منكرات الإجازة الصيفية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ سورة آل عمران(102).
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً سورة النساء(1).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً سورة الأحزاب(70، 71).
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ عنهم شذ في النار، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فقد غوى، ولن يضر الله شيئاً.
أيها المسلمون: في مثل هذه الأيام البازغة يتجاذب فئامٌ من الناس أطراف الحديث عن أمر مهم يشترك في مطارحته معظمُ المجتمعات بمجموعها، كما أن الألسنة تلوك الحديث عنه على اختلافٍ في مشاربها، إيجاباً وسلباً، خلافاً وضداً؛ لأنه في الحقيقة أهلٌ للحديث عنه وكثرة المطارحات فيه عبر مجالات متنوعة كالمنابر مثلاً والأندية والإعلام في بعض صوره.
ذلكم -عباد الله- هو الحديث عما يُسمّى بالعطل الصيفية أو الإجازات السنوية، والتي أصبحت حقبة من الدهر لا يمكن الاستغناء عنها بوجه من الوجوه، بل لقد أجمعت الأقطار بأسرها على أن هذه المرحلة جزء من الصبغة الواقعية على مضمار الحياة السنوية، والتي لا يمكن تجاهلها على أرض الواقع، حتى إنها قد فرضت نفسها على أن تكون مصنَّفة ضمن البرامج المنظمة في الحياة السنوية العامة، وهي غالباً ما تكون غوغائية تلقائية ارتجالية، أي أنها مع الإحساس بها على أنها واقع لابد منه إلا أنها ينقصها الهدف السليم، وتفتقر إلى الضوابط الزمانية والمكانية، فضلاً عن الضوابط الشرعية وما يحسن إبَّانَها وما يقبح.
إن حاجة الإنسان إلى الراحة بعد الكدّ وإلى الهدوء بعد الضجيج لهو من الأمور المسلَّمة والتي لا ينكرها إلا غِرٌّ مكابر، فالإسلام في حقيقته لم يفرض على الناس أن يكون كل كلامهم ذكراً، ولا كل شرودهم فكراً، ولا كل أوقاتهم عبادة، بل جعل للنفس شيئاً من الإراحة والترويح المنضبطين بشرعة الإسلام، بل إن حنظلة بن عامر -رضي الله عنه- قد شكا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- تخلل بعض أوقاته بشيء من الملاطفة للصبيان والنساء، فقال له رسول الله: (ولكن ساعة وساعة) رواه البخاري ومسلم.
وقد ذكر ابن عبد البر أن عليا -رضي الله عنه- قال: "أجمُّوا هذه القلوب والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان"، ويقول ابن الجوزي: "رأيت الإنسان قد حُمِّل من التكاليف أموراً صعبة، ومن أثقل ما حُمِّل مداراة نفسه وتكليفها الصبر عما تُحِبّ وعلى ما تكره، فرأيت الصواب قطع طريق الصبر بالتسلية والتلطف للنفس".
بهذا -عباد الله- يؤخذ مفهوم عام حول تخلل جدِّ المرء واجتهاده شيءٌ من الراحة وسكون الحركة الهائجة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه حول واقع كثير من المسلمين اليوم هو: إلى أي مستوى يصل إليه مُعاشر العطل الصيفية؟ وما هي الآلية الإيجابية التي تُستثمر فيها الأوقات وتراعى فيها قائمة الأولويات؟ وما هو المفهوم الحقيقي للعطلة؟ أيكون في النوم، أم هو في اللهو؟! أيكون في الأفراح، أم هو في السياحة، أو هو في الإخلال بالنواميس الكونية من حيث انقلاب الليل نهاراً أو النهار ليلاً، أو في المطالعات الحثيثة لما تبثه وسائل الإعلام الفضائية أو شبكات ما يسمَّى بالإنترنت الغازية؟!