بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد ..
أُتابع معكم سلسلة أشراط الساعة الكبرى ، والتي توقفنا فيها عند الحكمة في نزول عيسى عليه السلام دون غيره
بماذا يحكم عيسى عليه السلام ؟
يحكم عيسى عليه السلام بالشريعة المحمدية ، ويكون من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا ينزل بشرع جديد ، لأن دين الإسلام خاتم الأديان ، وباقٍ إلى قيام الساعة ، لا ينسخ ، فيكون عيسى عليه السلام حاكماً من حكام هذه الأمة ، ومجدداً لأمر الإسلام ، إذ لا نبي بعد محمدٍ صلى الله عليه وسلم .
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامُكم منكم ؟! ) .
فقلتُ ـ القائل الوليد بن مسلم ـ لابن أبي ذئب : إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي هريرة : ( وإمامُكم منكم ) . قال ابن أبي ذئب : تدري ما أمّكم منكم ؟ قلت : تخبرني ؟ قال : فأمَّكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم . [ صحيح مسلم ] .
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ، ظاهرين إلى يوم القيامة ) . قال : ( فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ، فيقول أميرهم : تعال صلِّ بنا . فيقول : لا ، إن بعضكم على بعض أمراء ، تكرمة الله هذه الأمة ) [ صحيح مسلم ] .
قال القرطبي : [ ذهب قوم إلى أنه بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف ، لئلا يكون رسولاً إلى أهل ذلك الزمان ، يأمرهم عن الله تعالى ، وهذا ( يعني : كونه رسولاً بعد محمد ) أمر مردود بقوله تعالى : " وخاتم النبيين " [ الأحزاب : 40 ] ، وقوله عليه الصلاة والسلام : ( لا نبي بعدي ) [ صحيح مسلم ] ، وقوله : ( وأنا العاقب ) [ صحيح البخاري ، يريد آخر الأنبياء وخاتمهم .
وإذا كان ذلك ، فلا يجوز أن يُتوهم أن عيسى ينزل نبياً بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه وسلم ، بل إذا نزل ، فإنه يكون يومئذٍ من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أخبر صلى الله عليه وسلم ، حيث قال لعمر : ( لو كان موسى حياً ، ما وسعه إلا اتباعي ) [ مسند الإمام أحمد ] .
فينزل وقد عُلم بأمر الله تعالى له في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم به بين الناس ، والعمل به في نفسه ، فيجتمع المؤمنون عند ذلك إليه ، ويحكمونه على أنفسهم ... ولأن تعطيل الحكم غير جائز ، وأيضاً ، فإن بقاء الدنيا إنما يكون بمقتضى التكليف إلى أن لا يقال في الأرض : الله ، الله ) [ التذكرة ص 677 ـ ص 678 ] .
والذي يدل على بقاء التكليف بعد نزول عيسى عليه السلام صلاته مع المسلمين ، وحجه ، وجهاده للكفار .
فأما صلاته ، فقد سبق في الأحاديث ذكر ذلك .
وكذلك قتاله للكفار وأتباع الدجال .
وأما حجه ، ففي صحيح مسلم عن حنظلة الأسلمي ، قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدِّث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( والذي نفسي بيده ، ليهُلن ابن مريم بفج الروحاء حاجاً أو معتمراً ، أو ليثنِّينِّهما ) . أي يجمع بين الحج والعمرة .
[ فج الروحاء ] : موضع بين مكة والمدينة ، سلكه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بدر وإلى مكة عام الفتح ، وفي الحج .
وأما وضع عيسى للجزية عن الكفار ـ مع أنها مشروعة في الإسلام قبل نزوله عليه السلام ـ فليس هذا نسخاً لحكم الجزية جاء به عيسى شرعاً جديداً ، فإن مشروعية أخذ الجزية مقيد بنزول عيسى عليه السلام بإخبار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فهو المبيِّن للنسخ بقوله لنا : ( والله لينزلن ابن مريم حكماً عدلاً ، فليكسِّرن الصليب ، وليقتلن الخنزير ، وليضعن الجزية ) [ صحيح مسلم ] .
.
.
في المرة القادمة سيكون حديثنا بإذن الله عن انتشار الأمن وظهور البركات في عهده عليه السلام .
[align=left]* أشراط الساعة / يوسف الوابل .[/align]