يا شباب العرب
يقولون إن في شباب العرب شيخوخة الهمم والعزائم ، فالشبان يمتدون في حياة الأمم وهم ينكمشون ، وإن اللهو قد خف بهم حتي ثقلب عليهم حياة الجد ، فأهملوا الممكنات فرجعت كالمستحيلات . وإن الهزل قد هون عليهم كل صعبة فاختصروها ، فإذا هزئوا بالعدو في كلمة فكأنما هزموه في معركة ، ,إن الشاب منهم يكون رجلاً ، ورجولة جسمه تحتج على طفولة أعماله .
ويزعمون أن هذا الشباب قد تمت الألفة بينه وبين أغلاطة ، فحياته حياة هذه الأغلاط فيه ، وأنه مقلد للغرب في الرذائل خاصة ، وبهذا جعله الغرب كالحيوان محصوراً في طعامه وشرابه ولذاته .
يا شباب العرب ، من غيركم يكذب ما يقولون ويزعمون ؟ من غيركم يجعل النفوس قوانين صارمة ، تكون المادة الأولي فيها قدرنا لأننا أردنا ؟
ألا إن المعركة بيننا وبين الاستعمار معركة نفسية ، إن لم يقتل فيها الهزل قتل فيها الواجب ، والشباب هو القوة ، فالشمس لا تملأ النهار في أخره كما تملؤه في أوله
يا شباب العرب ، اجعلوا رسالتكم إما أن يحيا الشرق عزيزا ، وإما أن تموتوا .
اللغويات :
شيخوخة : ضعف وفتور ، العزائم : جمع ( عزيمة ) الصبر والجلد والتحمل .
الهمم : جمع ( همة ) العزم على عمل شئ ، يمتدون : يتقدمون
ينكمشون : يتراجعون ، اللهو : ما يشغل الإنسان من هوي وطرب .
خف بهم : استهان بهم ، الممكنات : السهلة التي يمكن عملها ز
الهزل : عدم الجد في الكلام أو العمل ، هون : سهل ، خفف
اختصروها : استغنوا عن كثير منها وتركوها ، صارمة : قوة نافذة
قدرنا : استطعنا وتمكنا مضارعة ( تقدر ) .
الشرح :
* شاع في الناس أن شباب العرب قد ضعفت همتهم ، وضاعت عزيمتهم . في وقت نهض فيه شباب الأمم الأخرى ، إن الشباب في كل أمة هم عامل التقدم وازدهار ، لكن شباب العرب صاروا عامل انكماش وانحسار وتخلف وجمود في أمتهم . وكذلك تري الجد والعمل الدائب من سمات الشباب في كل مكان إلا أن شباب العرب قد استبد بهم اللهو والهوى حتي صارت الأمور السهلة اليسيرة بالنسبة لهم أشياء صعبة مستحلية في نظرهم ، كما قال المتنبي [ وتعظم في عين الصغير صغارها ]. لقد طغي عليهم الهزل وعدم الجد ، حتي أصبحوا يعتبرون مجرد السخرية بالكلام على العدو انتصارا ساحقا قويا في معركة فاصلة لقد صاروا رجالا في أجسامهم ، لكنهم كالأطفال في أعمالهم ، لقد تعودوا الخطأ ، فصار عادة لهم ، وسمة تميزهم ، حتي أن الغرب يعاملهم معاملة الحيوان ، يعرف أن كل مطامحهم في الطعام والشرب واللذات - ولا قدرة لهم على شئ غير ذلك . والشئ الذي أتقنوه هو تقليد الغرب في المفاسد والرذائل.
فيا شباب العرب ..... من فيكم ينهض ويكذب هذا الزعم الغربي المشين ، من منكم يجعل من نفسه حكماً وقانوناً نافذاً - يحقق بقدرته الكامنة وإرادته القوية كل ما يجب أن يتحقق !!.
إن المعركة بيننا وبين الاستعمار معركة نفسية ، إذا لم يقتل الهزل واللهو فسوف يقتل الجد والواجب - والشباب هم قوة الأمة وطاقتها المبدعة ، فهم للأمة في عزمهم القوي كالشمس في وضح النهار .
يا شبابنا العربي : اجعلوا هدفكم في الحياة هو أن نحيا كراماً ويحيا الشرق عزيزاً حراً أو الموت .
التحليل والتذوق :
- شيخوخة الهمم والعزائم : كناية عن ضعف الشباب ، وضياع عزمهم وقوتهم ، واستعارة مكنية شبه الهمم والعزائم برجال ضعفوا مع الشيخوخة وتقدم العمر .
- الهمم ، والعزائم : عطف العزائم على الهمم ليؤكد ضياع كل مقومات ومظاهر القوة والجد ، فالهمة هي النية على عمل شئ ، والعزيمة الصبر والتجلد على تنفيذه ، فلا هم أقويا ء ولاهم صابرون ذووجد .
- الشباب يمتدون : استعارة مكنية شبه الشباب الأمم بأشياء حسية تتمدد وتنطلق بالحرارة - التي هي قوة الشباب وعزمهم .
- يمتدون × ينكمشون : طباق للموازنة بين حال الشباب الأمم ( يمتدون ) وحال شباب العرب ( ينكمشون ) وهو يوحي باللوم والتعنيف لشباب العرب ، ويؤكد أن حال الأمة يقاس بشبابها ، تقوي بقوتهم وتضعف بضعفهم .
- خف بهم اللهو : كناية عن تملك الاستهتار والعبث بهم .
- ثقلت حياة الجد : استعارة مكنية ، تجعل حياة الجد والعمل حملاً ثقيلاً على شباب العرب ( هم ) ضمير يعود على شباب العرب .
- أهملوا الممكنات : كناية عن مدي عجزهم عن عمل أي شئ وممكن لضعفهم وخورهم .
- رجعت كالمستحيلات : تشبيه للأشياء السهلة الممكنة صارت في نظر شباب العرب كالأمور المستحيلة . وهذا الدليل وإيحاء لمدي عجزهم وضعف عزيمتهم .
- الممكنات × المستحيلات : طباق للموازنة بين موقف شباب العرب من الممكنات والمستحيلات .
- إذا هزئوا بالعدو في كلمة فكأنما هزموه في معركة : تشبيه يوحي الأسف والأسي - حين يصور مجرد الاستهزاء الكلامي بالعدو - كالشجب والرفض قد صار في نظر شباب العرب الضعاف انتصاراً حاسماً في معركة قوية .
- رجولته تحتج : استعارة مكنية تجعل الرجولة شخصا يحتج على ضعف الشباب . وهي توحي بأنهم في داخلهم غير راضين عما يتحلون به من ضعف وهزل .
- تمت الألفة بينه وبين الإغلاظ : كناية عن تعوده الإغلاظ وارتباطه بها .
- حياته حياة هذه الإغلاظ فيه : كناية عن أنه جعل كل حياته لهذه الإغلاظ ، فصارت هي حياته وعمله وصفاته .
- مقلد للغرب في الرذائل : كناية عن اتصاف شباب العرب بصفات الغرب المرذولة ( في الرذائل ) خصها ليدل على أنها هي كل ما تعلمه من الغرب - ولم يقلده في الفضائل كالعلوم والمخترعات .
- جعله الغرب كالحيوان : تشبيه لشباب العرب في نظر الغرب بالحيوان الذي لا يهمه غير الطعام والشراب واللذة - وهو تشبيه يوحي بسخرية الغرب بالشباب العربي واحتقارهم .
- يا شباب العرب : أسلوب إنشائي طلبي ( نداء ) غرضه الحث والإثارة .
- يجعل النفوس قوانين صارمة : تشبيه للنفوس في قوة تحكمها في الإنسان ، وجعله قويا محتملا بالقانون الصارم .
- قدرنا لأننا أردنا : تشبيه لهذا السلوك العظيم بالمادة الأولي في قانون حياة شباب العرب .. وهو يوحي بأنهم يمكنهم بما عندهم من قدرات أن يحققوا كل ما يريدون في الحياة من عظائم الأمور .
