بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جميلة تلك الحكاية التي ساقها ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين.. حيث قال: وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك بابًا قد فُتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي, وأمه خلفه تطرده حتى خرج, فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرًا, فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أُخرِج منه, ولا من يؤويه غير والدته, فرجع مكسور القلب حزينًا، فوجد الباب مرتجًا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام, وخرجت أمه, فلما رأته على تلك الحال لم تملك إلا أن رمت نفسها عليه, والتزمته تقبله وتبكي وتقول: يا ولدي, أين تذهب عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك لا تخالفني, ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبِلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك، وإرادتي الخير لك؟ ثم أخذته ودخلت..
فتأمل قول الأم: لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جُبِلت عليه من الرحمة والشفقة..
وتأمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: (( الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها ))..
وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟
يا أخي: هذا الصبي لم يجد ملجأ غير أمه إلا هي فعاد غير بعيد..
وأنت كذلك.. أعلم أنه ليس لك ملجأ ولا ملتجأ من الله إلا إليه.. فأسعدنا بعودتك إلى الله..
لا تحتقر فعلتك التي فعلت..
عد إلى الله في صغائر الذنوب وكبائرها.. فالله يفرح أشد الفرح بتوبة عبده..
كأني بك لم تسمع أو تقرأ الحديث الثابت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة, فانفلتت منه, وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته - فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك - أخطأ من شدة الفرح - )).
فإذا علمت ذلك فبادر بالتوبة قبل أن يغلق الباب أمامك..
عش ما بدا لك سـالماً *** في ظل شـــاهقة القصور
فإذا النفوس تقعقعت *** في ضــيق حشرجة الصدور
هـــناك تعلم موقناً *** ما كنت إلا في غــــرور
لعلك تقلع عن ذنبك نادمًا على فعله عازمًا على عدم العودة إليه..
واعلم:
أنك أنت المقصود هنا..
فأكثر الاستغفار صباح مساء..
ولا تنس: أن الهلاك كل الهلاك في الإصرار على الذنب..
خـــــتامًا: [ سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ].