العقاد في المدرسة
--------------------------------------------------------------------------------
أسماء الزهراني
ظل المفكر الكبير عباس محمود العقاد يردد تلك الحادثة التي يعزو إليها اهتمامه بالكتابة والأدب والفكر، حتى صار علما من أعلامها البارزين، حين مر بالمدرسة التي يدرس فيها الابتدائية مسؤول كبير في سلك التعليم، ووقف على قطعة إنشائية بسيطة للعقاد، مشيدا بها ومربتا على كتف الطفل المتطلع داخل الأديب الكبير. والعقاد ليس مجرد مفكر كبير في تاريخنا الفكري الحديث، بل هو علامة مهمة على ماهية الثقافة الحقيقية، وكونها لا تقاس بحجم الوثائق التي يحصلها الإنسان خلال حياته، فلم تتح للعقاد فرصة إتمام تعليمه العالي، وقضى حياته موظفا بسيطا في القطاع الحكومي المصري، لكن ذلك لم يكن عقبة في طريق طموحه الفكري، الذي جعله منعطفا من منعطفات التاريخ الفكري الحديث، ينبغي أن نحرص على عرضها على أجيالنا القادمة كما درسناها واستنرنا بسيرتها في صغرنا.
يعتبر الاهتمام بالطفل وتثقيفه الأساس في بناء المجتمعات المتقدمة, فالطفل ورقة بيضاء مهيأة لكتابة ما نريد عليها. وإذا كنا تناولنا العملية التعليمية في حياة الطفل في مرة سابقة فهذا يدفعنا لأن ننطلق للهدف النهائي لتلك العملية، وهو بناء الشخصية الناجحة الفاعلة، التي من مجموعها تتشكل المجتمعات المتقدمة، وعلى معاييرها تقاس تلك المجتمعات.
كنت قد قرأت قبل مدة طويلة عن تجربة التعليم في اليابان وقد قرأت ما استوقفني كثيراً وهو أن عدد الأطفال في الفصل لا يتجاوز أربعة أطفال، كما أن المعلمة تحمل درجة علمية عالية، هي الدكتوراه، وتقوم بتربية هؤلاء الأطفال وتعليمهم على أساس معرفة قدرة كل طفل وميوله وذلك من خلال الألعاب المقدمة, سواء كان ميله للسيارات أو للبيوت أو للنباتات أم أنه يحب الإلكترونيات وغيرها من ميول واهتمامات وعند انتقال الأطفال لمراحل تعليمية أعلى تقدم له معلومات تناسب ما تمت معرفته عن ميوله وما يفيد تخصصه وينميه ويطوره. هو تعليم يهدف لتكوين ثقافة الطفل وميوله وشخصيته وتوجيهه للوظيفة التي تناسبه ويبدع فيها ليقدم أعمالا وانجازات أصيلة للمجتمع، لا تكون مجرد تكرار كمي لا عمق له.
أما في مجتمعاتنا فالكليات التي تخرج المدرسين المختصين بتدريس الأطفال لا تتجاوز كونها كليات معلمين أو معاهد وكليات إعداد معلمات وهي كليات للأسف لا تشترط شروطا للقبول، بحيث تكون ملاذا لمن فشل في التخصصات العلمية والتقنية الأخرى. ولذلك للأسف يكون من يشكّل عقليات الأجيال, شخصيات مجانية لم يتم تشكيلها وصقلها على أساس مؤهلات خاصة لتلك المهمة الدقيقة، بل هي غالبا-دون أن نغفل المتميزين من مبدعي المعلمين- عينات عشوائية ونماذج جاهزة لفشل العملية التعليمية وعدم قدرتها على تحقيق هدفها الأخير، أعني تكوين الشخصية الناجحة المتطلعة والمبدعة في مجالها.
التعليم إذن ليس عملية تراكمية تشبه سك النقود والعملات، بل هي عملية إبداعية تقوم على معايير الأصالة والفرادة والتميز.
إن الفصول الدراسية البسيطة في المدارس الابتدائية التي تحتل المرتبة الأخيرة من اهتماماتنا اجتماعيا ورسميا، تخفي داخلها أهم جزء من عملية تشكيل الشخصية، حيث يعتمد توجه المرء وميوله واهتماماته ومعاييره في الانجاز والفعل على ما يتلقاه في داخل تلك الفصول، هذا ما يدفعنا للتركيز على وضع الطفل داخل الفصل الدراسي، وقياس حجم الاهتمام الذي يتلقاه كل طفل، وكفايته.
وإذا تجاوزنا تدني شروط اعداد معلم المرحلة الابتدائية، سنجد أن انخفاض مستوى التعليم جاء كنتيجة مباشرة لتركيز الحكومات المختلفة على كم التعليم وليس على نوعيته وجودته، مما أدى إلى أن تتكدس الفصول الدراسية بالطلبة.. وبالتالى انخفاض مستوى التحصيل لدى الطلبة وضيق وقت الفترة الدراسية.
النتيجة الحتمية هي انخفاض مستوى الطلبة الذين يخرج منهم معلمو المستقبل وهو ما يسمى بالتفاعل المتسلسل، فكل جيل مستواه منخفض يقوم على تعليم الجيل التالي له وهكذا.
http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/2007...1125154918.htm