[poem=font="Simplified Arabic,4,black,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة=بجنب الغضى أزجي القلاص النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه=وليت الغضى ماشى الركاب لياليا
لقد كنت في أهل الغضا لودنا الغضا=مزار ولكن الغضا ليس دانيا
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى=فأصبحت في جيش ابن عثمان غازيا
دعاني الهوى من أهل ودي وصحبتي=بذي الطبسين فالتفت ورائيا
أجبت الهوى لما دعاني بزفرة=تقنعت منها أن ألام ردائيا
لعمري لأن غالت خراسان هامتي=لقد كنت عن بابي خراسان نائيا
فلله دري يوم أترك طائعا=بني باعلى الرقمتين وماليا
ور الظباء السانحات عشية=يخبرن أني هالك من ورائيا
ودر كبيري الذين كلاهما=علي شفيق ناصح قد نهانيا
ودر الهوى من حيث يدعو صحابه=ودر لجاجاتي ودر انتهائيا
تذكرت من يبكي على فلم أجد=سوى السيف والرمح الرديني باكيا
وأشقر خنذيذ يجر عنانه إلى الماء=لم يترك له الموت ساقيا
ولكن بأطراف السمينة نسوة=عزيز عليهن العشية مابيا
صريع على أيدي الرجال بقفرة=يسوون قبري حيث حم قضائيا
ولما تراءت عند مرو منيتي=وحل بها جسمي وحانت وفاتيا
أقول لأصحابي ارفعوني لأنني=يقر بعيني أن سهيل بدا ليا
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا=برابية إني مقيم لياليا
أقيما علي اليوم أو بعض ليلة=ولا تعجلاني قد تبين مابيا
وقوما إذا مااستل روحي فهيئا=لي القبر والأكفان ثم ابكيا ليا
وخطا بأطراف الأسنة مضجعي=وردا على عيني فضل ردائيا
ولاتحسداني بارك الله فيكما=من الأرض ذات العرض ان توسعا ليا
خذاني فجراني ببردي إليكما=فقد كنت قبل اليوم صعبا قياديا
فقد كنت عطافا إذا الخيل ادبرت=سريعا إلى الهيجا إلى من دعانيا
وقدكنت محمودا إلى الزاد والقرى=وعن شتم ابن العم والجار وانيا
وقد كنت صبارا على القرن في الوغى=ثقيلا على الأعداء عضبا لسانيا
وطورا تراني في ظلال ومجمع=وطورا تراني والعتاق ركابيا
وطورا تراني في رحى مستديرة=تخرق أطراف الرماح ثيابيا
وقوما على بئر الشبيك فأسمعا=بها الوحش والبيض الحسان الروانيا
بأنكما خلفتماني بقفرة=تهيل علي الريح فيها السوافيا
ولاتنسيا عهدي خليلي أنني=تقطع أوصالي وتبلى عظاميا
فلن يعدم الولدان بيت يجنني=ولن يعدم الميراث مني المواليا
يقولون لاتبعد وهم يدفننوني=وأين مكان البعد الامكانيا
غداة غد يالهف نفسي على غد=إذا أدلجوا عني وخلفت ثاويا
وأصبح مالي من طريف وتالد=لغيري وكان المال بالأمس ماليا
فياليت شعري هل تغيرت الرحى= رحى الحرب أوأضحت بفلج كماهيا
إذا القوم حلوها جميعا وانزلوا=لها بقرا حم العيون سواجيا
وعين وقد كان الظلام يجنها=يسفن الخزامى نورها والأقاحيا
وهل ترك العيس المراقيل بالضحى=تعاليها تعلو المتون القياقيا
أذا عصب الركبان بين عنيزة=وبولان عاجوا المنقيات المهاريا
وياليت شعري هل بكت أم مالك=كما كنت لوعالوا نعيك باكيا
إذا مت فاعتادي القبور وسلمي=على الريم أسقيت السحاب الغواديا
ترى جدثاقد جرت الريح فوقه=غبارا كلون القسطلاني هابيا
رهينة أحجار وترب تضمنت=قرارتها مني الظام البواليا
فياراكبا إما عرضت فبلغن=بني مالك والريب ألا تلاقيا
وبلغ أخي عمران بردي ومئزري=وبلغ عجوزي اليوم ألاتلاقيا
وسلم على شيخي مني كلاهما=وبلغ كثيرا وابن عمي وخاليا
وعطل قلوصي في الركاب فإنها=ستبرد اكبادا وتبكي بواكيا
اقلب طرفي فوق رحلي فلا أرى=به من عيون المؤنسات مراعيا
وبالرمل مني نسوة لوشهدنني=بكين وفدين الطبيب المداويا
فمنهن أمي وابنتاها وخالتي=وباكية أخرى تهيج البواكيا
وماكان عهد الرمل مني وأهله=ذميما ولا ودعت بالرمل قاليا[/poem]
عندما نقف أمام بكائية مالك بن الريب التميمي نجد أنفسنا أمام سيل من الحزن اللامتناهي نستشف عاطفة شاعر متشبث بالحياة حتى آخر رمق, تتلون اللحظات الأخيرة في عينه,فيصورها شعرا ,هي خلجات نفس تودع الدنيا بنزيف الشعر.. روي أنه كان صعلوكا قاطع طريق فمر عليه سعيد بن عثمان بن عفان في جيش لفتح مرو أقليم من أقاليم خراسان فاقتنع مالك بانضمامه إلى الجيش وترك الصعلكة وقطع الطريق وأصبح غازيا في سبيل الله,
واختلفت الروايات في موته فبعض الروايات تشير إلى أنه مات بالسم لدغته أفعى كانت في رحله والبعض يقول أنه أصيب بسهم فجرحه واندمل الجرح على غل وانفجر عند عودته ولست هنا أريد الطريقة التي مات بها شاعرنا فقد قال شاعرآخر:
تعددت الاسباب والموت واحد
لكنني أريد الوقوف أمام هذه البكائية , التي تعتبر من أجمل المراثي في الأدب العربي ,إن لم تكن أجملها على الإطلاق لماذا؟, لأن الشاعر يرثي نفسه وليس إنساناآخر وشاعرنا رحمه الله يبدأ بناء قصيدته على نداء التمنى وأكثر من هذا النداء في أبيات متفرقة من القصيدة, لعله يجد من يجيب التساؤلات وأيضا لتعزية نفسه المودعة يتشبث بكل شيء حوله يتساءل فيجيب أحيانا وأحيانا يترك القاريء يجد اْجابة.. هو الموت يجب الروح فلايجد مالك معزيا إلامالك.. ومالك يسأل مالك في قفر من الأرض وبيداء من الحزن تسيطر عليه لحظات اليأس فيفر إلى الشعر يضخ فيه أمل الشاعر ليجد مخرجا من ضنك اللحظة .بالرغم من أنه صعلوكا وحياة الصعاليك تحفها المخاطر لسطوتهم وغاراتهم.. فالشاعر أحب الحياة فالبيت الأول والثاني
كما ذكرت يبدأه بنداء التمني ولكن هل ينفع التمني أويقيه من سطوة الموت.
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
فليت الغضا لم يقطع الركب عرضه
وليت الغضا ماشى الركاب لياليا
وفي البيت السادس والثلاثين أيضا نداء تمني , وذلك تشبيه بليغ من الشاعر لما خلفته من القتلى وهل كان مالك بن الريب إلا حبة طحنتها تلك الرحى؟
ثم نجده في البيت الواحد والأربعين أيضا يتمنى لمعرفة ماإذا كانت أم مالك ستبكيه بعد موته كما لوكانت هي ماتت فانه سيبكيها وهنا رقة الشاعر تتضح ومكانة الأنثى في نفسه وكفى به أن يذكرها لحظة الموت , الغريب العجيب في هذا الصعلوك أنه من أشد الناس فتكا لكنه رؤوم يتشكل حبه في سؤاله هنا
وياليت شعري هل بكت أم مالك
كما كنت لوعـــــالوا نعيك باكيا
والنداءات المتكررة تحمل بعدا إنسانيا وبنائية فنية جميلة للقصيدة نداء يتبعه تمني وكل ذلك استشفاف هل سيحس من ذكرهم في قصيدته بفقده كما يحس هو بفقدهم وهو على أعتاب الفراق .