- يقتل الهزل : استعارتان مكنيتان تصوران الهزل والواجب بشخصين إن لم يقتل.
- يقتل الواجب : أحدهما سيقتل الثاني
وهي توحي بأنه لا وجود للواجب الذي يجب أن نعمله وأن نتحلى في وجود الهزل والاستخفاف بالأمور .
- الشمس لا تملأ النهار في أخره كما تملؤه في أوله : تشبيه ضمني - يريد أن يشبه الشباب بقوتهم وعزيمتهم بمثل الشمس تكون قوية في أول النهار - أما الشيوخ فهم ضعاف كالشمس في أخره النهار .
- يا شباب العرب : أسلوب إنشائي طلبي نداء الغرض البلاغي له ( الحث والتنبيه ) .
- اجعلوا : أسلوب إنشائي أمر للنصح والإرشاد .
- يحيا × تموتوا : طباق للموازنة بين الحياة العزيزة أو الموت - وهي توحي بإثارة الهمم لحياة عزيزة .
التعليق العام :
1- بدأ الرافعي مقاله بنداء شباب العرب [ يا شباب العرب ] لأن النداء يناسب تخصيصهم ، وأيضا للإثارة والتنبيه إلي ما هو مطلوب - وكأنهم أمامه يخاطبهم وجها لوجه ، وهذا أبلغ وأوقع في نفوسهم مما لو قال : رسالة إلي الشباب - إلي شباب العرب .
ثم إنه جعل المقال بهذا النداء أقرب إلي الخطبة الحماسية
2- استخدم الرافعي أسلوباً خاصا ليحقق غرضه ، فمرة يتحدث ساخراً [ اللهو قد خف بهم ]. [ الهزل قد هون عليهم كل صعبة ] . [ جعله الغرب كالحيوان ] ومرة مبرهنا مقنعا ، يقول [ الشباب يمتدون في حياة الأمم وهم ينكمشون ] . [ إن لم يقتل الهزل قتل فيها الواجب ] . [ الشمس لا تملأ النهار في أخره ]ٍ - ومرة مفندا الحجج والأدلة الباطلة [ رجولة جسمه تحتج على طفولة أعماله ] ، [ من غيركم يكذب ما يقولون ويزعمون ؟ من غيركم يجعل النفوس قوانين صارمة ؟ ] .
3- يمتاز الرافعي في كتاباته بأمور منها :-
(1) تتبع جزئيات الموضوع الذي يتحدث عنه ودقائقه ، وذلك عن طريق توليد الأفكار والمعاني .
4- أسلوبه يمتاز :
( 1 ) ليس بالمرسل ولا السجع المقيد
( 2 ) سمو العبارة وجمال البيان .
( 3 ) عمق الأفكار
( 4 ) توارد الخواطر
( 5 ) ترادف المعاني
( 6 ) تدفق العاطفة
( 7 ) التراكيب الناصعة
( 8 ) انتقاء الألفاظ الموحية
( 9 ) اختيار الصور التي تجلو الأفكار وتصور العاطفة بدقة وقوة .
5- لجأ الرافعي في هذا المقال إلي أسلوب العرض - فهو يعرض حالة الشباب العربي وموقفه من الحياة ، ورأي الغرب فيهم . ويبين كيف صاروا ضعافا غير قادرين على أي شئ جاد - ولهذا نجد أفكاره منظمة واضحة ......
6- استخدام الرافعي طريقة التضاد ، فبضدها تتميز الأشياء - فوزان بين شباب العرب والشباب غيرهم - وبن موقفهم من أمور الحياة وموقف غيرهم . وعدد مزاعم الغرب والأعداء ، وحث شباب العرب على تكذيب ذلك - لأن التضاد من أقوي الأساليب بيانا وأقواها حجة .
7- النص جزء من مقال لكنه جاء في صورة خطبة - لأنها أقوي تأثيراً من المقال .
