[align=right]
حين يستوجِب عليك الحزن وتعجز عنه ، حين تقف على حافّة البكاء ثمّ تبحث عنه فلا تجده ، حين تؤلّب عليك كلّ شي لتسخط منك فلا تأبه فأنت أتعس الأموات فوق سطح الأرض وتحتها
كيف أمسك بكتفي هذا الحزن وأهززهما ليستيقظ !
كيف أغضبه ليثور في وجهي !
كيف أنفخ فيه الروح ليحيا وأنا الذي لا أملك البكاء ليشعل جذوته فيحرقني كما أريد
كيف أمنحني شعوراً أدرك معه أن على هذا القلب أن يخفق بقوّة لمرّة واحدة ثمّ يبدأ بالخفوت شيئاً فشيئاً وببطء يجعله يرغب بالبكاء لأنّه لم يُدرك حجم الفاجعة منذ البداية ، البداية التي كان يجب عليه أن يصرخ بكاءً فيها فيعلو نبضه وتختفي صورتك عنه .
لم يكن رحيلك أبداً عاديّاً وإن لم أبدِ هذا ، وإن لم أمنحه دمعةً واحدة وهو الذي يستحق حُزن العالمين في قلب رجلٍ واحد ليلقي بالدنيا كلّها خلف ظهره والموت أمامه قِبلة ويمضي إليه سريعاً ، وستبوء كلّ المحاولات في أن أبكيك بالفشل ولا أحمل همّ الملح اليابس في عيني .
كلّ الحكايات القديمة والتي بدأت تعيد نفسها بعد موتك لم تُفلح في إسالتها ، موتك الذي كنتِ تطالبين به كثيراً رغم كل التوسلات إليك بأن تكفّي عنه ، موتك الذي طلبتِهِ كأمنية ، لم أكن أعلم قبلها أن الموت قابلٌ لأن يكون أمنيةً وأنا الذي ظننت بأن الأمنيات لنعيش ، المضحك في الأمر أنني اكتشفت لاحقاً حقيقة أننا نعيش لنتمنّى فقط . كنت أربأ بالموت أن يكون رخيصاً ليأتي لأحدهم على هيئة أمنية وكأنه يستخفّ به ، كنت أظنّه لا يلتفت لنداء أحدهم ، كنت أظنّه يفضّل الأشياء التي تريد أن تبقى بعيداً عنه كنت أظنّه صعباً مُرهِباً مُرعباً فقط ، ولا يمكن لأحدٍ أن يستهزأ بِه .
السرعة التي حدث بها كلّ شيء كانت كفيلة بأن تجلب الموتٍ الذي كنت أظنّه تماماً ، بل قد أحضرته فعلاً هل بإمكانك استيعاب أنني لم أبكِك رغم أنّه كان بجواري ولم ألتفت له حتّى !!
لا أعلم لماذا البكاء حقيقة أو ما الذي سيفعله إن أنا أتيت به أو موتك . هل لأنني كنت أخشى أن يّشفق عليّ هذا الذي بجواري أمّ أنه تحدّي متأصّل في أن لا يشعر بسطوته وقوته أمامي . ولذلك كنت أتعمّد في أن يرى قدميّ التي لم ترتجفا وان يشعر بأنفاسي المنتظمة ويداي اللتانِ ستخنقانه .
رغم أنّ البكاء والحزن واجب يتحتّم علينا القيام به كأقل ما قد نقوله للموتى " سنفتقدكم " أعلم أنّهم ليسوا بحاجة لهذا وأنهم لا يرونا حين نقترف جريمة الابتسامة أوقات العزاء ، قد يكون ديناً يجب علينا الوفاء به
وسننساهم ونلتمس أي فرحٍ وآهٍ نتشبّث به لنتخلّص منهم سريعاً ، هل ترين أنني أبالغ ؟
هل أدّعي كلّ هذا وأنا الذي سيبكي لاحقاً كثيراً، كثيراً جدّاً !!.
ما يغيظني هو أنّه كلّما تذكّرت موقفاً لنا تَعِبتُ في استحضاره كي أبكيك وأحثّني على البكاء فلا أجد سوى علامة التعجّب الكبيرة التي تهوي على رأسي . وكأنه ذلك الابن العاق الذي خالف والده ليكون بعيدأً عن من يرغبون به حقيقةً الموت والبكاء لا أعلم حتّى الآن أيّهما أبٌ للآخر .
