بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
نساء ورجال .. علو إلى قمم الجبال ..
" كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " [ الأنبياء : 90 ]
أفلا نظرت إلى نفسك ؟
كيف همتك إذا رأيت من سبقك إلى الدعوة إلى الله ؟
قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله ، قيل كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : يوفقه للعمل الصالح ثم يقبضه عليه ) .
من أحبه الله استعمله لطاعته ..
جعله لا يعيش لنفسه فقط .. بل يعيش لدينه ، داعياً إلى إليه ، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر .. مهتماً بأمر المسلمين ، ناصحاً للمؤمنين ..
لا تراه إلا واعظاً لخلانه ، ناصحاً لإخوانه ، مؤثراً في زمانه ومكانه .
تأملوا حال الأنبياء
كيف كانوا يخدمون الدين ويحققون اليقين ؟
استمعوا إلى نوح عليه السلام ، يشكو حاله إلى الملك العلام ويقول :
" قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا " [ نوح : 5 ـ 7 ]
فهل استسلم لما أعرضوا ؟!!
كلا ..
" ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا "
ماذا بقي من حياة نوح ؟!!
الليل والنهار ، العلن والإسرار .. كل ذلك سُخر لدعوة الله .
تأملات في حديث
ورد في صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : ( كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند رأسه، فقال له : ( أسلِم". فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه من النار ) .
لنتأمل قليلاً .. غُلام خادم ، لا مال ولا عشيرة ، بل هو في سياق الموت ، ومع ذلك يفرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه ، لأن الله أنقذه من النار !!
كان صلى الله عليه وسلم يُربي أصحابه على سلوك هذا السبيل .. فكان يصيح بهم قائلاً : ( بلغوا عني ولو آية )
فما عُذر أحداً في ترك الدعوة إلى الله .
المسلم الصادق يسعى إلى نيل منزلة : " وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ "
[ سورة فصلت : 33 ] .
هاهم الكفار .. ينفقون الأموال ، ويقدمون الرجال ، ليُكفر بالعظيم المُتعال !!
انظروا كم بذل أبو سفيان قبل إسلامه ؟ وكيف قاد الجيوش لقتل المسلمين في أحد وفي الخندق !!
وكم بذل أبو لهب وأمية بن خلف !!
كانوا يبذلون كل شيء للصد عن سبيل الله !
بل لما اشتد عذاب الكفار على الصحابة الأبرار ، أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج من الجزيرة العربية كلها .. والهجرة إلى الحبشة .. فهل تركهم الكفار ؟
كلا .. ما هان على الكافرين ، أن يوحد رب العالمين ، جمعت قريش أموالها ، وانتدبت عقلائها .. ليذهبوا إلى ملك الحبشة ، فيغروه بالهدايا والأموال ، ليرجع المؤمنين إلى مكة حيث العذاب والنكال !
وما يضر قريش أن يُعبد الله في أرضٍ بعيدة ؟!!
إنه الصد عن سبيل الله .
كان الكفار يتواصون بالثبات على الباطل .. قال تعالى : " وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ " [ ص : 6 ] .
أي استمروا على دينكم !
وفي الآية الأخرى : " وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولا * إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلا " [ الفرقان : 41 ـ 42 ] .
واليوم .. خذ جولة سريعة .. وقارن بين الفريقين ..
انظر إن شئت إلى عمل اليهود وتكاتفهم لإقامة دولة إسرائيل !
وانظر إلى تفاني الهندوس والبوذيين في خدمة دينهم ، حتى استغرق ذلك أوقاتهم ، واستنفذ جهودهم ، حتى أشغلهم عن اللذات والشهوات !
وانظر إلى نشاط المنصرين ، وحرصهم على دعوتهم ، وبذلهم أموالهم وأوقاتهم ، وجهودهم .. وهم على باطل !
" إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا " [ النساء : 104 ] .
يقول أحد الأشخاص .. كُنت في ألمانيا ، فطُرق علي الباب ، وإذا بصوت إمرأة شابة تنادي من وراءه .. قلت لها : ماذا تريدين ؟
قالت : افتح الباب .
قلت : أنا رجل مسلم ، وليس عندي أحد ، ولا يجوز أن تدخلي علي .
فأصرت علي ، فأبيت أن أفتح الباب .
