التربية بين السندان والمطرقة
------------------------------------------------------------
علي يحيى الزهراني
المدرسة وحدها لا تصنع المعجزات .. فالتربية تبدأ من البيت ويتشارك فيها الجميع .. ويوماً ما سيصحو هذا المحامي “الفهلوي” على حقيقة إننا كلنا متّهمون، وكلنا خاسرون في قضية نمثل جميعاً كل أطرافها.يبدو أن قضايا التربية الساخنة وأحداثها المتلاحقة راحت تباري قضايا الشعوذة والأخطاء الطبية والحوادث الأمنية في صحافتنا المحلية. وأصبحنا نتعاطى الأحداث التربوية كوجبة يومية نستقبل بها مشارق صباحاتنا كما نستقبلها بنكهة البن والهيل إلاّ أنها وجبة دسمة بكل أنواع الدوخ والصداع الرأسي.في كل يوم نقرأ عن حادثة، ونسمع حكاية، ونتألم لحالة.طلاب هاجموا معلّميهم، وأوسعوهم ضرباً. ومواطن طعن معلماً حتى الموت. ومعلم شجّ رأس تلميذ. وطلاب يحوّلون فناء مدرسة إلى ساحة عراك حامي الوطيس، استخدموا فيها السكاكين والعصيّ والحجارة. وأحداث.. وأحداث.. وكأن مثال: (ضرب زيدٌ عمراً) الذي كنا نتعلّمه في دروس القواعد أصبح حال التربية في كثير من مدارسنا (عند البعض).ناهيكم عن حوادث المرور، وموت المعلمات التي يراها هذا (البعض) بأنها ذات هوية (السبق) في الأحداث باعتبارها لا تجد من مسؤولي التربية والتعليم آذاناً صاغية، رغم نداءات المعلمات وأولياء أمورهن. ورغم نزف حمامات الدم، إلاّ أن كل ذلك لن يبلغ مسمع آذان الطين والعجين. ويدق هذا (البعض) الاسفين في نعوش اليبس في الذهنية التي لم تجد إلى الآن الآليات المناسبة للحد من هذه المآسي الثقيلة. هذا كله من جانب.
أمّا في الجانب الآخر فالهجوم على التربية لا يقل ضراوة.اتهامات لا تتوقف عن قذف معاقل التربية بالحجارة، يصمون مناهجها بالمضخمة والمدورة، ومخرجاتها بالمتخلّفة، وطرائقها بالمحنطة، وأركانها بالمتهالكة.. هذا غير الهمز واللمز من الطرف الخفي بما تعرفونه وما قد لا تعرفونه!!وفي المحصلة السوداوية الصرفة فإن التربية والتعليم أصبحا حالة مترمّدة، مزمنة، مستعصية.. لا لون لها، ولا طعم، ولا رائحة.ويسأل التربويون في ذهول يسكن خاصرة وأطراف كل هذا (الزخم) التربوي بكل ما فيه من مشاريع وبرامج وفعاليات:هل نحن نحرث في الهواء؟!هل العيب فينا نحن؟ أم فيما نقدم؟ أم العيب في أطراف أخرى؟!وهي أسئلة مشروعة لكل التربويين الذين يتابعون ما يحدث، فمن حقهم أن يكتسوا الجلباب، وأن يدافعوا عن أنفسهم على الأقل حتى يخرجوا عن دائرة الاتّهام أو حتى لا يكونوا هم المتهمين وحدهم!في المرافعة الأولى.. على التربويين ألاّ يضيقوا ذرعاً بما يجري فهو أمر عادي الحدوث نظرًا لطبيعة ما يقومون به!..التربية والتعليم.. هي الأخطر في الفعل الحياتي ، بل هي الحياة ذاتها.. نحن نتحدث عن أجيال؛ لهذا لا نستغرب أن يهتم المجتمع ويتابع كل شؤون وشجون التعليم، ويدخل إلى أدق مفاصله، بل وحتى يَتّهم وعلينا أن نتقبّل ونتحمّل. وفي المثل الإغريقي “ابنِ جيلاً ولا تبنِ إنسانًا”.هذا اولاً يا تربويون وأنا منكم!!أمّا ثانياً: فدعونا نعترف بشجاعة أن مناهجنا وطرائقنا، ونحن فينا ما فينا من القصور والأخطاء وهذه من طبائع كل الأشياء.. والأهم في منظور السلبيات والإيجابيات هي المحاولة الدائمة للتطوير والتعديل والتحسين!العملية التربوية ذات حركية ديناميكية لا تتوقف!!وأخطر ما في الأمر بالنسبة للتربوي هي حالة الانكسار إما (بظنية) الكمال أو بوهم العجز عن الإصلاح!وهذه مسلّمات يجب أن يكتسبها التربوي حتى تكون لديه المناعة والقناعة!!
لكن ما أردتُ الوصول إليه من كل هذا الحديث وهذه المقدمات الفضفاضة هو أن أطرح تساؤلاً في نظري هو ملحٌّ جداً في خضم هذا الطحن وهذه الجعجعة.
لماذا كل هذا الهجوم الدائم على التربية والتعليم؟؟ فيما سبق أن قلته بعض ملامح الإجابة، لكن ما عنيته وأضعه داخل التقويس والتنصيص هو: أن الجميع يتخذ من التربية (قرباناً للمتغيرات)!!وأقول لكم كيف؟؟ التربية عملية تشاركية، تبدأ من البيت إلى الحي، إلى المجتمع بكافة مؤسساته وشرائحه، ثم يصب كل ذلك بكل تعددية خراجه داخل أسوار المدرسة!!!قديمًا حين كان الأب (الأميّ) يهتم بابنه ويقوده إلى المدرسة في زمن (لكم اللحم ولنا العظم) كان كل شيء يربي: الأسرة، الشارع، الأقارب، الحي، المجتمع، المدرسة!!أمّا اليوم فقد اختفت كل العنايات (بالأبناء) في ظل غيابنا حتى عن (ذواتنا) نحن الآباء!!وغابت كل أدوار التربية المجتمعية في ظل هذه المتغيرات والانفكاكات.وزاد الطين طوفان هذه المؤثرات الفضائية التي عصفت بعيون وقلوب الناشئة. ولهذا فالجميع يلقي بكل الأدوار والمسؤوليات على المدرسة وحدها، ويقدمها (قربانا) لكل ضياعه وتداعياته!ونحن نقول لا..المدرسة وحدها لا تصنع المعجزات، ولا تملك (عصا) موسى بمفردها!! التربية الناجحة تبدأ من البيت، ويتشارك فيها الجميع (يا سادة).. هذا تقرير لا تبرير، ويومًا (ما) سيصحو هذا المحامي (الفهلوي) على حقيقة: إننا كلنا متّهمون، وكلنا خاسرون في قضية نمثل جميعاً كل أطرافها!!خاتمة: عجيب لمن يجهل ابنه في أي مدرسة وأي صف، ثم يقذف النوافذ بالحجارة وقت النتائج!!
http://www.almadinapress.com/index.a...ticleid=206777