أعتمد مالك على المساءلة في أسلوب فني جميل بارع في مساءلته
هل أبيتن ليلة بوادي الغضا
والجواب هنا مرتبط بحالة الشاعر النفسية فلطالما أنه متشبث بالحياة
سيجد لنفسه جميلا يعزيه مما هو فيه من كرب. والجواب نعم ستبيت يامالك وستزجي القلاص والقلاص هي الأبل
ألم ترني بعت الضلالة بالهدى والجواب أيضا بنعم بعت الضلالة بالهدى فكنت قاطع طريق وأصبحت غازيا في سبيل الله وهذا مما يخفف وطأة حزن الشاعر على نفسه بأن ميتته شريفة وهذا مطلب من مطالب الصعاليك منذ الشنفرى وعروة وسليك وتأبط شرا وعمرو بن براق
هنا حالة نفسية تسيطر على الشاعر يخرج منها بالأسئلة لتعزيه الإجابة عما هو فيه
هل تغيرت الرحى والجواب نعم تغيرت الرحى وانتصر المسلمون
هل بكت أم مالك نعم بكت يامالك بعد موتك لانها كانت تحبك فأنت من شغف فؤادها كما شغف المهنوءة الرجل الطالي كما قال الملك الضليل
أيقتلني إني شغفت فؤادها
............. كما شغف المهنوءة الرجل الطالي
لكن في البيت الحادي عشر وجدت بيت شاذا وهو
فلله دري يوم أترك طائعا
بني بأعلى الرقمتين وماليا
مالك هنا يتحسر؟ وتلك فرية على الشاعر مالك صعلوك والصعاليك عادة من أشجع الفرسان أفيتحسر على الموت ويندم؟ لا أظن. البعض يذكر قول الشنفرى عندما قتل في وادي بيدة قال قاتله ءأطرفك ؟؟فرماه بسهم في عينه فكان رد الشنفرى كاك كنا نفعل أي(هكذا كنا نفعل) وهنا فن ممارسة الموت وفن تلقيه أيضا. للصعاليك فنون يتفردون بها حتى عند الموت وتلقي أول طعنة وانفاق الدم يالهم من شجعان.
لله دري هنا كلمة استحسان تفيد التحسر ولو وازنا بين هذا البيت والبيت الرابع والعشرين والسادس والعشرين لوجدنا هناك تناقضا واضحا وبونا شاسعا فمالك يقول
وقد كنت عطافا إذا الخيل ادبرت
سريع لدى الهيجا إلى من دعانيا
وقد كنت صبارا على القرن في الوغى
ثقيلا على الأعـــــــــداء عضب لسانيا
دققوا معي عطاف وقت الإدبار أي شجاع عند إدبار الفرسان الآخرين إذا حمي الوطيس. ومالك صبار على مجالدة الاقران في الوغى أفيعقل أن يتحسر على الموت خاصة وأن موته كان مشرفا مات غازيا
هنا احتمال أن يكون البيت الذي يتحسر فيه مالك مولد وهذا حماد الراوية أكذب خلق الله وفيه يقول الدكتور العشماوي :
ياأمة مازال يكتب نثرها
طه ويروي شعرها حماد
ويرتب الحلاج دفتر فكرها
ويقيم مأتم عرسها حداد
اعتمد مالك بن الريب على الحوار في قصيدته استشعارا منه إلى من يشاركه همه الذي هو فيه لأنه حزين بمفرده وحيدا والحوار هنا قولي
أقول لأصحابي
أقول وقد حالت
يقولون لاتبعد وهم يدفنونني
وأين مكان البعد إلامكانيا
إنه يبحث عمن يشاركه النجوى وبداخله رغبة جامحة للخروج من وحدته وعزلته التي هوفيها وهويستخدم ذاكرته ويفجرها عاطفة شعرية ليشكل لنا نموذجا استرجاعيا لما مضى هذا النموذج يتكتل ويفرغه كشحنات نفسية من خلال التمني يستطرد في التذكر يحاور ويستطرد ويحاورإلى أن يصل للبيت الخامس والأربعين فنجده يوقن بأنه هالك لامحالة فيعطي وصيته في الأبيات التي تلي ذلك نعم ياملك سيبكيك كثير رحم الله فقد سطر شفافية شاعر
ورسم فارسا في قصيدة وخلد قصيدة قلما جاد الشعراء بمثلها