حملنا باص شركة ارامكو السعودية نحن مجموعة من مثقفي هذا الوطن لزيارة أرامكو والاطلاع على منشآتها ومنجزاتها، وكانت راية الحب والتسامح تظللنا كمواطنين سعوديين ينتمون إلى ذات الوطن رغم تبايناتهم المذهبية والقبلية والمناطقية. الكل يقبل الآخر ويتحاور معه ويبادله الحب والاحترام والتقدير والاعتزاز. فكلنا أبناء وطن واحد ويحرص الجميع على تركيز نظره نحو نقاط الالتقاء في ما بيننا. التسامح وقبول الآخر كما هو كان هو القاسم المشترك فيما بيننا في باص أرامكو السعودية، فالشيعي يجلس الى جانب السني والقبلي الى جانب غير القبلي والقادم من الشمال يجلس الى جانب القادم من الجنوب والقادم من الشرقية يجلس إلى جانب القادم من الغربية والقادم من الوسطى يجلس الى جانب خليط من هؤلاء دون أحكام مسبقة لأن التنوع سنة الله في خلقه ولأن الوطن للجميع وليس من حق أحد أن يدعي الأفضلية على الآخر أو أن يدعي أنه أكثر وطنية من الآخر فكلنا في الهم سواسية وأي خلل يصيب السفينة ( الوطن ) فالجميع لا شك متضررون. لم يكن من بيننا متعصب لمذهب أو لقبيلة أو لمنطقة وإلا لكان أفسد علينا رحلتنا وجمعنا ولربما فرق شملنا إلى شيع وأحزاب متنافرة تناهض بعضها البعض ولحول أجواء الباص إلى كآبة وحزن وتفرق وتشرذم فكانت حقا رحلة ممتعة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى وسار الباص إلى وجهاته المختلفة بأمان وسلام تحفه روح الطمأنينة والتسامح والمحبة والإخاء.
كيف لنا أن نسقط حالة ركاب باص أرامكو السعودية على الوطن بأكمله فنؤمن بأننا رغم تبايناتنا المذهبية والقبلية والمناطقية التي لم نختارها نحن بل ولدنا ووجدنا أنفسنا نخضع لها إلا أننا أبناء وطن واحد يجب أن يكون التسامح هو شعارنا وأن نغلب صوت العقل والاجتماع وننبذ صوت التطرف والتعصب والتفرق؟. فإذا كان الأب يستحيل عليه أن يصنع من أبنائه نسخا كربونية من شخصيته وقناعاته لكنه مع ذلك يقبلهم ويتعايش معهم فما بال البعض يصر على تفريق شمل الوطن بتعصبه وعدم تسامحه فينشر التعصب المذهبي والقبلي والمناطقي ويزرع العداوة والبغضاء والكراهية بين أبناء الوطن الواحد؟. ما ينطبق على حال ركاب باص أرامكو السعودية وجدناه ينطبق على حال موظفي الشركة ذاتها، حيث يسود الاحترام والتقدير المتبادلان بين موظفيها بغض النظر عن انتماءاتهم. فلا أفضلية لأحد على أحد إلا بمقدار الكفاءة والإنجاز، والكل يسعى في إنجاح الشركة. وهذا ما ينبغي أن تكون عليه حال المجتمع إذا أراد لنفسه الاستقرار والطمأنينة والرخاء. فالعدالة بين المواطنين بغض النظر عن خلفياتهم المذهبية والقبلية والمناطقية هي أساس الشعور بالرضا وزرع الولاء والانتماء وبناء الألفة والمحبة. أما التعصب والعنصرية والظلم والتفرقة أيا كانت أشكالها وصورها فهي مدعاة للشعور بالغبن وضعف الولاء والانتماء وزرع الكراهية والحقد والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد. والنتيجة النهائية لمثل هذه الحال هو لا سمح الله التشرذم والتفرق والصراعات التي قد ينفذ الأعداء من خلالها لتدمير مكتسبات الوطن وتفريق شمله. خطابنا الثقافي بشكل عام والخطاب الديني على وجه الخصوص لابد من إعادة بلورته ليخدم قيم التسامح والتعايش المشترك بين أبناء الوطن الواحد. ومناهجنا التعليمية يجب أن تتم صياغتها بما يخدم هذا الغرض. ومؤسساتنا الحكومية والأهلية يجب أن تبني فلسفتها الوظيفية على أساس الكفاءة والإنجاز لا على أساس المذهب أو القرابة أو الانتماء القبلي والمناطقي. ووسائل الإعلام ومؤسسات التنشئة الاجتماعية مطالبة بتكريس هذه القيم في شخصيات الناشئة من أبنائنا وبناتنا. وأنظمتنا وقوانيننا لابد أن تكون مبنية على نبذ التعصب والتمييز بين أبناء وبنات الوطن الواحد وأن تحاسب كل منتهك لقيم التسامح والعدالة والعيش المشترك. ولابد أيضا من تحييد أصوات التعصب والتفرقة والعنصرية وتشجيع أصوات التعايش والعدالة والتسامح... هذا هو المطلوب حقا إذا ما أردنا لهذا المجتمع أن يعيش في أمن وطمأنينة واستقرار ورخاء على غرار باص شركة أرامكو... فشكرا من الأعماق لشركة أرامكو السعودية على مبادرتها الطيبة في دعوتنا لزيارتها والشكر موصول لباصها الجميل الذي احتضن أبناء الوطن الواحد دون تفرقة... هذا وللجميع أطيب تحياتي.
[email protected]