المقامة الأولى
الصوم جنة ، وهو أيضا مدرسة ، يتخذه المؤمن والمؤمنة ، مرفأ للفقه والتربية . فلا يرفث في أيامه ، ولا يجهل على من جهل عليه ، ويكون دربة له في مستقبل أيامه، وجميع أوقاته ، فالصبر حصنه ، والحلم موئله ، وهما مرجعه ومأواه عند اشتداد غضبه ، وهيجان شهوته. يزن خطابه لمن جهل عليه ، يقول : إني امرئ صائم ولا يزيد عليه . يدع طعامه وشرابه ، استجابة لخالقه ومولاه . فإخلاصه فيه مضمون لله ، لأنه في خلوته لا يطلع عليه غير الله ، فالصوم له ، وهو يجزي به صاحبه . والحسنة بعشرة أمثالها ، ويضاعف لمن يشاء أكثر منها .
فالله كريم ، وهو بعباده رحيم .
المقامة الثانية
قول الزور والعمل به ، ومنه الغيبة والنميمة ، من الأمراض العظيمة . تهدمان الطاعة ، وتنغصان السعادة . هما كذئبين ،جائعين في وسط غنم لا راعي لها ، تصور مدى فتكهما بها . ولا راعي يحفظ الطاعة ، سوى تقوى في النفوس نافعة . ومكمن الخطورة فيها ، سهولة ممارستها . ومساعدة الجلساء في الغالب عليها ، والصوم ينمي في النفس التقوى ، ويبعث في أنحائها السلوى . فتصبح للخير مستعدة ، وللشر مبتعدة . .والورع والزهد من ثمراتها ، ونعمة الثمرة ما نتج عنها . إن ذلك توجيه نبينا ، عليه الصلاة والسلام من ربنا . والذي لا يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه . فعلى المؤمن والمؤمنة ، أن يستغلا هذه الناحية . ويمتنا التقوى والورع في نفسيهما ، ويجعلا من الصوم مادة مستديمة فيهما .
المقامة الثالثة
قواعد مهمة
قاعدتا : نحن أمة أمية ، وصوموا لرؤيته ... ذوا دلالة عظيمة ، ولفتة كريمة ، من خير البرية . عليه الصلاة والسلام ، وآله وصحبه الكرام ، ومن سار على هديه من الصالحين و المصلحين العظام .
هذه الدلالة الكريمة ، تتمثل في ضبط اللوائح والأنظمة النظرية ، للتمكن من التطبيقات العملية .
فإن وضوح اللائحة ، تعين على تحقيق المطلوبات المحددة ، سواء أكانت هدفا أو أسلوبا أو وسيلة .
وقد شرف النبي صلى الله عليه وسلم ، بداية ونهاية الصوم للمسلم ، بقاعدتين كريمتين ، وقانونين عظيمين . يستطاع بهما ، البدء والانتهاء بواسطتهما . بدقة متناهية إذا عمل بمقتضاهما ، واجتُهد في التحقق منهما ؛ بقوله صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، ونحن أمة أمية ، الذي يحدد عدة الشهر بتسعة وعشرين ، وثلاثين .
هاتان القاعدتان العظيمتان ، يصلحان لكل زمان ومكان . ولا تعارض علم الفلك في أي عصر من العصور ، أو دهر من الدهور . فإنهما ، له كالأصلين لها . والخلاصة أن لهذا التحديد دلالة مهمة ، إدارية تنظيمية ، وبالتالي دلالة إعجازية ، للسنة النبوية .
المقامة الرابعة
تسلسل الشياطين المردة ، و فتح أبواب الجنة ، وإغلاق أبواب الحطمة ، غايات تربويو عظيمة، معينات على سلوك السبل المستقيمة ، التي توصل إلى السعادة ، في الدنيا والآخرة ، فالنفوس من أجل تربيتها ، محتاجة إلى مرغبات تثار بها ، ومطمئنات تشجعها ، وهذه الأمور متوفرة لها ، في أيام الصوم كلها .
فأبواب الجنة التي تشتاق النفوس إليها وتشرئب نحوها مفتوحة ، وأبواب جهنم مغلقة ، والشياطين التي تتفرغ لإغواء النفس مسلسلة . فإذا جاء رمضان –كما جاء في السنة الصحيحة ، فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النيران ، وسلسلت الشياطين . فالمؤمن والمؤمنة الحصيفان يستغلان شهر رمضان . وعن ساعد الجد يشمران ، وعلى الله يتكلان .
والحمد لله رب العالمين
كتبه : محمد ناجي (جزاه الله خير )