ولكن ما يهمّ ألآن
متى سيمكنني رؤية بكائي، عليكِ على الأقلّ . ومن ذا الذي سيحصل عليه إن لم يكن أنتِ !.
تعلمين أنني لم أعد أملكه منذ آخر روح بكيتها صغيراً ، ألم تُلبسيني تهمة بلع الدموع إلى الداخل ونهرتني بألاّ أتظاهر بعدم البكاء ، وقلتِ لا تكن جافّاً لهذه الدرجة إن طعمها المالحٌ جداً سيجعلك تتقيّؤها ، ألق بها إلى الخارج هيّا .. هيّا الآن وبسرعة .
ألستِ أنت التي تواسيني بأن القلب بإمكانه البكاء بدلاً عن الأعين وأن بكاءه لا يحتاج دموعاً ولكنّه أشدّ فتكاً كالسرطان تماماً يأكلك شيئاً فشيئاً ، وإنّ بإمكانه الصراخ دون أن يسمعه سواي ، ألست أنت التي تفضحين عينيّ حين تبتسم في كلّ نوبة بكاء قلبيّة فتعطيني حضنك كحقنة مورفين مسكّنة.
هل حقيقة كنتِ تعلمين هذا أم أنّك كنتِ تستحثّينها كي تنمو ليومٍ مثل هذا ، هذا اليوم الذي أحدّثك فيه كثيراً على غير العادة ، هذا اليوم الذي أعلم أن كلّ محاولاتي في استفزازك للكلام لن تفلح أبداً ولن تعودي .
لم أمنحك من الوعود ما يكفي لأن تموتي وأنتِ مطمئنة إلى أنّي سأبكيك ، إلى ما يمنحك شعوراً بأني سأفتقدك ، لأني لم أمنحكِ ضمانات كافيّة بأنّها لكِ .
هناك أشياء جميلة حولنا لن نستوعبها إلا بعد فقدنا لها وقد كنتِ أنتِ كلّ هذه الأشياء ، رحيلك جعل الحزن يطفو على ملامحي لأغرق أنا الثقيل به وهو الخفيف بي .
وبما أنّك تنصتين إليّ ألآن ولأن الموتى لايمكنهم الإعتراض أبداً أو السخط سأخبرك كلّ مالم أجرؤ على قوله أمامك سابقاً وسيكون صمتك قبولاً وإن كان بعد فوات الأوان .
كنتِ تعلمين أنني أحبّك جدّاً وأنني كنت أجبن من أن أفصح لكِ بِها وأجبن من أطبع على جبينك قبلة وأجبن من أمسك بيدك ، أجبن من أسير بجوارك ، أجبن من أن أردّ على كلّ تلمبحاتك للحبّ بالحبّ ، أجبن من أن أعدك بتقدّمي لخطبتك التي جعلتِها حكراً عليّ واخترعت الأكاذيب لتهربي من صفوفهم إليّ ولم أجرؤ
كنت جباناً .. هل كنت أحبّ !!
هل أخبرتك من قبل أنّكِ السبب الوحيد والمقنع الذي أعيش لأجله ، الذي أستمتع به ، الذي آخذه كلّ يوم
كلّ يوم دون مقابل
ههه ، وكأنكِ ستخرجين إليّ الآن من تحت التراب لتقولي " أقسم أنّك لم تفعل أيها الوغد " أو ربّما لتصفعيني ، وليتكِ تفعلين أجزم أنّها ستكون صفعة ساخنة لذيذة من يدٍ باردة كبرودة الثرى الذي يحتويك.
هذا الجبان الذي أمامك الآن والذي تركله الأيام بعد رحيلك لم يجد من يعطيه ماكان مِنك ، هذا الجبان الذي أمامك بحث عنكِ فوق الأرض كثيراً ومرّ بكلّ المقابِر قبل أن يأتي إلى هُنا .. أنا الذي أمامك الآن بهيأتي الرثّة وملامحي المشوّهة وحالة العَوز التي تكسوني أخبرك الآن بأنني أحبّك
أخبرك بأنني بكيتك كثراً
أخبرك بأنني جائعٌ لكِ كثيراً
أخبرك بأن البرد يقتلني والموت يرفضني
أخبرك بأنّني أحتاجك جدّاً
إ ما أن تخرجي إليّ الآن أو تُفسحي لي بجوارك .
• هل كنت أبكي منذ قليل !![/align]