[align=right]
يقولون : أننا لا نعرف كيف نعشق ! .. ألا تبا لهم ..
النص :
18/فبراير/2000 الرياض - المملكة العربية السعودية
بقيت أيام معدودة فقط على عيد الأضحى، عدت للوراء إلى مجمع الجزيرة التجاري بمنطقة العليا، لم أنجذب إلى إحداهن يوما، ورغم الحشود والازدحام، ورغم أن العيد قريب، دققت النظر، فقد كان غطاؤك فضفاضا، وأختك على يمينك تهمس في أذنك بعبارات سرية، أتذكر كل تلك العيون، الكحل والعطور والأجهزة، توقفت على بعد أمتار أمامك؛ ومنذ ذلك الحين، كان ذلك اليوم هو عيدي المتجدد؛ فقد وجدتك بعد بحث أزلي، لتكوني مدينتي الأولى.
__________
5/يونيو/2000 دبي - الإمارات العربية المتحدة
تلك المدينة ترسل ذبذباتها، تمتصني من جذوري مع كل خطوة أخطوها عليها. قطعت المسافة بين المطار وفندق الشيراتون المطل على الخليج.
تعانق نظراتي كل تلك الأمواج الملتهبة، التي بدت من نافذة السيارة كأنها تتسابق مع المباني والطرقات في تحدٍّ محموم.
الساعة الخامسة مساءً، وأنا أطلّ من شرفة غرفتي، خُصَلُ شعري اتخذت لونا لامعا بمفعول الرطوبة.
انعكست كل تلك الأشياء بداخلي، بعد أن استنشقتها، فخرجت من حولي متجسدة في حروف اسمك، المنبعث بحرارة مع كل الهواء الصادر من رئتي.
إنها عملية فيسيولوجية بسيطة، تفسرها رغبتي للاستمرار بالحياة.
يا دبيّ، أعشقكِ وأعشق فيكِ كل كرسيّ، وكل ضحكة طفل، وكل قطرة ماء.
يا دبيّ، أعشقك وأعشق فيك كلَّ نافذةٍ وشارعٍ وجلسةِ مساء.
أعشقك –يا دبيّ- عشرات المرات.
أعشقك عشقاً سحريا يحوّل كل هذا المكنون داخل فؤادي
إلى أثير؛ ليملأ السماء سحائبَ لا تنتهي.
تسبح ألاف الأميال حتى تظل تلك المرأة الوحيدة بداخلي.
_________
3/ديسمبر/2000 فينيسيا – ايطاليا
ملامح قديمة.
قوارب، عمائر، شرفات، حدائق طرق، محلات، ملامح تنعكس.
المحيط من حولي يضيق، وأنا أنحشر داخل قارب بخاريٍّ استوقفته منذ عشرين دقيقة.
أصابني الصداع من رائحة الدخان المنبعثة من محركه،
دخلت في غيبوبة اللحظة لأعيشها حتى الأبد.
أسير فيها وسط طريق، ومن حولي: ألوان الكون كلها اتخذت طابعاً ترابيا عتيقاً، ترتسم أمامي كقوارب صغيرة ذات محركات يدوية، ومن خلفي أجنحة كأجنحة طيور البجع، غابت كل الوجوه في عالمي المثالي داخل لحظتي القصيرة، والآن، تتبقى ملامح وجهك لتستمر في سكون أبدي.
__________
23/5/2001 الإحساء - المملكة العربية السعودية
ترجلت من سيارة الأجرة التي كانت تقلني إلى فندق القصيبي، في آخر يوم لي هنا، انتظرت صديقي، الذي غابت أغلب ملامحه عنيّ، وأظنه هو أيضا فعل، أغلقت الهاتف.
ارتسمت على شفتيّ ابتسامة ساخرة.
غريبة هي الحياة، لدرجة أن الإنسان يشعر أنه داخل غرفة كروية، فيها باب واحد فقط، يتغير مكانه بتغير دورانها السريع، ويعيش هو مستهلكا كل الوقت للوصول لهذا الباب، رغم أنه لو انتظر قليلا لوصل الباب إليه.
كنت أنتظر الفرج، أنتظر صديقي، أستطيع أن أتحمل كل أنواع الانتظار يا سيدتي، عدا ذلك الانتظار المقترن باسمك!
__________
3/ديسمبر/2001 القاهرة – جمهورية مصر العربية
قاعة فندق الإنتركونتيننتال (سمير أميس) المعتقة تعج بكثيرٍ من الوجوه المألوفة بعضها مشهور.
خرجت بحثا عن الحرية.
