[align=center][align=center][align=center]من وجه الصحراء العابس انتقل مناحي إلى المدينة الأكثر إشراقاً .
ومن الضياع بين الجحور والأودية أصبح أكثر ضياعاً في الأسواق والأماكن العامة
التي ينزل إليها قاطني المدينة للتنفس من الهواء النقي الشارد من فوق الإنجيلة .
ومن الوحدة إلى الصخب والزحام.
ومن الثقافة الجامدة التي لاتقبل الحوار والجلفة فيه إلى الميوعة .
كان أبوه ينهره ويوبخه لو أن سمع عنه أي شيء لايليق بمقام الحياة هناك
ولكن بعد أن وهن عمره وضعف وأصاب عظمه النخر لم يكن في قدرته
أن يسيِره على الطريق الذي ترعرع عليه ولم يعد هذا الفتى اليافع بمستمع
لنصائح أبيه .
أصبح هذا الفتى أكثر كلاسيكية من أبناء المدينة حتى أنه في أوقات لم يعد
يحضر مناسبات العائلة والأقرباء إلا فيما ندر وكثيراً ما يتحجج بإنشغاله
بينما هو يمرح من سوق إلى سوق مترنح في الحياة الجديدة !
شيء واحد بقي أن أذكركم به وهو أن هذا الفتى ( مناحي ) كان لايجيد حتى
ركل كورة القدم وربما يجهل أسماء من يركلونها هناك في قريته مخالفين
قوانينها ولكن الجليس من جليسه , تعرف على أحد أبناء الجيران ومن سوء حظه
إنه من الطبقة (الهاي هاي ! ) فأعجب مناحي ابن الجيران بلهجته القروية التي
لم يميعها على طرف لسانه إلا فيما بعد وقامت بينهم صداقة وتبادل زيارات
في حين لم تحدث ولو لمرة واحدة بين الأباء !
ولكن في يومٍ ما دخل مناحي إلى قصر ابن الجيران بعد أن ألح عليه وبعد أن تبدل
شيء من ثقافته الذي أصبح يسميها بالتعيسة ويسمي أهل قريته بأصحاب الثقافة
التعيسة !
فعندما دخل وقطع مسافة طويلة على الأقدام إلى داخل القصر فجأة وإذا هو أمام
ملعب مختلف التصميم تحيطه الحواجز ويكسوه العشب الأخضر وقف مناحي
وطلب من صديقه أن يبقون هنا , منبهر من المنظر الذي لم يشاهد له مثيل قط
فلم يمانعه صديقه ( اين الجيران ) فيما يرغب إليه فأخذ ينظر إليه وبعد لحظة
صمت طويلة قال لا شعورياً (ماشاء الله في بيتكم سلة ! )
ودمتم بكل الخيرات
أخوكم السُّلمي (عناد الجرح )
[/align][/align][/align]