النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: أستاذ التشرد

  1. #1
    ~ [ نجم صاعد ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    78

    أستاذ التشرد


    أستاذالتشرد

    لا يتذكر تحديداً من الذي قالله: إن البداية هي التي تضع لكل خطوة مقياسها,لذلك ثبّت عينيه على زجاج السيارة,بنايات تمر,محلات تجارية مغلقة الأفواه,كل شيء أمامه ينتقل إلى شريط التسجيل في رأسه , ارتفع الضجيج و القهقهات اليومية للمعلمين الذين لم يدركوا بعد أن الليل داخل قبة رأسه لم ينته, و أن أصواتهم هي النشاز الوحيد الذي يقلقل ويعكر صمته؛ لذلك فخطوته الأولى وبعد نزوله من السيارة كانت جريئة ومغامِرة,و ربما واسعة قليلاً,اللوحة الضوئية التي انطفأت لتوها تلقي بظلالها على اسم المدرسة و واجهة المبنى تقريباً ، فاعتبر ذلك شيئاً غير مريح ٍ ، استعاذ بالله ، سلم على البواب الذي لا يعرفه ، لوحة الإعلانات فارغة ، أحد ما أفرغها لتمتلئ من جديد ، عيناه لا تزالان تراقبان كل شيء و دون حراك ، و لم ينس ذلك حتى حين دون اسمه الذي أثار استغراب مَن تزاحموا حوله في سجل الدوام اليومي ، تفنن في توقيعه؛ اسم جديد؛ معلم جديد ، و باليد اليسرى تأكد من ربطة العنق ، سلم على المدير ، تناول منه التوجيهات التي كانت أميلَ إلى الأوامر ، فرح؛ أحس بالشبع؛ شكر المدير و يده اليسرى على بطنه ، قادته رجلاه إلى الفصل الذي عليه أن يكون سيده و لو لفترة قصيرة ، المحفظة المنتفخة تشد يده إلى الأسفل ، يميل قليلاً ، لكنّ همسة من أحد الطلاب الواقفين في الممر نبهته ، فعاد بحركة سريعة إلى اعتداله ، رفع رأسه أكثر؛ اللحظة الأولى هي التي ستضع خاتمها و توقيعها على اللحظة الأخيرة ، و الضربة الأولى هي التي توجع ، لكن العتمة التي يدخل فيها الآن فتحت عينيه أكثر لينتبه إلى أن البلاط أنيق و لكن ما يؤخذ عليه أنه ليس من صنف واحد و أنه ناعم و أملس أكثر مما يجب ، و على المرء أن يحترس أثناء المشي عليه ، رفع رأسه أكثر ، لا يجب أن ينشغل تفكيره بما يعترض طريقه ، فالقمة خالية و تنتظر صعوده كأحد الفاتحين ، باب الفصل مغلق و يخفي خلفه ما لم يعتد رؤيته في مدارس أخرى ، تبسم لهذه البداية الطيبة فاستجمع جرأته و ثقته و وضع يده على قبضة الباب ، اختلس نظرة إلى اليمين و إلى اليسار و إلى حذائه ليتأكد إنْ كانت التماعته لم تخفت . فتح الباب؛ أنوار الفصل ساطعة؛ أغلق عينيه, و دفع الحقيبة أمامه كما يدفع آماله و أحلامه نحو الهدف ، النوافذ مغلقة ، و على السبورة التي تقبع خلفه تكاثفت أحلام الطلاب ، إذاً لا حاجة لعناء كبير لاكتشاف الحقيقة: شغب واضح؛ كلام كثير ، رسوم غير مفهومة ، حكمة اليوم السابق . أرعبه المشهد ،اختنقت ضحكات الطلاب خلف أكفهم ودفاترهم فوضع الحقيبة على الطاولة و وضع على الكرسي جسده الذي بدا له كغصن يتدلى ، وضع كلتا يديه على وجهه ، فلم ينتبه إلى الطاولة التي تقترب من رأسه إلا بعد أن اصطدمت به لتكسر الليل في داخله . الطاولة عجيبة غريبة ، نهض و دفع الكرسي إلى الخلف ، فتح الحقيبة و أخرج قلمين و كتاباً ، استدار إلى السبورة و بحركة من يده أخرسها، وكتب في زاويتها اسمه و عنوانه وتاريخ ميلاده،و بدأت خيوط حنجرته تهتز ليصعد من خلالها الكلام و يمشي إلى الطلاب واثق الخطى , لكن يصعب على الصوت عند الصباح أن يرتقي إلى شموخ حنجرته وأصالتها؛ لذلك أحنى رقبته قليلاً كي يسهل انزلاقه و خروجه حتى و إن كان فمه مغلقاً كصندوق ، و رفع يده اليسرى لتساعده على فك تزاحم الكلمات التي كان الكتاب يقرؤها عليه فيعيدها و يخطئ في تهجئة بعضها مرة أو أكثر في كل إعادة ، فيلومه الكتاب و يوبخه بقسوة و ربما ضربه على يده ، فهذه الصيغة من التعامل جديدة و مبتكرة و لابد أن يتدرب عليها و يحفظها و يمارسها لاحقا.ً تعبت يده ، فأسندها إلى طرف السبورة ، رسم على شفتيه ابتسامة طويلة و عريضة حجبت عنه رؤية الباب و هو ينفتح عن يساره بصرير أقسم الحارس أنه سمعه مرتين ، و لم تعد شفتاه إلى وضعهما الطبيعي حتى فرغت أكثر طاولات الطلاب في الفصل , استدار إلى كرسيه ، مسحه بعناية و جلس ، شبك أصابعه فوق الطاولة ، أمسك القلم الأحمر ، نقر به الطاولة عدة نقرات سريعة ، ظن أنه سيجارة عبَّ منه حتى امتلأ صدره ، نفخ في هواء الغرفة ما في صدره ، سعلت نافذة و قذفت من فمها محفظةَ طالب و وعداً من طالب آخر باللحاق بها ، سعلت كراسي الفصل و قذفت أيضاً ما بقي عليها خارج الفصل ، سّلم على الكراسي الخالية و الطاولات النظيفة الفارغة ، رفع صوته عدة درجات ؛ فعدد الطلاب هنا كبير و يحتاج إلى صوت مضاعف كي يصل كل واحد منهم كما هو و دون نقصان ، حمد الله و شكره على نعمة العقل و لم ينس شكره على نعمة البصيرة ، شكرهم، و أشاد بحرصهم على سماعه ، دون أن ينسى أيضاً تحريك رأسه يميناً و يساراً أو يوزع عينيه على الجدران و النوافذ و أحياناً لا يبخل على مصباح السقف أو أرجل الطاولات لكنّ أكثر شيء أفرحه هو تواصلهم و انفعالهم بالعناوين و الأفكار التي لم يقلها ، فوعدهم بأنه سيفتخر بهم أمام المدير و جميع المعلمين و الطلاب في اجتماع الصباح القادم ،فتمنى عليهم أن ينصرفوا لأن صوت الجرس أعلن انتهاء الحصة ، من غير أن يتسنى له إعلان الواجب الذي على أحبائه الطلاب أن يقوموا به و أن ينتبهوا إلى سهولته و دقة مراميه, فوضع عينيه و كتابه في الحقيبة ثم أغلقها, واتجه صوب الباب,لكنه فوجىء بالمدير والمراقب وحشد من المعلمين وهم يزجرون الطلاب و يحاولون إرغامهم على الدخول إلى الفصل.قبل أن تقذفهم أقدامهم إلى الشوارع الفرعية الضيقة وظلال الأشجار الواقفة بانتظاره


