ياعم ياعم.!! ، ولكنه خرج..!! فقلت لصديقي : اذهب خلفه وأعطه شيئا وسَله عن اسمه.
فخرج صديقنا له ، ولم تمضِ دقائق حتى عاد صديقنا وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إنا لله وإنا إليه راجعون.
فبادرناه قائلين: على رسلك ، أحدث مكروه؟!!!
فقال: لا.
فقلنا: أأخذ المال؟! ،
فقال: لا ،
قلنا: أعرفت اسمه؟! قال: نعم.
قلنا: وما اسمه؟!
قال:
إنه[glow=66ffff] رمضان[/glow]
..!!
بلغنا الله وإياكم هذا الشهر الفضيل وأعاننا على صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيه عنا وجعلنا فيه من المقبولين ومن عتقائه من النار ووالدينا ووالديكم والمسلمين اجمعين
منقول ببعض التصرف