يومك يومك
اسمع إلى الأثر الثابت
(إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح )
لليوم فحسب سأعيش فلا أمس الذي ذهب بخيره وشره ولا الغد الذي لم يأتي إلى الآن.
اليوم الذي أظلتك شمسه وأدركك نهاره هو يومك فحسب,
عمرك يوم واحد ما مضى فات والمأمول غيب ولك الساعة التي أنت فيها
فجعل في خلدك العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه
حينها لا تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهمه وغمه وبين توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب.
لليوم فقط اصرف تركيزك و اهتمامك,
لليوم فقط وجه إبداعك وكدك وجهدك,
لهذا اليوم لا بد أن تقدم صلاة خاشعة وتلاوة متدبرة وإطلاع متأمل وإبداع برقي وذكر بحضور
واتزان في أمور وحسن في خلق ورضا بالمقسوم واهتمام بالمظهر واعتناء بالجسم ونفع للآخرين,
لليوم هذا الذي أنت فيه تعيش فتقسم ساعاته فتجعل من دقائقه سنوات ومن ثوانيه شهور تزرع فيه الخير,
تسدي فيه الجميل, تستغفر فيه من الذنب, تذكر فيع الرب تتهيأ للرحيل, تعيش هذا اليوم فرح وسرور وأمن وسكينة ترضى فيه برزقك, بزوجتك, بأطفالك, بوظيفتك, ببيتك, بعملك, بمستواك (وخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين )
تعيش هذا اليوم بلا حزن ولا إزعاج ولا سخط ولا حقد ولا حسد.
إن عليك أن تكتب على لوح قلبك عبارة واحده تجعلها أيضا على مكتبتك تقول العبارة: يومك يومك.
إذا كلت خبزا حارا شهيا فهل يضرك خبز الأمس اليابس الرديء أو خبز غد الغائب المنتظر,
إذا شربت ماء عذب زلال هذا اليوم فهل تحزن من ماء أمس المالح الأجاج أو تهتم لماء غد الآسي الحار.
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فولاذية صارمة, عارمة, حاسمة, حازمة, جازمة, لا أخضعتها لنظرية
((لن أعيش إلا هذا اليوم ))
حينها تشغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك في تنمية مواهبك في تزكية عملك
فتقول: لليوم فقط أهذب ألفاظي فلا أنطق هجرا أو فحشا أو سب أو غيبه,
لليوم فقط سوف أرتب بيتي ومكتبتي فلا ارتباك ولا بعثرة إنما هو نظام ورتابة,
لليوم فقط سوف أعيش فأعتني بنظافة جسمي وتحسين مظهري والاهتمام بهندامي والاتزان في مشيتي وكلامي وحركاتي,
لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي وتأدية صلاتي على أكمل وجهه والتزود بالنوافل وتعاهد مصحفي والنظر في كتبي وأحفظ فائدة ومطالعة كتاب نافع,
لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة واجتث منه شجرة أثر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء وحسد وحقد وغل وسوء ظن,
لليوم فقط أعيش وأنفع الآخرين أسدي الجميل للغير, أعود مريض, أشيع جنازة, أدل حيران, أطعم جائع, أفرج عن مكروب, أقف مع مظلوم, أشفع لضعيف, أواسي منكوب, أكرم عالم, أرحم صغير, أجل كبير,
لليوم سأعيش فيا ماضي ذهب وانتهى أغرب كشمسك فلن ابكي عليك ولن تراني أقف لأتذكرك لحظة لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا ابد الآبدين ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع الأحلام ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجل لميلاد مفقود لأن غدا لا شيء لأنه لم يخلق ولأنه لم يكن شيئا مذكورا,
يومك يومك أيها الإنسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن يرد الحياة في أبها صورها وأجمل حللها.
اترك مستقبلك حتى يأتي
(أتى أمر الله فلا تستعجلوه)
لا تستبق الأحداث أتريد إجهاض الحمل قبل إتمامه وقطع الثمرة قبل النضج,
إن غدا مفقود لا حقيقة له, ليس له وجود, ولا طعم ولا لون ولا رائحة فلماذا نشغل أنفسنا به ونتوجس من مصائبه ونهتم لحوادثه ونتوقع كوارثة ولا ندري ما يحال بيننا وبينه أو نلقاه فإذا هو سرور ونور وحبور المهم أنه في العالم الغيب لم يصل إلى الأرض بعد.
أن علينا أن لا نعبر الجسر حتى نأتيه ومن يدري لعلنا نقف قبل وصول الجسر أو لعل الجسر ينقطع بنا وربما وصلنا الجسر ومررنا بسلام
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ،،،،،، ولا زاجرات الضير ما الله مانع
لا يعلم الغيب إلا الله فانتظر موعودك مع الله وكن سعيد بيومك.
إن إعطاء الذهن مساحة أوسع في التفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم الاكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوت شرعاً لأنه طول أمل ومذموم عقلاً لأنه مصارعة للظل.
إن كثيراً من هذا العالم يتوقع في مستقبله الجوع والعري والمرض والفقر والمصائب وهذا كله من مقررات مدارس إبليس ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا)
وكَل بها رباً عليما حكيما جل في علاه كثير هم الذين يبكون لأنهم سوف يجوعون غداً وسوف يمرضون بعد سنة وسوف ينتهي العالم بعد 100عام.
أن الذي عمره في يد غيره لا ينبغي له أن يراهن على العدم والذي لا يدري متى يموت لا يجوز له الاشتغال بشيء مفقود لا حقيقة له.
أترك غداً حتى يأتيك لا تسأل عن أخباره لا تنتظر زحٌفه لأنك مشغول باليوم وأن تعجب فعجب هؤلاء الذين يقترضون الهم نقداً ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسه ولم يرى النور فحذاري من طول الأمل.
من كتاب لاتحزن
لـ الشيخ عائض القرني
ودمتم في حفظ الرحمن