الإشاعة ظاهرة اجتماعية تنتشر في كل المجتمعات الشرقية والغربية المتحضرة والمتخلفة الغنية والفقيرة تختلف من حيث الموضوع وتتماثل من حيث الشكل والهدف.
يعرفها كثير من المختصين بأنها (رواية مصطنعة عن فرد، أو أفراد، أو مسؤولين، يتم تداولها شفهياً بأية وسيلة متعارف عليها، دون الرمز لمصدرها، أو ما يدل على صحتها)
ويعرفها آخرون بأنها (بث خبر من مصدر ما في ظرف معين ولهدف ما يبتغيه المصدر دون علم الآخرين وانتشار هذا الخبر بين أفراد مجموعة معينة)
وتختلف باختلاف أهداف ناقلها فمنهم من ينشرها لدوافع نفسية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية، وتتعرض أثناء التداول للتحريف، والزيادة، والنقص، وتميل غالباً للزيادة.
استخدمها المصريون، والصينيون، واليونان في حروبهم قبل الميلاد بآلاف السنين
للتأثير على الروح المعنوية للعدو.
ومن شدة خطورتها أصبحت كثير من دول العالم تسخر وحدات خاصة في أجهزة
استخباراتها، لرصدها وتحليلها .
كم من إشاعة أطلقها مرجف، وسمعها، وصدقها متعجل أدت إلى تباغض الإخوان وعداوة الأصحاب وإساءة سمعة الفضلاء، وتشتيت أسر، وتفريق جماعات،
ونكبة شعوب، وهزيمة جيوش .
الإشاعة ايها الأحبة لم يسلم من اثرها وضررها أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام حيث نسجت إشاعات وأقاويل كثيرة حول نبوتهم وصدقهم عليهم السلام فمنهم من أشيع عنه السحر ومنهم من اشيع عنه الجنون وهذا نبينا محمد عليه السلام لم يسلم منها حتى مسته في أعز ما يملك وفي أحب الناس إليه .
لسنا مبالغين أيها الأخوة، إذا قلنا أن ما واجهه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الإفك هو حدث الأحداث في تاريخه عليه الصلاة والسلام، تلك الشائعة التي طعنت في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي هزت بيت النبوة شهراً كاملاً،
بل هزت المدينة كلها، بل هزت المسلمين كلهم، هذا الحادث، الذي كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية آلاماً لا تطاق، وعلق قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلب زوجه عائشة التي يحبها، وقلب أبي بكر الصديق وزوجه بحبال الشك والقلق.
وهي مجرد إشاعة مختلقة بين الله تعالى كذبها، ولولا عناية الله عز وجل، لكانت قادرة على أن تعصف بالأخضر واليابس،
ولا تُبقي على نفس مستقرة مطمئنة، حتى نزل الوحي ليضع حداً لتلك المأساة الفظيعة، وليكون درساً تربوياً رائعاً لذلك المجتمع، ولكل مجتمع مسلم إلى قيام الساعة.
نحن نعيش أيها الأحبة في زمن كثر فيه ترويج الإشاعة في ظل تطور وسائل الاتصال والتواصل بين المجتمعات ولكي لا تؤثر هذه الإشاعات على المجتمع بأي شكل من الأشكال،
لابد أن يكون هناك منهج واضح محدد يتعامل فيه المجتمع مع الإشاعات، ونلخصها في أربعة محاور مستنبطة من حادثة الإفك، التي رسمت منهجاً للأمة في طريقة تعاملها مع أية إشاعة إلى قيام الساعة.
النقطة الأولى: أن يفترض المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، قال الله تعالى: لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً .
النقطة الثانية: أن يطلب المسلم الدليل البرهاني على أية إشاعة يسمعها قال الله تعالى: لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء .
النقطة الثالثة: أن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره، فإن الناس لو لم يتكلموا بأية إشاعة، لماتت في مهدها قال الله تعالى: ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا .
النقطة الرابعة: أن يترك الأمر لأولى الأمر، ولا يشاع بين الناس أبداً، قال الله تعالى: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم
لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً .
لذلك يجب علينا أيها الأحبة عدم الانجراف خلف كل ناعق أو نقل كل ما نسمع
( كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع)
ولنعلم أن الأيام دول وأن من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته
حتى يفضحه في عقر داره نسال الله العافية والستر.
ملطوش من زوجي الغالي ابو رعد