هربا من الازدحام.
أملا في بعض الهواء النقي.
توجهت سيرا إلى النيل، وعلى أحد جسوره، كانت تطل من خلفي وجوه بائسة.
شدني إليه (النهر) كثيرا.
أرسل لي بعض أوتاره الفرعونية.
ألتفت في كل اتجاه، كان العناق راسخا بين الخرسانة والجسور والنيل.
سلبت نفسي من هذا المكان وعدت للوراء، صرخت فيّ أصوات متعددة، تناديكِ!
كان النيل يفتح لي ذراعيه لأسقط فيه، وأعود لكل تلك الحضارات المنقرضة؛ عليّ أجد تاريخ مولد هذا الحب بداخلي.
________
7/ديسمبر/2001 سانت لويس – الولايات المتحدة الأمريكية
هاهو أخي الذي لم أفارقه منذ ولادتنا، بعد أن غاب ما يقارب سنةً هناك.
أعانقه بشوق، ويعانقني بشوق، سرنا سوية وضحكته المجنونة ترن بأذني.
كان وقتي محدودا هناك، أربعة أيام فقط، اتصلت بالأهل، و أزحت عنهم ذلك القلق التعيس، أعدنا ترتيب الأوراق
سهرنا سوية، تذكرنا سوية.
في إحدى المرات خرجت لوحدي، أبحث عن جديد تلك المدينة، و تلك المباني العصرية.
كانت اللقطات هناك تحكي قصة حضارة غريبة، بنيت فوق حضارة بائدة.
وتحكي قدرة تلك الأيادي التي بنت المجهول.
سرت في جسدي رعشة مجهولة. تهت في عالم غريب.
وبدأت تهزني الرعشة تلو الرعشة؛ خفت أن ألفظ بسببها أنفاسي الأخيرة.
لم يسعفني إلا منظر وصول حمائمك المرسلة، لتنتشلني بحبالها البيضاء، فتمسك يدي بها.
أهرب من المجهول، تغمرني الآن رعشة شوق الاقتراب منك.
________
18/ديسمبر/2001 القاهرة – جمهورية مصر العربية
في المطار، الألم داخل رأسي يؤخرني، فلم يغمض لي جفن منذ البارحة، لأني شعرت أني لا أحتاجه.
حقائبي المزدحمة أخذت طريقها للطائرة، وبقي على رحلتي ساعة ونصف، سأقضيها على هذا الكرسي المزعج، داخل هذه الكافتيريا البسيطة، وروائح الطعام المختلطة بالدخان تزيد من الألم.
استطاع هذا المطار أن يجمع ملامح شتى، تنعكس على جبين أولئك المسنين البسطاء، وأفواه أولئك الأطفال الأشقياء.
أزمنة وحضارات داخل رأسي المنهك تمر بلمح البصر، عاش قلبي وعقلي لحظات تحدٍّ غير تقليدي، لاستشفاف الحقيقة والعامل المشترك بين كل تلك الأزمنة والحضارات.
كان الوقت بطيئا، لكنه مر سريعا!
شتات.
خطوت لعبور جسر المرور، لأتخذ مكاني في الطائرة، حانت مني التفاته وعلى شفتيّ ابتسامة الرضا.
فقد اكتشفت أنك العامل المشترك!
___________
27/فبراير /2002 المنامة – البحرين
متى أتوقف؟
سعادة غامرة، المنامة، رائحة البحر، أدوات الغوص، اللؤلؤ، أنشودة الشاطئ.
تنتابني الرغبة في الرقص، خرجت من فندق الشيراتون
توجهت إلى أقرب شارع.
تتبع عيني ظلال السيارات المتداخلة في زحام. ترتفع روحي عاليا
وفي لحظات الغروب أتفحص الجزيرة النائمة بهدوء على الخليج.
جذورها تداعب زرقة البحر، و الأمواج من حولها تغازلها برقة.
تذكرتك وأنت تتقلبين على سريرك!
________
9/مارس/2002 لندن – بريطانيا
لابد أن أتجه الآن للمعرض الالكتروني، والذي يبعد كثيرا عن فندق الماريوت.
لم أنسَ أن أودع بنظرات الانبهار ساعة بيج بن، ونحن في السيارة تاركيها خلفنا، مثلت أمامي في تلك اللحظة نيويورك، باريس، روما، طوكيو.
بدأت حقائق الحياة تسترعي انتباهي: كيف يمكن لشخص واحد خلال عمر قصير أن يجمع مليارات الدولارات، تؤهله لوضع اسمه أعلى القائمة في موسوعة جينيس.
