مهارة التفويض الفعال .. وتوزيع المسؤوليات
إن الأكتاف القوية لا تنمو إلا بالتدريب، والمساعدون الأكفاء لا يولدون من فراغ،
والمؤسسات القوية هي التي تحسن إدارة عملية تفويض المسؤوليات والاختصاصات،
ولا تعتمد على مستوى إداري واحد تحسن إعداده فحسب؛
وإنما تبني كل منطلقاتها وحركتها على إدارة عملية التفويض،
حتى لا يمر في أية مرحلة من مراحله بمنعطفات أو مشكلات تنبع من عدم
وجود المستوى المؤهل لتناول القيادة من سابقه ، كما أن نجاح المدير
أو المشرف يكمن في إدراكه لهذا الأمر في مؤسسته أو إدارته .
.................................................. ................
ولقد أدرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- أهمية هذا الأمر، ومن ثم :
أوجد النبي لكل طاقة ما يناسبها من عمل، ووزع المسؤوليات، وفرض المهام ومنح
أجزاء متساوية من المسؤولية والسلطة لأصحابه رضي الله عنهم؛ ففي
عهده صلى الله عليه وسلم تولى على بن أبي طالب وعثمان بن عفان كتابة الوحي ،
كما كان يقوم بذلك أيضاً أثناء غيابهما "أُبي بن كعب ، وزيد بن ثابت
وكان الزبير بن العوام وجهيم بن الصلت يقومان بكتابة أموال الصدقات ،
وكان حذيفة بن اليمان يعد تقديرات الدخل من النخيل، وكان المغيرة بن شعبة
والحسن بن نمر يكتبان الميزانيات والمعاملات بين الناس .
وفي هذا إشارة إلى أصحاب المسؤوليات في تفويض المهام،
.................................................. ......................
وأن يعهد ببعض مهامه إلى أحد معاونيه، ويعطيه سلطة اتخاذ القرارات
اللازمة للنهوض بهذه المهمة على وجه مُرضٍ.
ومما لاشك فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أدى هذه الأدوار؛
فإنه سيكون أسرع وأفضل ، ولكن على المدى القصير، وسيتحمل أكثر من طاقته،
ويغرق في كثير من التفاصيل الروتينية وتصبح المسؤولية عبئاً ثقيلاً .
ومن ثم أدرك الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن قدرته على تحقيق
النتائج ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأداء أصحابه .
وقد ظهر تفويض السلطة في عهد الخلفاء الراشدين حينما كان سيدنا عمر بن الخطاب
يطلق الحرية لعماله في الشؤون الوظيفية، ويقيدهم في المسائل العامة،
أي يفوضهم بعضاً من السلطات ويراقب عملهم في حدود ذلك التفويض،
وكان يختبر موظفيه بين الحين والآخر ليتأكد من كفاءاتهم وقدرتهم .
ويبدو ذلك جليًا في موقفه مع (كعب بن سور) حينما كان جالسًا عند عمر
فجاءته امرأة تشكو زوجها فقال " لكعب : اقض بينهما فلما قضي قضاءه قال لكعب :
"اذهب قاضيًا على البصرة" .
.................................................. ...............
وهنا لا ينبغي للمشرف أن ينظر إلى التفويض على أنه تهرب من المسؤولية؛
لأنه المسؤول في النهاية عن نتائج إدارته،
ومن ثم فهو يفوض طريقة العمل ولا يفوض المسؤولية .
كما أن التفويض ليس تخلصاً من المهام غير الممتعة،
بأن يعهد بها المدير إلى أحد مرؤوسيه؛ إنما ينبغي أن ننظر إلى التفويض
على أنه إيجاد البدائل القادرة على القيام بالصورة المثلى في المستقبل
مستصحبة في أدائها الفعال ما سبق لها من تجربة ناضجة في أدائه