________________________________________
هالني ما ذكره أحد خبراء التربية العرب عبر إحدى الإذاعات العربية من أن البحوث والدراسات اثبتت ان الطفل العربي -قبل دخوله المدرسة- (تخيلوا قبل دخوله المدرسة) أفضل في قدراته الذهنية من اقرانه الأوروبيين والأمريكان. لكن هذا الطفل نفسه (أعني الطفل العربي) بمجرد ان يلتحق بالمدرسة تبدأ قدراته الذهنية في الاضمحلال بينما تبدأ تلك القدرات في التنامي لدى الاطفال الاوروبيين والامريكان عند التحاقهم بالمدرسة.
نتيجة عجيبة ومفزعة حقاً, وتنم عن خلل مؤكد في أداء المدرسة العربية التي نحن جزء لا يتجزأ منها بطبيعة الحال. بل ان مثل هذه النتيجة تشكل ظاهرة, لأنها تشمل الطفل في كل ارجاء الوطن العربي بلا استثناء, واقول بلا استثناء حتى لا تنقبض قلوب اخواننا التربويين هنا في المملكة اعتقاداً منهم بأن المسألة تقتصر عليهم وحدهم دون غيرهم من التربويين في عالمنا العربي.
نعم هي ظاهرة تدعو الى التأمل والبحث والاستقصاء والدراسة من اجل الوصول الى مسببات هذه الانتكاسة في القدرات الذهنية للطفل العربي حين يلتحق بالمدرسة. انها مصيبة المصائب - بل هي فجيعة الفجائع- اذا كان الامر على ما ذكره الخبير التربوي. وهذا الخبير التربوي والأكاديمي المتمرس في دراساته وأبحاثه هو واحد من ابناء جلدتنا.. يتحدث لغتنا.. ويدين بديننا.. ومتخصص في التربية.. أوَ بعد كل هذا يصبح هناك امكانية للشك في اقوال ونوايا هذا الخبير التربوي? همومنا تزيد من همومه.. وافراحنا تزيد من افراحه.. لذلك هو ليس من الخواجات حتى لا يبرز احد التربويين لدينا فيتهم هذا الخبير التربوي بأنه عدو لدود لأمتنا العربية والاسلامية.. هدفه تخويفنا والحد من ثقتنا بأنفسنا.. ومتحيز لأبناء جلدته.. ولا يروق له نجاح مدارسنا في اداء مهماتها التربوية على اكمل وجه فيتهمها -ظلماً وعدواناً- بالفشل والقصور في تنمية القدرات الذهنية لأطفالنا.
مثل هذه النتيجة -بقطع النظر عن موقف بعضنا منها- يجب ان تكون اضاءة تنير لنا دروب البحث عن مدى صحتها. فإذا كانت المدرسة في عالمنا العربي وهي التي يعول عليها في تنمية القدرات الذهنية لأطفالنا الذين هم عماد المستقبل, وهم أدوات التنمية, وهم صناع الحضارة المأمولة, أقول: اذا كانت المدرسة العربية تؤدي الى تراجع القدرات الذهنية لهؤلاء الاطفال -كما يقول الخبير العربي الاسلامي التربوي- فمن باب أولى ان يبقوا في بيوتهم حفاظاً على قدراتهم الذهنية من الانتكاس والتراجع. وربما كان من الافضل دراسة التجربة التربوية لاطفال اوروبا وأمريكا, وخاصة بعد التحاقهم بالمدارس -لأن ما قبل هذه المرحلة غير مشرف بالنسبة اليهم من حيث القدرات الذهنية مقارنة بالطفل العربي كما اشار الخبير التربوي- ومن ثم تطويع تلك التجربة في مدارسنا العربية لايقاف مسلسل الازهاق لقدرات اطفالنا الذهنية التي تمارسه المدرسة العربية في وقتنا الراهن.
وبعد ان استمتعت بأطروحات هذا الخبير التربوي اذا بخبير تربوي آخر في نفس مستوى الأول -إن لم يكن أقل- يتحدث عن قضية تربوية مهمة أخرى تفتقر اليها المدارس العربية بصفة عامة, الا ان مدارسنا نحن اكثر افتقاراً اليها, ألا وهي (مساحة المرح) في مدارسنا. يقول هذا الخبير التربوي - وهو ايضاً من ابناء جلدتنا في العروبة والاسلام ومتخصص في شؤون التربية - اقول: يقول هذا الخبير -لا فض فوه-: ان العملية التربوية داخل المدرسة تقوم على ثلاثة اركان اساسية هي (1) اللعب (Playing), (2) الاستمتاع (Enjoying), و(3) التعلم (Learning). وقد اشار هذا الخبير الى ان الاستمتاع بالمدرسة لا يتأتى الا بايجاد مساحة من المرح داخل فصولنا الدراسية, وان درجة التعلم تتوقف على مقدار المرح الذي يجده الطفل مع استاذه واقرانه ومدير مدرسته.
والحق ان تعليمنا يفتقر الى المرح داخل الفصول.. بل ان بعض المعلمين يرى في المرح داخل الفصل نوعاً من الامتهان لمكانته وكرامته وشخصيته فتجده مكفهر الوجه. مقطب الحاجبين.. منتفخ الوجنتين.. سليطاً في لسانه.. شرساً في اخلاقه هو في تهديد ووعيد دائم لطلابه.. فأنى لطفل يتربى في أحضان مثل هذا المعلم ان يبقى لديه شيء من قدراته الذهنية.. هذا إذا لم يصب بالرهاب الاجتماعي من شيء اسمه مدرسة ومعلم أو يفقد عقله, أو يصاب بالتأتأة, أو تنهار شخصيته, فيهرب من المدرسة الى الشارع الذي يجده أرحم في معطياته, وأكثر اغراء من المدرسة, وربما دخل في عالم الانحراف والجريمة والرذيلة, والسبب في ذلك كله غطرسة معلم لا يعرف من التعليم سوى اسمه, ومع ذلك يظل وأمثاله يتبخترون كل صباح في فناءات كثير من مدارسنا. والنتيجة طلاب يرتجفون خوفاً من عنف المعلم, وهو يظن انهم يحترمونه.. واسألوا من تسربوا من مدارسنا لتدركوا حقيقة ما قلت.
(*) جامعة الملك سعود- كلية الآداب- قسم علم الاجتماع
[email protected]
ص.ب 2456