بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على المصففى و آله و صحبه و من اهتدى
أما بعد
حسب ما تعلمناه فإن سورة البقرة هي أعظم سورة أنزلت للناس.. لماذا ؟؟
إنها السورة التي تفصّل التاريخ الكامل و الشامل لبني إسرائيل و أسباب استبدالهم بقوم لا يخونون العهد و الأمانة بعدما اتضحت نوايا بني إسرائيل للعامة ففيها تاريخهم و ما فعلوا بأنبيائهم من تكفير و تكذيب و تقتيل رغم أن صبحانه و تعالى قد فضّلهم آنذاك على العالمين و لكنهم لا يعرفون الشكر و الحمد إذ كانت البقرة رمزا لذلك.
لقد بدأ عزّ و جلّ سورة ب "ألم" و أنا أعتقد أن ذلك نوع من القسم الرّبّاني للتأكيد على صحة ما يأتي بعده أي:
الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِين
هنا أرى و الله أعلم تأكيدا لما جاء من قرآن كريم موجه للناس أجمعين مهما كانت صفتهم و دياناتهم السابقة و الدليل على ذلك ما جاء في الآية 21 :
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" و لم يقل عزّ و جلّ "المسلمون أو المؤمنون " بل الناس " مهما كانت صفتهم تأكيدا لما جاء في بداية السورة أي هو كتاب يهدي المتقين و لا كتاب غيره !!
أما الإعجاز الثاني يخص علم الغيب غندما نتأمل الآية 30:
"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ "
إن عظمة رب العرش العظيم و السماوات و الأرض تكمن في علمه للغيب من خلال الآية الكريمة إذ أخبر الملائكة عليهم السلام بخلافة آدم عليه الصلاة و السلام على الأرض و هو ما زال في الجنّة إذ كان عزّ و جلّ يعلم أن إبليس سيخرج آدم عليه السلام من الجنّة
ثم الإعجاز الثاني يأتي في قول الملائكة أن الإنسان سيفسد في الأرض ...و بما أنهم عليم السلام لا يعلمون الغيب كما جاء في الآية 32 :
"قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ " فهذا معناه و مرجّح أن يكون خلق آخر قبل آدم لم يؤدوا الأمانة و لم يحفظوا العهد و الميثاق كما فقل بنوا إسرائيل من بعد فقام سبحانه باستبدالهم و الله أعلم إنه هو علاّم الغيوب
و في الآية 34 : يذكّر تعالى بتفضيله للإنسان على سائر المخلوقات حين قال :
"وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ "
فكيف يكفر الإنسان بخالقه الذي اختصة بخلافة الأرض ؟؟
فبعد خلق آدم و حواء عليهما السلام و سجود الملائكة للآدم عليهم السلام جميعا أزله الشيطان و أخرجه من الجنّة التي خلقها رب العالمين قبل ذلك و الدليل دخول آدم إليها
ينتقل عزّ و جلّ بعد ذلك ليذكّر بني إسرائيل بفضائله عليهم :"يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ " الآية 47
ثم تذكير رالرحمة الإلهية : وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ*وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 49-52
و يخاطب سبحانه و تعالى بني إسرائيل و ما فعلوه بالرسل عليهم الصلاة و السلام و الكشف عن حقيقتهم و هي :
"وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ "87
و بعد ذلك يخاطب سبحانه أشرف خلق الله الحبيب المصطفى عليه أزكى الصلوات و السلام :
"قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ*مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ"97-98
ثم يعود سبحانه إلى بني إسرائيل ليذكرهم بنعمه و قصة سليمان عليه الصلاة و السلام ...
بعدها يخص سبحانه أمة الإسلام بميزة لم تعهدها أمم قبلهم و هي :
"وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" 186
أي انعدام الوساطة بينه سبحانه و عباده على عكس ما كان قبل ذلك في عهود بني إسرائيل و هذا يدل على نهاية الرسل و أن محمّد عليه الصلاة و السلام هو خامت الأنبياء بدليل إلغاء الوساطة بين الله سبحانه و عباده
في الأخير أدعو ربّي أن يغفرلي ذنوبي و لكم إنه هو الغفور الرحيم و إن أخطأت فأستغفر الله و للحديث بقية