التعليم والعمل
-------------------------------------------------
د. عيسى الأنصاري
تأتي هذه المقالة في الوقت الذي تعقد فيه جلسات الحوار الوطني عن العمل والتوظيف في اطار محاور صاغها القائمون على هذا المنشط الحواري. ولعلي اجزم بانه من حيث التنظير لم يعد هناك مانقول عن كشف واقع العمل وقرينه التعليم او حتى الحلول المطروحة سواء تلك التي تعني بايجاد مخارج للمشاكل القائمة او تلك التي تعنى بتطوير الوضع القائم.
فالادبيات المتاحة عبر اوعية النشر المختلفة تثبت بما لايدع مجالا للشك ما ذهبت اليه ولعل المتابع يدرك ذلك. اذا ماهي الفائدة من الفعاليات الحوارية والحلقات النقاشية والمؤتمرات والندوات وغيرها. على اية حال فانا لااشكك في فائدة مثل هذه الفعاليات بل هي في غاية الاهمية عندما تأتي بجديد ولكن عندما يتكرر الكلام الفلسفي في كل لقاء وتخرج التوصيات مشابهه لما تخرج به لقاءات مشابهة هنا اعتقد بان الامر بحاجة الى وقفة تأمل للمراجعة والتأكد من اضافة الجديد والأصالة على موضوع الحوار.
والآن ماهو الجديد المتوقع من هذه الجلسات عن القرينين التعليم والعمل من حيث التنظير فانني لااعتقد ان هناك جديدا على الساحة حول هاتين القضيتين فقد اشبعتا نقاشا الى النخاع وصدر بحقهما توصيات ملأت الارض وامتلأت الارفف والمكتبات بالدراسات والبحوث وتوصياتها التي لم يعمل على تطبيقها في كثير من الاحيان بالشكل المرتقب. اذا ماذا نريد؟ مانريده هو الجديد عن هاتين القضيتين وهناك الجديد وان لم يكن الجديد متاحا فلنلتفت الى مايخرجنا من هذه الدائرة التي اصبحنا نسبح في اغوارها دون نتيجة تذكر ان كنت محقا في ذلك. وجزء من الجديد الذي ذكرت هو الالتفاف نحو الحلول العملية وايجاد افضل السبل لما تم التوصل اليه من توصيات واستنتاجات ولنترك النقاش التنظيري الفلسفي جانبا ولو لقليل من الوقت نعم نحن بحاجة الى حلول عملية نابعة من احتياجاتنا واحتياجات العصر الذي نعيش فيه بعيدا عن الحلول المثالية والتي يجب ان نعترف باننا لم ولن نتمكن من وضعها موضع التنفيذ عبر الكلام ثم الكلام. مشكلتنا حول هاتين المسألتين هي انه نظرا للتسارع الذي يشهده العالم من متغيرات في كافة المجالات ونظرا لتنامي مشكلة البطالة بين الشباب وبروز افرازاتها السلبية الاجتماعية والاقتصادية وغيرها. كل هذه العوامل جعلت ذوي الشأن يلجأون الى الحلول السريعة والتي تتميز بالنتائج السريعة بالطبع قد يكون حرصا منهم على ايجاد حلول لهذه المشاكل ولكن كما هو ثابت انها تأتي بنتائج عكسية تزيد المشكلة تعقيدا بل ان الامر الذي يزيد الامر تعقيدا ان مثل هذه المبادرات السريعة تكلف ميزانيات باهظة لو سخرت لحلول عملية ومنهجية لأتت بالنتائج المطلوبة. اننا ياسادة ياكرام بالاضافة الى حاجتنا الى حلول عملية فاننا بحاجة ايضا الى حلول نوعية تركز على الكيف لا على الكم حول مسألتي التعليم والعمل. نعم فالمسالة لم تعد مجرد استيعاب الشباب من الراغبين بالتعليم او العمل ولكن باعتقادي ان المسألة اكبر من ذلك بكثير نحن بحاجة الى تعليم نوعي متميز يعقبه تدريب عولمي لايقوم على احتياجات سوق العمل المحلي فقط انما على احتياجات سوق العمل العالمي اذ يكفي ان نعلم بان شبابنا يتنافسون وهم في المملكة مع عمالة اجنبية ماهرة تحتل الوظائف التي يفترض انها شاغرة لهم حتى اساليب التوظيف التقليدية تحتاج الى وقفات ووقفات لكي نقف على مدى فاعليتها. فالتوظيف لم يعد مجرد التوفيق بين القدرات الوظيفية التي يمتلكها طالب العمل مع احتياجات الوظيفة التي ستسند اليه خاصة ونحن في عالم اضحت سمته الاساسية هي التغيير المستمر والسريع للمهن والوظائف المتاحة في هذا السوق اذا من سيعمل على تدريب شبابنا بهذه السرعة انه من الاستحالة بمكان القيام بمثل ذلك والا كانت النتيجة اكثر فاعلية مما هي عليه في الوقت الراهن انما الحل يكمن في تدريب الشباب على كيفية تدريب وتطوير انفسهم على رأس العمل وتمليكهم القدرات اللازمة لذلك.
ان التعليم بالذات لم يعد شأنا خاصا بوزارة او بهيئة او غيرها انما هو شأن مجتمعي تشارك به كل شرائح المجتمع دون استثناء كما انه امن وطني نعم فهو كذلك كونه يتعامل مع عقول الشباب في الحاضر ويشكل عقولهم للمستقبل فهؤلاء الشباب هم قادة المستقبل بلا منازع فالامم التي تنهض بعقول شبابها هي التي تلحق بالامم المتقدمة اما الامم التي لاتنجح في مثل ذلك فمصيرها مجهول.
ان اول خطوة عملية ينبغي ان نشرع بها هي ايجاد تعريفات محددة لمفاتيح التعليم والعمل ومنها مصطلح التعليم والعمل والتدريب والجودة والعولمة وغيرها من المصطلحات التي يبدو ان عدم الوقوف على تعريفات محددة لها من شأنه ان يجعل جهودنا من غير جدوى خذ مثلا اذ في الوقت الذي نجد فيه العالم يتجه الى الاقتصاد المعرفي واعداد العمالة المعرفية لمواجهة ذلك نجد ان المؤسسات التعليمية وخاصة التقنية منها تتجه الى التعليم التقليدي الذي لاتتناسب البتة مخرجاته مع العصر العولمي الذي نعيش فيه وفي خضم دور المؤسسات التعليمية اجد نفسي اقف عاجزا عن الاهداف التي ترمي اليها تلك المؤسسات في ظل الخلط في المفاهيم الذي نعيش فيه اذ بدون ايجاد تعريفات محددة للمصطلحات التي نتعامل معها في قضايا التعليم والعمل فاننا نعمل على ضوء مفاهيم غير محددة ومتفق عليها من كل ذوي الشأن وهناك خطوات عملية كثيرة لنخرج من الدائرة التي نغوص فيها ولكن قد تكون في مقالات لاحقة.
[email protected]
http://www.alyaum.com/issue/page.php?IN=12398&P=4