السلام عليكم
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدهِ اللهُ فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
مقدمة: أهمية اللغة العربية:-
ينال هذا العلم الشرف الأعلى لكون مادته القرآن الكريم فما نالت العربية هذا الشرف إلا بشرف مادتها وهو القرآن الذي جاء بهذا اللسان فارتقت العربية وعلت وقد قال النبي من حديث عثمان " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " أخرجه أبو داوود
فلا يمكن أن يوصل إلى أحكام القرآن وفهم دقائقه ومعانيه وفقه لغته والعلم بها وضبط قواعده والوقوف على علوم معانيها وبيانها وبديعها ومعرفة مفاتيح التنزيل إلا باللغة العربية, فاللغة العربية هي علم الآلة ، وذروة سنام العربية ولبها وتاجها وجوهرها البلاغة وقد عدها العلماء علماً قرآنياً لأن نشأتها أساساً كان في أحضان فهم التنزيل وإدراك أسباب الإعجاز ومعرفة طرائقه ومسالكه .
ويعد القرآن الكريم (الوحي المتلو) هو ذروة سنام الفصاحة فمن عرف إعجازه ومسائله ودقائقه وقواعده فما دونه من الفصاحة كان أعلم به, ويلي القرآن في الفصاحة سنة النبي صلى الله عليه وسلم (الوحي المعنوي) وكلاهما بلسان عربي مبين، فمن أراد تعلم الوحيين فعليه تعلم العربية، ثم يلي الوحيين كلام العرب وإدراكه أيضاً لا يتم إلا بتعلم العربية والبلاغة.
يعد تعلم العربية وفهم دقائقها وضبط قواعدها تعبداً، لأنه مربوط بالدين فبذل الجهد في تعلمها يعد عبادة وقد قال عمر رضي الله عنه "تعلموا العربية فإنها من دينكم ", فعلى كل من يتعلم العربية أن يكون غرضه ونيته هو فهم ذلك الدين وفقه ما أنزل الله عز وجل وليس لذات العربية .
وابن كثير رحمه الله كانت له كلمة رائعة عندما شرع في تفسير سورة يوسف وفي قوله تعالى {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} فقال " لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس فلهذا أنزل الله عز وجل أشرف الكتب بأشرف اللغات على أشرف الرسل بسفارة أشرف الملائكة وكان ذلك بأشرف بقاع الأرض وبدأ نزوله في أشرف شهور السنة فكمل من كل الوجوه" .
ضل من ضل بسبب عدم فهمه للعربية وعدم وقوفه على معانيها ولم يحذقها ولم يدرك بيانها .
وارتقت العربية وعلت بالقرآن الكريم ثم نالها من بركة كلام الله فقد قال الله عز وجل في سورة (ص) {كتابٌ أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب} والآية الكريمة فيها أربعة فوائد:-
1- أنه كتاب عظيم واستفدنا ذلك من تنكير كلمة {كتاب} وعظمته في قيمته وبركته وأحكامه.
2- أنه كتاب منزل من عند الله عز وجل {كتاب أنزلناه} وهو منزل على محمد الرسول الخاتم .
3- كتاب مبارك بالوصف {مبارك} فمن عمل به واشتغل بعلومه ومادته تدركه تلك البركة، ومن بركته على لغة العرب أنه حفظها إلى قيام الساعة {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} الحجر (9), وبالنظر إلى بعض اللغات الأخرى نجدها قد اندثرت كاللاتينية والإنجليزية القديمة بعكس اللغة العربية المحفوظة إلى قيام الساعة لأن النص والأسلوب مضبوط بضبط القرآن, ومن هنا يتضح الخلل الواقع فيه من يدعو إلى العامية لكن الله تعهد بحفظ كتابه فقيض العلماء لذلك وإن كانوا أعاجم كسيبويه الفارسي المتوفى سنة (108 هجرية) الذي قعَّد العربية بعد طلبه للحديث ولما ألحن في العربية ولامه شيخه حماد بن سلمة فقال " لأطلبن علما لا يلحن لي فيه أحد " فعقد العزم في نفسه على تعلم العربية وتعلمها على يد شيخه الخليل بن أحمد الفراهيدي .
4- الغرض من إنزال القرآن هو التدبر والتفكر والعمل به وليس فقط التلذذ والبكاء ولن يتم الوصول لذلك إلا بتعلم اللغة والبيان وعلم المعاني والله عز وجل بين أن كتابه ميسر فقال " وَلََََََََقد يَسَّرْنَا القُرْآَنَ لِلْذِكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَكِر "(القمر) وهذا استفهام مجازي بمعنى إدكروا, والمعاني تبنى على النحو فسلامة العربية تكون بالجملة النحوية ثم يترقى الإنسان بتفعيل القواعد فينتهي إلى الدقائق واللطائف في علم المعاني، ثم التصوير في البيان، ثم البديع وهي الحلية ثم يصل إلى الأسرار واللطائف في كلام الله عز وجل .
وقد نص الزمخشري على أن التفسير هو من أعظم العلوم وأنه لا يمكن تعاطيه والوصول إلى لطائفه إلا من خلال علمين هما علم البيان وعلم المعاني ( أول الإشارات الصريحة بتسمية العلمين البلاغة والمعاني فقد كانت مترادفة قبل ذلك كما قال شيخ البلاغيين الشيخ عبد القاهر في كتابيه أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز).
حكم تعلم العربية:-
حكمها تعلمها فرض كفاية ويعد تعلمها وحذقها صاحبها مأجور بإذن الله .
كتاب الدراسة:-
كتاب البلاغة الواضحة ودليل البلاغة الواضحة المشتمل على التطبيقات وتحليل النصوص لعلي الجارم ومصطفى أمين وهما كتابان في كتاب, وهو كتاب مختصر ويسير ومبسط و جمع بين التقعيد الموجز والشرح التطبيقي المطول .
تاريخ التأليف البلاغي: -
نشأ هذا العلم في أحضان القرآن الكريم ومحاولة الإجابة عن سر إعجازه, فالمؤلفات البلاغية أحيانا ترتبط باسم القرآن, ومن المؤلفات في هذا العلم:-
1- أول مؤلف هو كتاب " مجاز القرآن " لأبي عبيدة معمر بن مثنى المتوفى سنة (208أو 209 أو 210 هجرية) والمقصود بكلمة مجاز هي بيان معنى الآية وتفسيرها.
2- كتاب "البيان والتبيين" للجاحظ المتوفى سنه 255 هجرية وهو مستودع ضخم لنصوص البيان العربي (قرآن وسنة وأشعار العرب وخطبها وأمثالها).
3- كتاب " تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة المتوفى سنه 276 هجرية.
4- كتاب " البديع " للشاعر عبد الله بن المعتز المتوفى سنة 296هجرية وسبب تأليفه للكتاب هو الرد على القائلين بأن البديعيات انفرد بها شعراء البديع فألف الكتاب ليثبت أن البديع وأنواعه موجود في القرآن وفي كلام العرب.
5- كتاب "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر المتوفى سنة 337 هجرية وكان نصرانياً وأسلم ومال في مؤلفه إلى المنطقة والفلسفة لتأثره باليونانيين.
6- كتاب "النكت في إعجاز القرآن " للرماني المتوفى سنة 386 هجرية وهو مؤلف اقترب من لمس إعجاز القرآن.
7- كتاب "الوساطة" للجرجاني المتوفى سنة 392 هجرية.
8- كتاب "صاحب الصناعتين " لأبي هلال العسكري المتوفى سنة 395هجرية والكتاب لبنة رائعة وتجديدية في تاريخ البلاغة لأنه بدأ التمايز في كتابه بين قضايا البلاغة وقضايا النقد.
9- كتاب "إعجاز القرآن" للباقلاني المتوفى سنة 403هجرية.
10- كتاب " صاحب العمدة" في صناعة الشعر ونقده لابن رشيق القيرواني المتوفى سنة 466هجرية.
11- كتاب "سر الفصاحة" للخفاجي المتوفى سنة 466هجرية والكتاب يعتبر تجديد وتعميق في دراسات الأصوات والكلمة من حيث قبولها.
12- كتاب "أسرار البلاغة" وكتاب "دلائل الإعجاز" لشيخ البلاغيين عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة 471 هجرية الذي أصَّل البلاغة إلى حد ما وقعَّدها و تذوقها وكتاب الأسرار معظمه في التشبيهات والاستعارات والكنايات وكتاب الدلائل معظمه في نظرية إعجاز النظم، ويعتبر الشيخ عبد القاهر صاحب الفضل بعد الله عز وجل في تقعيد نظرية النظم وبين أن القرآن معجز بنظمه ليس باستعاراته وبديعه وتشبيهاته فقط, وكلمة النظم تعني التأليف والجمع والضم، فكل كلمة في القرآن لها تأثيرها كما قال ابن عطية "كتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على أفضل منها لم توجد".
13- كتاب "الكشاف" للزمخشري الذي أعجب بكتابي عبد القاهر الذي لم يسعفه الوقت فأراد الزمخشري التطبيق فجاور مكة أربع سنوات وألف كتابه ذلك الذي بين فيه أسرار الإعجاز و دقائق التنزيل, والزمخشري ينسب له مقولة " الفنقلة" وهي أسلوب يتعرف المطالع من خلاله اللطائف والدقائق في كتاب الله عز وجل، وهي كلمة مشتقة من قول الشيخ "فإن قلت لم عبر بكذا دون كذا" فيحدث سؤالاً في تفسيره ليدغدغ القارئ ثم يستثيره ليشرأب للبحث عن الجواب, ولكن الزمخشري كان على مذهب المعتزلة فمن يقرأ كتابه يكون من التخصصي ويقرأ النسخة التي عليه تعليقات ابن المنير الذي يقول" لقد تتبعن الزمخشري وإعتزالياته بالمناقيش".
14- كتاب " نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز " للفخر الرازي المتوفى سنة 606هجرية، وقد حاول أن يعتصر فلسفة عبد القاهر ومنطقه وتذوقه في صورة قواعد وضوابط وقد استفاد منه السكاكي.
15- كتاب "مفتاح العلوم" لشيخ البلاغيين في التقعيد والتأصيل والتشعيب والتفريع أبو يعقوب يوسف السـكاكي المتوفى سنة 626هجرية، والكتاب ثلاثة أقسام الأول في الصرف، والثاني في النحو والثالث في البيان والمعاني، وذيله بالكلام عن الفصاحة، وألحق به بالكلام عن القافية والعروض، والكتاب أشتهر بالقسم الثالث، والسكاكي من المتكلمين والفلاسفة والمناطقة.
16- كتاب "تلخيص المفتاح " للخطيب القزويني وهو تلخيص القسم الثالث لكتاب "مفتاح العلوم " والقزويني متوفى سنة 739هجرية وهو مثل السكاكس من المتكلمين والفلاسفة, ثم إنه رأى أن تلخيصه متن محدود موجز فألف كتابه " الإيضاح " وفيه تفصيل وهو من أشهر كتب البلاغة في المدرسة المتأخرة والخطيب يعتبر زعيم مدرسة المتأخرين.
أسئلة المتصفحين:
1-أيهما أولى لطالب العلم النحو أم البلاغة؟
الإجابة: يعد علم البلاغة قائم على علم النحو فالنحو هو الأساس وكلمة نحو تعني أنك سائر نحو لغة العرب فتعني بسلامة النطق أما التحليل والتعليل والوصول إلى الدقائق فمن خلال البلاغة, والبلاغي يبدأ من حيث انتهى النحوي, ولا يحذق البلاغة من كان جاهلاً بالنحو.
2-لم لم يكن العرب قبل الإسلام على قدر من البلاغة ؟
الإجابة: البلاغة من حيث الضبط والتقعيد والتأصيل لم تظهر إلا بعد نزول القرآن عند احتياج الناس أجمعين إلى فهم القرآن وعندما خيف على اللسان العربي أن تتطرق إليه العجمة, أما العرب قبل الإسلام فتدرجت لغتهم في النضج وبلغت ذروتها إبان النزول عند بعثة المصطفى r والقرآن نزل بلغة قريش السائدة في ذلك الوقت، ولما نزل القرآن بلغتهم أعجزهم واندهشوا به, ولم يكن قبل القرآن علوم ولا قواعد ولا ضوابط، وإنما كان هناك حس ذوقي سماعي يهتز له العربي عند السماع, وعندما نزل القرآن الكريم بفصاحته وقوة بلاغته بهرهم فكان كالشمس وشعراؤهم كالسرج.