عبدالله
أنظر إلى قدرة الله في الماء هذا الخلق العجيب الذين يفتقده العباد والبلاد
هاهو بين يديك كيف خلقه سبحانه من تركيبة بسيطة قوية عجيبة
وعدد سبحانه طرق استخدامه فجعله آية عظيمة ....
فجعل سبحانه وتعال الماء أصلاً لحياة كل شي : ( وجعلنا من الماء كل شيئ حي )
ثم جعله سبحان نعمة تنزل من السماء بطريقة بديعة ...
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ }النور43
قال العلامة السعدي رحمه الله : ( أي: ألم تشاهد ببصرك ، عظيم قدرة الله، وكيف { يُزْجِي } أي: يسوق { سَحَابًا } قطعا متفرقة { ثُمَّ يُؤَلِّفُ } بين تلك القطع، فيجعله سحابا متراكما، مثل الجبال.
{ فَتَرَى الْوَدْقَ } أي: الوابل والمطر، يخرج من خلال السحاب ، نقطا متفرقة ، ليحصل بها الانتفاع من دون ضرر،
فتمتلئ بذلك الغدران، وتتدفق الخلجان ، وتسيل الأودية ،
وتنبت الأرض من كل زوج كريم، وتارة ينزل الله من ذلك السحاب بردا يتلف ما يصيبه.
{ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ } بحسب ما اقتضاه حكمه القدري، وحكمته التي يحمد عليها،
{ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ } أي: يكاد ضوء برق ذلك السحاب، من شدته { يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ } أليس الذي أنشأها وساقها لعباده المفتقرين، وأنزلها على وجه يحصل به النفع وينتفي به الضرر، كامل القدرة، نافذ المشيئة، واسع الرحمة؟ )
عن بن عباس رضي الله عنهما قال : ( أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد ما هو قال ملك من الملائكة موكل بالسحاب معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله فقالوا فما هذا الصوت الذي نسمع قال زجره بالسحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر قالوا صدقت ... الحديث ) قال الترمذي : حديث حسن ، غريب قال الشيخ الألباني : صحيح
وتنظر عبدالله تارة أخرى
فإذا الماء الذي كان نعمة
إذ به أصبح نقمة وعذاباً وسخط
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ{9} فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ{10} فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ{11} وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ{12} وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ{13} تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ{14} وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ{15} فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ{16}) سورة القمر
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أبصرنا شيئا من السماء تعني السحاب ترك عمله واستقبله ، وقال: " اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه " فإن كشفه حمد الله ، وإن مطرت قال: " اللهم سقيا نافعا " . رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والشافعي واللفظ له صحيح.
ثم تنظر عبدالله إلى الماء أخرى
فإذا هو فتنة واختبار ....
قال تعالى : ( وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً {16} لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ .... )
قال بن كثير رحمه الله : ( كما قال مالك عن زيد بن أسلم: لنفتنهم : لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية ) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أول ما يسأل عنه يوم القيامة يعني العبد من النعيم أن يقال له ألم نصح لك جسمك ونرويك من الماء البارد ) قال الترمذي و قال الشيخ الألباني : صحيح .
هل رأيت عبد الله ...
في خلق واحد من مخلوقات الله
ظهرت نعمته ونقمته وابتلاؤه لعباده .
ثم أنظر إلى هذا الخلق ( الماء ) فتجد كل البشرية
بل كل المخلوقات عاجزة عن إيجاده إبتداءاً وتحداهم بذلك سبحان
فانظر إلى الأمطار وتأخر نزولها
من يأتي بسحاب
من يجعله ركاماً
من ينزل منه القطر
قال عز وجل : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ }النور43
وقال تعالى : ( أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ{68} أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ{69} لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ{70} ) الواقعة
ثم انصرف ببصرك عن المطر قليلاً
وأنظر إلى مياه البحار والأنهار
من جعلها بهذه الكثرة ... أكثر من اليابسة
من جعل لهذه البحار هذه الأغوار العميقة
من شق لهذه الأنهار هذه الوديان الهائلة
من حجز بين المياه العذبة والمالحة
قال سبحانه : { أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }النمل61
وقال عز وجل : ( مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ{19} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ{20} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{21} ) .
وقال تعالى : {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَّحْجُوراً }الفرقان53
ثم اصرف ببصرك أخرى عن الأنهار والبحار وانظر إلى الآبار والعيون
من من باطن الأرض أخرجا
من من الأرض القاحلة أنبعها
من من الأحجار فجرها
قال تعالى ذكره : { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}البقرة74
وقال سبحانه : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ }الملك30
قال بن كثير رحمه الله : ({قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً} أي ذاهباً في الأرض إلى أسفل فلا ينال بالفؤوس الحداد ولا السواعد الشداد )
عبد الله
لا يغرنك وجود ماء هنا أو هناك تحصل عيه بسهولة ويسر
فإنه ملك لله و الله قادر على أن يمنع ذلك كلها
فإن السماء والأرض طائعتين لله وقد أمرهما من قبل بأمر في الماء فاستجابتا فبعد أن عم الطوفان الأرض وأغرق الله الكفرة من قوم نوح
أمر الله السماء والأرض بأمر : {وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }هود44
قال العلامة السعدي رحمة الله : ({ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ } الذي خرج منك، والذي نزل إليك، أي: ابلعي الماء الذي على وجهك { وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي } فامتثلتا لأمر الله ، فابتلعت الأرض ماءها, وأقلعت السماء، فنضب الماء من الأرض ) .
أرأيت كيف كان ذلك : ( يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وغيض الماء )
فلا يغرنك وجود الماء بين يديك فتسترسل في غيك وعدم شكرك فيأتي الأمر كما جاء من قبل وتكون النتيجة ( وغيض الماء ) .
كتبه
العبد الفقير
راجي عفو ربه الغني الكبير
أخوكم
التهامي النذير