منقوووووول
- وصايا وارشادات -للشيخ محمد بن عبد الوهاب
وصايا وإرشادات - للشيخ محمد بن عبد الوهابقال في أحدي خطبة بعد أن حمد الله وأثني عليه :
[ أما بعد ، فيا أيها الناس اتقوا الله تعالي ، عباد الله : لقد غلب على النفوس الطمع فأهلكها ، واستولت على القلوب الذنوب فسودتها ، فاجلوا سواد هذه الظلمة بالتوبة ، فالتوبة هي المصباح ، واستفتحوا أبواب الرحمة بالاستغفار ، فإن الله هو الفتاح ، وأصلحوا فساد أعمالكم يصلح الله أحوالكم ، وارحموا ضعفاءكم يرفع الله تعليم البنين - المرحلة الثانوية - الثالث الثانوي - الادب والنصوص - الفصل الثاني - أدب الدعوة درجاتكم ، وواسوا فقراءكم يوسع الله أرزاقكم ، وخذوا على أيدي سفهائكم يبارك لكم في أعماركم ، فمن رحم رحم ، ومن ظلم قصم ، ومن فرط ندم ، ومن اتجر في الأعمال الصالحة ربح وغنم . ومن اتقي الله في سره وعلانيته عصم وسلم . واجتنبوا البغي والعدوان والحقد والحسد ، واعلموا أن الحسود لا يسود ، ولا يناله من حسده إلا الهم والغم والكمد والنكد ، فمن يرد نعمة الله التي أنعم بها على عباده ؟ أم من يمنع عطاءه الذي يقسمه على عباده ؟ وتيقنوا أن كل إناء ينضج بما فيه ، ومن حفر لأخيه بئراً وقع - لاشك - فيه ، ومن كان الله به عناية فهو منصور ، ومن أدركته رحمة الله فهو مجبور ، وإن كل محسن أو مسئ مجازي بعمله يوم النشور ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون (89) ومن جاء بالسيئة فكبت وجوهم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون (90) ] النمل
الإمام محمد بن عبد الوهاب :
1- هو الإمام محمد بن عبد الوهاب التميمي ، زعيم النهضة الدينية الإصلاحية الحديثة في جزيرة العرب ، ولد بالعيينة ، وطلب العلم بالحجاز - دعي إلي التوحيد الخالص ، وكانت دعوته هي الشعلة الأولي لليقظة الحديثة في العالم الإسلامي كله .
2- له كتب في التوحيد ( كتاب التوحيد ) ، ( كشف الشبهات )
لغويات :
اتقوا : التقوى الخشية والخوف ، وتقوي الله : خشيته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه .
اجلوا : اكشفوا ما عليها من سواد ظلمة الذنوب .
التوبة : الاعتراف والندم ، والإقلاع والعزم على ألا يعاود الإنسان ما اقترفه .
استفتحوا : اطلبوا فتح أبواب الرحمة .
واسوا : من المواساة - إعطاؤهم من مالكم .
سفهاءكم : جمع سفيه ، وهو من لا يحسن التصرف .
قصم : كسر وأهلك - نزلت به البلية البغي : الظلم ومجاوزة الحد .
الحقد : الانطواء على العداوة والتملص لفرصتها جمع أحقاد ، حقود .
الحسد : تمني أن تتحول نعمة الآخرين إليك أو أن يسلبوها .
الغم : الحزن والكرب يحصل للقلب بسبب بما جمعه ( غموم )
كمد : كتمان الحزن - حزن الرجل حزنا شديداً
كبت : كب في النار قلب وألقي وصرع ، مجبور : منصور غالب .
فرط : جاوز الحد في القول أو العمل .
غنم : فاز بالشئ في التتريل العزيز ( فكلوا مما غنتم حلالاً طيباً ) .
واسوا : خفضوا الآلام ، خذوا على أيدي : شددوا .
سفهائكم : جمع سفيه من لا يحسن التصرف ، الكمد : كتمان الآلام .
الأفكار والمعاني :
1- الدعوة إلي تقوي الله ، بعد أن غلب الطمع على النفوس فأهلكها ، واستولت الذنوب على القلوب فجعلتها سوداء . ( وهذا هو سبب البلاء وأصل الداء ) ثم يفصل العلاج ) .
2- إن التوبة هي التي تجلو سواد القلوب كالمصباح يضئ الطريق .
- الاستغفار مفتاح الرحمة فإن الله يرحم التائبين ويفتح لهم باب الرحمة بالتوبة .
- إصلاح الأعمال الفاسدة - فهذا هو الطريق لأن يصلح الله أحوالنا .
- مواساة الفقراء ومساعدتهم - فبها يوسع الله الأرزاق .
- الأخذ على يد السفهاء ، سبيل إلي بركة العمر وطول الأجل .
- الرحمة تجلب لصاحبها رحمة الله ، والظلم يجلب لصاحبه ظلماً أشد .
- التفريط في الدين ندامة ، وعمل الصالحات ربح وغنيمة .
- تقوي الله في السر وفي العلن عصمة وسلامة .
- البعد عن البغي والعدوان والحقد والحسد ، فالحسود لا يسود ، ولا يستطيع أن يرد نعمة من نعم الله على عبد من عباده .
- الإنسان ابن بيئته وكل إناء بما فيه ينضج .
- من حفر لأخيه شرا وقع فيه .
- إن من تدركه رحمة الله وعنايته فلن يمسه سوء أو مكروه .
- المحسن يجازي بإحسانه ، والمسئ بإساءته يوم القيامة .
خصائص أسلوب الشيخ :
- الشيخ رحمة الله جاء مجددا للعقيدة في القلوب ، كما جدد في الأفكار والأسلوب :-
1- هذب الأسلوب بطريقة عملية .
2- خلص الخطابة من الركالة والرتابة ، وأزال عنها البديع المتكلف .
3- كثرت خصائص الخطابة منذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب وتغيرت عما كانت عليه قبله موضوعاً وأسلوباً كالآتي :-
التحليل والتذوق :
- فيا أيها الناس : أسلوب إنشائي نداء للتنبيه .
- اتقوا الله : أسلوب إنشائي أمر للحث وإثارة الانتباه .
- عباد الله : أسلوب إنشائي نداء حذف الأداة إشعارا بالقرب ولمنع تكرار أداة النداء ... وتكرار النداء لزيادة الحث والتنبيه .
- قد غلب على النفوس الطمع فأهلكها :
( قد ) تفيد التحقيق لما جاء في الجملة من تغلب الطمع على النفوس وإهلاكه لها.
( على النفوس ) تقديم الجارر والمجرور يفيد التخصيص والاهتمام بأمر النفوس .
( أهلكها ) استعارة مكنية تجعل النفوس شيئا حسيا أهلكه الطمع وأباده
( الطمع ) لم يذكر أي نوع من الطمع إشارة إلي أن كل ألوان الطمع قد سيطرات على النفوس ، طمع في الدنيا بزخرفها - طمع في المال ، في الشهوات - استولت على القلوب الذنوب فسودتها :
قضية ثانية ينبه إليها الشيخ وهي أن الذنوب قد استولت على كل شغاف القلوب ومشاعرها فأحالتها سوداء وقضت على نور الإيمان فيها .
( استولت ) توحي بالسيادة والتسلط الكامل - وكأنه لا شئ فيها غير الذنوب .
( على القلوب ) تقديم للتخصيص وشدة التنبه لما صارت إليه القلوب .
( فسودتها ) تصوير للقلوب بالشئ الأسود لكثرة ما ران عليها من الذنوب والذنوب أعمال سوداء فسودت القلوب
الجملتان السابقتان : ( 1) بينهما ازدواج ، وهو من مصادر الموسيقي في النثر الفني
( 2) تكشفان عن الداء الذي عم في هذا العصر .
- فاجلوا سواد هذه الظلمة بالتوبة :
تذكرة علاج تحمل دواء واحدا ناجعا..... إذ ليس من سيبل الخلاص من داء الذنوب غير التوبة . وتلك سمات الداعية الحق - أن يضع الدواء ذكر الداء .
(اجلوا ) أسلوب إنشائي أمر للنصح والإرشاد .
( سواد الظلمة ) : استعارة تصريحية يشبه الذنوب والمعاصي بالظلام الأسود الذي سيطر على القلوب وصرح بالمشبه به .
( التوبة هي المصباح ) : تشبيه بليغ - جعل التوبة هي المصباح الذي يحتاجه كل صاحب ذنب ليقضي به على ظلام الذنوب وسواد القلوب ، فوجه الشبه هو إزالة الظلمة . ووجه بلاغته أنه جاء دالاً على المعني المراد بوضوح بياني .
- واستفتحوا أبواب الرحمة بالاستغفار : أسلوب إنشائي أمر للنصح والإرشاد .
( استفتحوا )- اطلبوا فتح أبواب الرحمة - فلا يصح لو قال افتحوا .
( أبواب الرحمة ) : استعارة مكنية شبه الرحمة بمنازل لها أبواب على التائبين أن يطلبوا من الله تعالي أن يفتح لهم أبواب رحمته بعد أن تاب عليهم .
( بالاستغفار ) : استعارة تصريحية - شبه الاستغفار بالمفتاح الذي يمكن به أن تفتح لهم به أبواب الرحمة .
- أصلحوا فساد أعمالكم يصلح الله أحوالكم : أسلوب إنشائي أمر للنصح والإرشاد ، وهو تعبير عن معني قوله تعالي ( لا يغير الله ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم ) وهو هنا يوجز الأمر ويوجز علاجه في دقة بالغة .
- خذوا على أيدي سفهائكم : كناية عن التشديد والوقوف ضد فاسدي التصرف ، وهو أسلوب إنشائي أمر للنصح والإرشاد .
- وفي الجمل الأربع السابقة ما يسمي في علم البديع ( ترصيعا ) وهو تكرار أكثر من سجعتين - مما يحدث أثرا موسيقيا في الصياغة ، فقد قال ( أعمالكم ، أحوالكم ، درجاتكم ، فقراءكم ، أرزاقكم ، سفهائكم أعماركم ) مع ملاحظة أنه لا تكلف في هذه السجعات .
- الترصيع أيضا في قوله : فمن (( رحم رحم ، ومن ظلم قصم ، ومن فرط ندم ، ومن أنجز في الأعمال الصالحة ربح وغنم سلم ) .
- سره × علانية : طباق للشمول - شمول تقوي الإنسان لربه سرا وعلانية .
- لا يناله من حسده إلا الهم والغم والكمد والنكد = أسلوب قصر - طريقته النفي والاستثناء - يفيد توليد ما يحدث للحسود من آلام متعددة .
- كل إناء ينضج بما فيه : كناية عن أن الإنسان يتصرف وفق ما تربي عليه .
- لاشك : إطناب الاعتراض للتوكيد .
حفر لأخيه بئرا وقع فيه : كناية عن أن من يدبر شرا للناس سوف ينقلب الشر عليه وحده - ( لأخيه ) تقدم للتخصيص .
- منصور - مجبور : سجع ، وجناس ناقص .
- محسن × مسئ : طباق للشمول ، شمول الجزاء من جنس العمل .
- هل تجزون إلا ما كنتم تعملون : أسلوب قصر بالنفي ( هي بمعني لا ) والاستثناء لتوكيد أن الجزاء على قدر العمل ونوعه .
التعليق العام :
خصائص الخطابة منذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب : -
1- وضوح الأفكار وتسلسلها مما يدل على سعة الثقافة وعمقها .
2- قوة العاطفة المدعومة بقوة الحجة والبرهان .
3- بيان قوي يأخذ بالألباب فيمس شغاف القلوب .
4- عبارة رصينة منتقاة فيها من الإيقاع والاتزان ما يجعل أسلوب الشيخ من السهل الممتنع
5- بديع غير متكلف ، ذو تأثير على الأذن والقلب معا ، وخاصة ذلك السجع المنسق .
6- إيجاز يلم بأطراف الموضوع في كلمات محددة مسددة رشيقة .
7- تأثر واضح بالقرآن في المعاني والاقتباس الذي يصيب الهدف .
8- استشهاد بآية من كتاب الله يتوج بها كل خطبة من خطبة .
9- الحكم التي ينثرها في خطبة .
10- المزاوجة بين الجمل الإنشائية والخبرية .