فقالت : أنا من جماعة ـ واسمتها ـ افتح الباب ، وخذ هذه الكتب ، والنشرات ، واسمع مني الكلام عن ديننا .
قلت لها : لا أريد شيئاً .
فأخذت تترجى ، فوليت الباب ظهري ، ومضيت إلى غرفتي . فما كان منها إلا أن وضعت فمها على ثقب الباب ثم أخذت تتكلم عن دينها ، وتشرح مباديء عقيدتها لمدة عشر دقائق . فلما انتهت ، توجهت إلى الباب ، وسألتها : لم تُتعبين نفسك هكذا ؟
فقالت : أنا الآن أشعر بالراحة ! .. لأني بذلت ما استطيع في سبيل خدمة ديني .
أما جهود أعداء الدين ، من الكفرة والمنصرين .. فهي أشهر من أن تُذكر ..
فتأمل فيما يبذلونه لتنصير المسلمين من خلال قنوات فضائية ، وأشرطة سمعية ، وكتب مقروءة ، ونشرات موبوءة ..
تأمل ذلك كله ، ثم قارنه بما يبذله المسلمون !! .. أو قارنه إن شئت بهذا الموقف :
يقف أحد الدعاة عند محطة وقود ، وخلال ذلك أخذ يطرح مجموعة أسئلة لأحد العمالة : مسلم أنت ؟
فيقول : لا . لست مسلماً .
فيسأله : لماذا لا تسلم ؟
فيقول : لا أعرف ما هو الإسلام ؟
فيرد عليه : سأحضر لك كتباً عن الإسلام .
عندها يصيح به ويقول : أنت كذاب . كلكم كذابون ، فأنا أعمل في هذه المحطة منذ خمس سنوات ، وكل شخص يمر بي يقول سأحضر لك كتباً عن الإسلام ، وإلى الآن لم يُحضر لي أحد شيئاً !
تأمل في غفلة كثير منا عن دعوة من هم بين أظهرنا .. يسكن الكافر بين أظهرنا سنين ، ثم يعود وهو على حاله .. يعبد بُوذاً ، ويقدس البقرة ، ويقول الله ثالث ثلاثة !!
دعك من الكافرين ..
كم نرى من المسلمين المقصرين في صلاة الجماعة ، والمتساهلين في الغناء وسماعه .. وكم نرى من العاقين ، والمُرابين ، والمُتلاعبين بأعراض المسلمين .. بل كم نرى من السُكارى ، والشباب والفتيات الحُيارى !!
فماذا بذلنا لهم ؟!
بعض الناس يظن أن الدعوة مقصورة على من أعفى لحيته ، وقصّر ثوبه .. ثم جعل حلقه للحيته ، وإسباله لثوبه ، أو تدخينه ، أو سماعه للأغاني .. جعله حائلاً بينه وبين خدمته للدين ، أو نصح المُقصرين !
بل قد يُقعد الشيطان العاصي عن الدعوة إلى الله .. ويقول له : أنت تنصح الناس ؟ .. ألا تذكر خطاياك ؟ .. أمثلك يعمل للدين ؟
فيفوت الشيطان بذلك على الدين جندياً من جنود الرحمن ..
وبالتأكيد أن الأمل في الداعية أن يكون مستقيماً على الطاعات ، ولكن وجود السيئات لا يمنع من فعل حسنات ..
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
ولو لم يعظ في الناس من هو مذنب = فمن يعظ العاصين بعد محمد ؟ [/poem]
أحد الصالحين رأى الشيخ ابن باز في المنام في هيئةٍ حسنة ، فقال له : يا شيخ دلني على عملٍ فاضلٍ نافع . قال : فرفع الشيخ يده ثم هزها وقال : عليك بالدعوة إلى الله ، عليك بالدعوة إلى الله .. فو الله ما زال الشيخ يكررها حتى غاب عني .
والدعوة إلى الله ليست مهمة صعبة .. فكم من شخصٍ كانت هدايته بسبب شريط نافع ، أو نصيحة صادقة ، أو رسالة عابرة ..
[frame="7 80"]ساهم معنا في هذه الحملة .. بوضع أحد هذه التصاميم في توقيعك :
[/frame]
[frame="7 80"]كل الشكر والتقدير لـ موادع وal3nood و سليمان على التصاميم .[/frame]
المصدر / قمم الجبال / محمد العريفي .
[align=left][/align]