من يرى أنه لا توجد لدينا أزمة أخلاقية فيما تبثه الفضائيات فهو حتماً لا يبُصر، ومن يقول أن لدينا أزمة رقابة حقيقية على ما تبثه القنوات على الأقل التي لنا سلطة عليها فهو حتماً يريد الأمور أن تكون شوربة، ومن يقول أن علينا أن نأخذ الأمور ببساطة «والهون أبسط ما يكون» فهو غير واع لتأثير الإعلام في بناء الإنسان وتشكيل روحه وفكره.
ومن يقول أن هناك تقديراً لـروح العائلة والحفاظ على تماسكها من خلال ما يُبث فهو حتماً لا يرى أبعد من أنفه، لأن الواقع يثبت لنا أن ما نراه لا يعطي قيمة للعائلة وليس معنياً سوى بشأن واحد .. كيفية تدميرها، وأن يكون كل شيء وأي شيء، عادياً وبسيطاً، مهما كبر حجمه وكانت حُرمته.
وربما تكون بصيرتنا عُميت حين تقاتل الكُتاب على انتقاد سوبر ستار الأغاني، وتعددت الانتقادات له رغم أنه يظل فناً جميلاً، و يقدم فناً حقيقياً يحبس أنفاس البعض لاختيار النجم القادم في عالم الطرب، أقول الكثير انتقد ذلك البرنامج حتى خطباء المساجد، ولم ينتقد أحد البرنامج الكارثة للـ LBC «هزي يا نواعم» الذي يتم فيه اختيار أفضل راقصة للفن الشرقي، يا سلام .. كأن الـ «LBC» تتفنن في تقديم كل ما يدمر الأخلاق، تبتكر ما شاء الله في تقديم كل ما يهدم القيم.
راقصات يتسابقن في تقديم لوحاتهن الراقصة، ولجنة تحكيم وملابس متعوب عليها في الإثارة وإبراز المفاتن التي لم تفعلها حتى الأوروبيات اللاتي لم نشاهد فيهن مُتسابقة تحرص على إبراز مواقع الإثارة كما نفعل نحن، صرنا أساتذة في ارتداء الملابس الفاضحة وأساتذة في ابتكار ما يهدم الأسر، وأساتذة في طريقة العبث بالعقول الطرية من الجيل الذي لا يزال يتفتح على الدنيا !!!
وفي الأسبوع الماضي كانت هناك راقصة برازيلية أتت من موطنها لتشارك في البرنامج، وحين قدَّمت وصلتها وهي لا تعرف العربية ولا تعرف ماذا علَّقت لجنة التحكيم على وصلتها الراقصة، بكت بشدة لأن حلم العمر بالنسبة لها قد تحقق، وأنه لا يعنيها الفوز من عدمه، يكفي أنها جاءت إلى هذا المسرح وهذا المكان، ورقصت .. وهذا قمة الأماني بالنسبة لها، كانت تنتحب من التأثر ويختنق صوتها من البكاء والموسيقى الحزينة مصاحبة لكلماتها، والكاميرا تتحرك ببطء وهي تمسح دموعها، يعني بالذمة الفتاة المراهقة حين ترى كل هذا التأثر على الرقص الشرقي وبمصاحبة الموسيقى التصويرية ماذا ستفهم؟ ماذا نُعلمها؟ ماذا نغرس في وجدانها الهش؟
إن تمرير برنامج كهذا وبثه في فضاءاتنا التي باتت «ملطشة» كارثة أخلاقية بكل المقاييس، وعلى القائلين «إللي مش عاجبه يغير القناة» أن يكفوا عن هذا الطرح الساذج لأمور عظيمة، فالواعي حتماً سيغير القناة، ومن يمتلك العقلية الناضجة حتماً سيفعل ذلك ولا يُخشى عليه، نحن نخاف على الأطفال، نخشى على من هم في سن المراهقة الذين لا يمتلكون القدرة بعد على وزن الأمور بميزانها الصحيح.
«هزَّي يا نواعم» برنامج خطير .. ينخر في العظام الطرية الهشة، قد لا تمتلك كلماتنا المتواضعة القدرة على إيقافه، لكن تكرار المطالبة بذلك من قبل كل العقلاء، على الأقل .. سيدق جرس إنذار ويعطي ضوءاً أحمر للغافلين عن أهدافه.