كيف لآخر أن يحقق أكثر من مئة وخمسين بحثاً متنوعاً في أدق تخصصات الطب؟ لتترجم لكل لغات العالم الحديث، خلال عمر واحد!
كيف يمكن لأحدهم أن يحقق أكثر من عشرين بطولة آخرها ومبيلدون، أمام أبطال من مختلف العالم لا يسعهم إلا أن يحققوا ما يريده هو؟
وكيف لشخص واحد أن يحكم أكثر من مئة مليون إنسان، لمدة عقد من الزمن.
أهناك سر أوحد؟!
تستمر التساؤلات!
وفي لحظة صدق، عندما بحثت عن نفسي بأصعب الطرق، وجدت أني راغب أنا في أخذ مكاني.
تحولت كل تلك الحقائق لواحدة لا يضاهيها شيء، فأصبحتْ أنتِ!
________
13/يوليو/2002 جدة - المملكة العربية السعودية
مرت ثمانية أيام بسرعة الريح التي تثور أحيانا في أكثر أيام فصل الصيف على عروس البحر جدة.
لتحمل معها رطوبة لا يستطيع أحد هناك الهرب منها، لذلك يبدأ بالتكيف عليها مرغما.
كان اليوم التاسع يوماً مشهوداً بالنسبة لي:
أحداث متفرقة؛ كان صديقي المقرب هناك قد رتب لي يوما خاصا، فقد انطلقنا بعد الغداء من الهيلتون الشامخ على الكورنيش، لنتجه لمركز النخيل حيث ينتظرنا يخت صغير.
كنا مجموعة جميلة مكونة من ستة أصدقاء استطعتُ جمعهم، بالإضافة لقائد اليخت الذي غلبت عليه ملامح الحزن العميق.
انطلقنا وقت الغروب؛ لتبدأ قصة جديدة تلك الساعات:
كان سطح الماء يتلون من درجة الأزرق الفاتح حتى اللون التركوازي الغامق حسب قوة الضوء.
رأينا المدينة تصغر شيئا فشيئا، اتخذنا أماكننا داخل اليخت، كان صوت الموسيقى صاخبا، بعضهم كان يرقص، خرجت بهدوء لسطح اليخت لأستنشق عطر البحر.
ما زالت الموسيقى صاخبة، وما زلت أسمع وقع الأقدام على سطح اليخت الخشبي.
اتخذت مكانا في مقدمة اليخت، أغمضت عينيّ، لم أعش لحظة سعادة بدونك، وعندما تغيبين كان طيفك يرقبني من أعلى، وقفت ويداي على صدري، قدمت إحداهما لك لتسمحي لي برقصة.
رفضتِ!
لم يكن أمامي إلا أن أنزع (جزمتيّ)
لأقفز على سطح الماء، وأرسم عليه رقصتي الأخيرة،
لتظهر تموّجاتٌ تشبه اسمكِ!
____________
14/ديسمبر/2002 دبي – دولة الإمارات العربية المتحدة
هاأنذا أعود لك معشوقتي دبيّ.
رغم أني وحيد.
إلا أنّ سعادتي غامرة
قررت هذه المرة أن أزور كل مكان في دبي، رغم أن رحلتي تدوم أربعة أيام فقط، كنت أعبر كل شوارع المدينة، أبحث فيها عما أعرفه، وعما لا أعرفه.
كنت عائدا لفندق الماريوت، مقر سكني، في حمر عين، قادما من (برج العرب).
سرت ما يقارب عشرة كيلومترات، عندما لمحت على يساري من بعيد أضواءه الباهرة، كأنه قارب شراعي لعاشقين يتهامسان بلا قيود، وأمام هذا القارب (جميرا بيتش) موجة عاتية، تريد أن تلطمه دون هوادة، ولكنها عندما رأت العاشقين توقفت.
توقفت الأضواء.
توقف الزمن.
توقف كل شيء.
كنت أنا الوحيد السائر لأصل إليك حبيبتي!
______
2/يناير/2003 الرياض – المملكة العربية السعودية
داخل غرفتي
أمام جدرانها
أبعد الستار
أفتح النافذة
منتصف الليل
أنوار الرياض الصفراء، شوارعها الساكنة، أرصفتها الحزينة.
ذهبت إلى تلك الزاوية التي اجتمعنا فيها ذات مرة، في مطعمنا المفضل.
عدت لغرفتي,
وددت أن تداعب أصابعي أوتار قيثارة؛ لتعزف أنغام حروفك
فأصرخ أنا بكل قوة:
- يا قيثارتي!
__________[/align]