بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
أيتهاا الأخت الكريمة:
لا شك أن معاناتك مع والدتك معاناة صعبة، وذلك أنك تواجه هذه الشدة من المخلوق الذي هو مصدر الحنان والرحمة والشفقة، وبدلاً من أن تنعم بحنان الأمومة أصبحت تعاني هذه المصاعب والله يعينك ويعظم أجرك.
أذكرك أولاً بأن بر الوالدين من أعظم القربات إلى الله -عز وجل- ومن أعظم الأسباب لدخول الجنة، كما في الحديث الصحيح أن جبرائيل قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- "رغم أنف عبد أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة" أخرجه مسلم (2551) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، يعني أنه لو برهما دخل الجنة، واعلمي أن من أسباب مضاعفة أجر بر الوالدين أن يكون الأب أو الأم لا يعينان الابن على برهما، فإن الأب والأم إذا كان يعين كل منهما ابنه على بره، فلا فضل للابن في هذا البر، بينما إذا بر الابن أباه أو أمه مع أن حاله لا تعينه على البر، كأن يكون أحدهما –أو كلاهما- سيئ الخلق أو مضطرب النفسية، كما في حال أمك أو نحو ذلك فإن ذلك أعظم للأجر، وتكون نتيجته أن يوفى هذا الابن جزاءه موفوراً كاملاً، وهو أعظم أجراً ممن يبر أباً حنوناً وأماً حنونة.
وتذكَّر أن الله قد أمر ببر الأبوين اللذين يجاهدان ولدهما على الكفر، ومع ذلك أمر أن يقابل هذا كله بالقول المعروف (وإن جاهداك على أن تشرك بما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)[لقمان:15].
فإذا كان الأب المشرك الذي يأمر الولد بالشرك ويجاهده على ذلك يصاحب بالمعروف، فكيف بالأب والأم المسلمين، مهما كان سوء أخلاقهما؟
ثانياً: هي بحاجة إلى الذهاب للطبيب النفسي وليس أنت، ولذلك كان عليك أن تذهب إلى طبيب نفسي تشرح له معاناتك مع أمك، وتطلب منه أن يشخِّص لك طريقة العلاج والتعامل معها. فهذا التصرف من أمك ليس تصرفًا سويًا؛ لأن كل الأمهات جبلت على رحمة الأبناء والشفقة عليهم، فإذا خالفت الأم هذه الطبيعة فإن ذلك يدل على أنها مصابة باضطراب نفسي يحتاج إلى علاج.
ثالثاً: أطمئنك بأن هذا الدعاء الذي تدعو به أمك عليك ليس مما يخيفك، فإذا دعت الأم أو الأب دعاءً بغير حق فهو لا يجاب ولا يقبل عند الله -عز وجل- وليس كل دعاء من الوالدين مقبولاً، وإنما الدعاء الذي ينبغي أن يخشى منه هو الدعاء الذي سببه العقوق وسببه التقصير في حق الوالدين، أما إذا دعا الوالد أو الوالدة على ابنهما لأنهما في حالة غضب واضطراب نفسي، من غير أن يكون من الابن تقصير فإن الله -عز وجل- حكيم عدل لا يضع الأمور في غير مواضعها (إن الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون) [يونس:44] فأحسن علاقتك بالله، وثق بأن الله -عز وجل- أحكم وأعلم من أن يعاقبك باستجابة دعوة دعيت عليك بغير وجه حق، ولو كان الداعي أمك.
رابعاً: أنصحك بأن يكون لك صديق تفضي إليه بمعاناتك، وتبثه شجونك فقد قالت العرب قديماً:
ولابد من شكوى إلى ذي حفيظة *** يواسيك أو يسليك أو يتوجع.
فليكن لك صديق تبثه شجونك وتفضي إليه بمعاناتك، وليس هذا من العقوق، ولا يعتبر هذا من إفشاء الأسرار، فإن الإنسان بطبعه يميل إلى التنفيس عن معاناته وفضفضة همومه، لعل ذلك يكون من أسباب التنفيس عنك.
أسأل الله أن يثيبك على صبرك ومصابرتك، وأن يجعل لك من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا، وأن يعظم لك الأجر والمثوبة، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.