من الطبيعي أن يكون لكل مجتمع مظاهر تميزه عن غيره , فالمجتمع السعودي
ابن الصحراء والطبيعة تنوعت مظاهرة وتعددت في فترات متلاحقة وكان لكل فترة رجالها وظروفها التي عكست لنا هذا التنوع والتعدد في المظاهر .
ومن خلال معرفتي البسيطة سأقوم بتقسيم مظاهر العيد لدى المجتمع السعودي إلى ثلاثة أقسام أو فترات مختلفة عن بعضها البعض لإختلاف ظروف الحياة المعيشية في كل فترة.
الفترة الأولى : فترة ماقبل النفط .
نحن نعلم بأن المجتمع السعودي مابعد النفط أخذ أشكالاً كثيرة ومتنوعة تختلف كلياً
عن مجتمع ماقبل النفظ ومجتمع أثناء النفط , ولذا كانت تسمية الفترة الأولى بفترة
ماقبل النفط ذلك لأن النفط كان من أهم العوامل التي أثرت في مجتمعنا السعودي.
ففي فترة ماقبل النفط كانت الحياة البسيطة لها دور في مظاهر مجتمع بسيط حيث كان
المجتمع السعودي لايجد مساجد عامرة ومطاعم فارهة ومنازل ذات مساحات كبيرة
يلتقي فيها ليتبادل التهاني بمناسبة العيد لفقره ولتشتته بين الصحاري بحثاً عن قوت
يومه وإنشغاله برعي الأغنام ففي تلك الفترة كانت الخيام المشرعة تجمع الأقارب
والأصدقاء والأحبة ولكن لظروف ذلك الزمن لم يكن عدد الأصدقاء والأحبة مساوياً
لعددهم في الوقت الذي نعيشه , فكان الرجل في تلك الفترة ينطلق على فرسه أو على
إحدى جماله من بعد صلاة الفجر مباشرة قاطعاً المسافات الطوال متوجهاً إلى مكانٍ
تعارف عليه الجميع يلتقوا فيه لأدى صلاة العيد وكان هذا المكان في منتصف الصحراء
فهم يقومون بأدى صلاة العيد على الأرض مباشرة ولم يكن لديهم إهتمام بالمظهر
أو الملبس حيث كانت حياتهم البسيطة تظهر البساطة لهم في كل شيء , وبعد إنتهائهم
من صلاة العيد يقومون بالتهاني لبعضهم البعض ويقوم كبيرهم بتقسيم أيام العيد
(كانت ثلاث أو أربع ) حيث يحدد لكل يوم منطقة معينة يلتقون فيها لأكل لحوم الأعياد
وأخذ الأخبار من بعضهم البعض حيث يعد العيد عندهم يوماً يجتمع فيه الكل أكثر من أي
يومٍ آخر, وكان كل رجل وإمرأة يقومان بإعداد الطبخ في منزلهم ( الخيمة) ويأخذوه إلى
منزل أحد رجال المنطقة ليقدموه سوياً ويتناولوه مع بعضهم البعض , وكان للمرأة في هذه الفترة دور كبير في إعداد الطعام وكما هو الدور أيضاً للرجل وحتى لو أقتصر على الإرشاد والوقوف بجانبها , ومع ذلك فهم لايتجاهلون أغنامهم وجمالهم التي تعد المصدر الأول لهم حيث كان للصبيان ( كانوا ذكوراً أو إناث) أوقات محددة يقوم
كل منهم برعاية الأغنام في الصحاري والإهتمام بها , وفي هذه الفترة فرحة العيد ومظاهرة تظهر في النهار أكثر منها في الليل وذلك لقلة من يلتقوا ليلاً وقد تقتصر فرحة العيد ليلاً على من هم بالقرب من بعضهم البعض , لأن الرجل في هذه الفترة حريصاً على أن يكون في منزله ليلاً مالم تكن لديه ظروف تجبره على تواجده خارج منزله , ولاننسى بأن في إلتقائهم مع بعضهم البعض يتبادلون شعرهم وقصصهم وحكايتهم .
الفترة الثانية : بداية النفط .
مع بداية النفط وظهوره على أرض المملكة العربية السعودية حدثت بعض التغيرات البسيطة التي غيرت في بعض المظاهر لدى هذا المجتمع السعودي , حيث تبدلت الخيمة بمنزل من الحجر قام بإنشائه مجموعة من الرجال بأثمان رخيصة جداً وتبدل ضوء القمر الذي كان يجمع السمار في ساحات قصيرة أمام الخيمة بفوانيس وبعض المعدات التي بقدرة قادر تتولد منها الإنارة ,وأما بالنسبة لمظاهر العيد في هذه الفترة قد تغيرت عن سابقها حيث أصبح المكان الذي يقومون بأداء الصلاة فيه محفوفاً ببعض الأحجار ولتزايد أعداد السكان في هذه الفترة ولقربهم من بعضهم البعض بعكس ماكان في السابق فالعيد أقتصر على كل منطقة فهم مابعد الصلاة يقومون بتوزيع أيام العيد مابين بعضهم البعض وذلك عن طريق كبيرهم أو شيخهم , وكانوا يتجمعون في عدة منازل لتناول القهوة وبعض الأكلات الشعبية وبصورة عامة يقومون بتبادل الزيارات مابين بعضهم البعض فالرجل يذهب إلى جاره الأول ومن ثم الثاني .........الخ والمرأة كذلك, وفي هذه الفترة هناك شبه تفرغ لأيام العيد حتى إن بعض الرجال يقوم بتبادل الزيارات مع أقاربه الذين يبعدون عنه , وفي هذه الفترة حدثت بعض التغيرات حيث أصبحت بعض مناطق البادية لكثرة سكانها تسمى بقرية وبعضها الآخر لكثرة سكانها عن الأخرى تسمى مدينة فمن هنا انطلق مفهوم المدينة ولكن ليس كمفهوم المدينة التي نعيشها في هذه الفترة , وفرحة العيد ظاهرة نهاراً وليلاً لتغير ظروف المعيشة عما كانت عليه من قبل , ومن الجدير بالذكر أن تحول الصحراء إلى قرية أو إلى مدينة صغيرة كان له دور في تغير مظاهر العيد في هذه الفترة الثانية.
الفترة الثالثة : فترة مابعد النفط.
هذه الفترة هي التي مازلنا نعيشها , فالمظاهر السابقة التي ذكرت في الفترة الثانية تحولت كلياً ولم تعد في المدينة أكثر من أن تكون في المدن الصغيرة أو القرى الصامدة , ففي المدينة الحياة تختلف عنها في المدينة الصغيرة أو القرية , حيث إن مظاهر العيد قد تظهر في المدينة من قبل العيد بأيام ويلاحظ ذلك في الأسواق وفي المحلات التجارية وحتى على واجهات المنازل التي أخذت شكلاً جديداً مختلف عن المنازل في السابق , إلا أن مع ذلك تبقى هناك بعض المظاهر التي أتت من القرية أو المدن الصغيرة نتيجة لإنتقال أبناء تلك القرية أو المدن الصغيرة إلى المدينة لظروف العمل أو التجارة أو ماشابه ذلك , إلا أن في يوم العيد الأول الذي يجتمع فيه أبناء المدينة ورجالها لصلاة العيد يختلف كلياً حيث لاتجد الرجل يقوم بالتهاني بمناسبة العيد إلا لمن يعرفه أو لجاره إذا شاهده وقليلاً هم من يتبادلون الزيارات لبعضهم البعض حيث إن الكثير من أبناء المدينة ورجالها يخلدون إلى النوم مابعد الصلاة أو يخرجون إلى الاستراحات أو الشاليهات مع أسرهم , حيث تشهد الأسر ذات الصلة والقرابة في مكانٍ ما , مبتعدين عن الآخرين , وليس هذا فقط بل إن هناك بعض الأسر تسافر إلى الخارج لقضاء أيام العيد في دول أخرى من قبل العيد بأيام معدودة .
ومن المظاهر في هذه الفترة الثالثة مشاهدة الألعاب النارية ليلاً وفي الصباح الباكر , والإعتناء بالملبس أكثر من السابق ذكوراً وإناثاً, حتى إنك تلحظ عند بعض الأسر تغير أثاث المنزل بمناسبة العيد وإقتناء السيارات الجديدة وتبادل الهدايا القيمة ذات الأسعار المرتفعة وإزدحام الشوارع في فترة الصباح الباكر في حين إنها تتسم بالهدوء من قبل الظهيرة إلى العصر وتعاود الإزدحام ليلاً حتى الصباح الباكر , وتتجمع الأسر ليلاً في الحدائق العامة وفي أماكن الترفيه التي تمتاز بالمهرجانات والحفلات المتنوعة للطفل والأسرة , والشباب في الكافيهات والمقاهي وفي الاستراحات , ولكل من الأسر والشباب ظروفهم الخاصة التي تدفع بهم إلى المكان الذي يختاروه .
ولاننسى إزدياد تكلفة الولائم عن سابقها , وتوفر مطاعم ومطابخ عدة لتوفير مايحتاجه المجتمع , وقيامها بإعداد ذلك على أيدي طهاة ماهرين , لأن في هذه الفترة المجتمع لا يحبذ إعداد الولائم بمناسبة العيد في المنازل وكما هو الحال في فترات أخرى غير العيد . ولعلّ في ذلك بحثاً عن الراحة والرفاهية التي أصبحت ظاهرة هذا العيد في هذه الفترة .
وبمجمل القول نستطيع أن نقول بأن للمجتمع السعودي مظاهره المتعددة في العيد خاصة وفي غير العيد عامة بحسب كل فترة عاشها أبنائه , وهذه المظاهر إن دلت فهي لاتدل إلا على مجتمع متغير بتغير ظروف المعيشة , فمن طبع المجتمعات التغير والإختلاف عن السابق مع توفر حياة جديدة له , تختلف كلياً عما سبق .
كتبت هذا سريعاً وأتمنى أن يكون عوناً لنا لفهم مظاهر العيد ماضياً وحاضراً .
أخوكم السُّلمي .