  2. #2

    أُنثى لا تُباح إلا لـِ ملاك


    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    الدولة
    في جوف الألم ..!
    المشاركات
    6,753

    رد: أستاذ التشرد

    ؛


    سلمت يمينك سيدي .. لاحرمنا الرب نورك

    ولكن صبرك يا اخي .. فـ مازلنا نقرأ لك ما انزلته سابقاً :)



    .
    ؛



    المشكلة ..
    لاصرت تقبل ,, ويقفون
    كنك بقايا ذنب..
    ماكنّك ,,{ إنسان }

    .

  3. #3
    ~ [ نجم صاعد ] ~
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    78

    رد: أستاذ التشرد

    بارك الله فيك
    أرجو أن أتلقى منكم نقداً عميقا

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. ][ ولا تزال الحملة مستمرّة .. أستاذ الأحياء إلى ... ][
    بواسطة خــــالـــــد في المنتدى منتدى الاستقبال واخبار الأعضاء
    مشاركات: 31
    آخر مشاركة: 01-11-2007, 04:42 AM
  2. & * أستاذ الأحياء طلبتكـ * &
    بواسطة طيف في المنتدى المواد العلمية ثانوي النصف الثاني
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 24-05-2007, 02:32 AM
  3. المرحلة الأولى .. [ أستاذ الأحياء × الليث ]
    بواسطة جواهر عبدالله في المنتدى منتدى الأخبار
    مشاركات: 451
    آخر مشاركة: 07-05-2007, 01:16 PM
  4. أستاذ الجراحة ، يتحدث عن ( الشطـة ) .. وهل هي مفيـدة ؟
    بواسطة مازن في المنتدى رجيم 2012 والصحة
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 01-02-2005, 06:04 AM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •