الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعـد:
فإن من البلاء العظيم، والشر العميم .. أن تقسو القلوب فلا تنتفع بالعبر، وأن تستحجر فلا تتعظ بمواعظ الدهر.
إخــواني
إننا عباد لله الواحد القهار، ولا غنى لنا عن رحمته طرفة عين ولا أقل من ذلك، وإن الله تعالى قد جعل الغيث رحمة، وجعل القرآن رحمة؛ فقال تعالى: ((ونُنَزِّل من القرءان ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنيـن))
فإذا عصى العباد ربهم وخالفوا أمره وهجروا العمل بكتابه (الرحمة التي أنزلها إليهم على الأرض) مُنِعت عنهم (الرحمة من السماء)، وأجدبت الأرض، ومات النخل والزرع... قال الله جل وعلا: ((وَأَلََّوِِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا))، وقال سبحانه: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِّنَ السمآء والأرض))، وقال: ((وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ ومن تحت أرجلِهِم))، فطاعة الله سبب لسعة الرزق.
قال الطبري في تفسيره: وقد حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا سفيان، عن مطرف، عن الشعبيّ، قال: خرج عمر بن الخطاب يستسقي، فما زاد على الاستغفار، ثم رجع فقالوا: يا أمير المؤمنين ما رأيناك استسقيت، فقال: لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ) وقرأ الآية التي في سورة هود حتى بلغ:( وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ ).
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره: أي: إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه، كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وَأَدَرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين، أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخللها بالأنهار الجارية بينها.
وعن الحسن البصري رحمه الله تعالى أن رجلاً شكا إليه الجدب فقال له: استغفر الله،
وشكا آخر إليه الفقر فقال له: استغفر الله
وشكا آخر إليه قلة النسل فقال له: استغفر الله
وآخر قلة ريع أرضه فأمرهم كلهم بالاستغفار
فقال له الربيع بن صبيح: أتاك رجال يشكون أنواعاً فأمرتهم كلهم بالاستغفار؟ فتلا هذه الآية وقوله: (( يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا )).
وليس للعباد إلا الله تعالى، فإن غضب عليهم أوقع بهم العقوبة نسأل الله السلامة
قال سبحانه : { قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَّعِينٍ }
وقال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَىْء حَىّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ }
وقال تبارك وتقدس: { وَفِى السماء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ }
إخــواني الأحبــة
متى نستيقظ من الغفلة والتقصير؟
متى نتذكر المرجع والمصير؟
متى نتوب ونفر إلى العلي الكبيــر؟!
إنه لا يقع بلاء إلا بذنب، ولا يُرفَع إلا بتـــوبة، وما ارتفاع الأسعـار منا ببعيـد
فانظروا كيف حالنا مع فرائض الله، وكيف أن من المسلمين خلقاً هجروا المساجد، وعكفوا على المحرمات من المشـاهد. وكيف أن خلقاً منهم أضاعوا أمر أهليهم وأبنائهم بها.. ولا حول ولا قوة إلا بالله
وانظروا حالنا مع ما حرم الله، وكيف أن من المسلمين خلقاً اتبعوا الشهوات واستهانوا بالفواحش، ومنهم من أكل الحرام وحارب الملك القدوس السلام، والله تعالى يغــار أن يأتي العبد ما حرم عليه..
فاحذروا نقمة الله وغضبه والتساهل فيما يؤدي إلى الحرام، فإن الأعضاء تشهد والأرض تشهد والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً
فلذا شرعت صلاة الاستسقاء، والاستغفار، والتوبة، ولزوم الطاعات، والله المستعان.
هذه وصية مشفق، ونصيحة لنفسي قبل أن تكون لإخواني الأحبـة
اللهم أصلح أحوالنا، وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء