اصبحت عبارة لا وقت للقراءة تترد على نحو بالغ الابتذال في شتى انحاء الوطن العربي ، وقد يرددها اناس لديهم من فائض الوقت والفراغ ما يتيح لهم ان يحصوا عدد ذرات التراب التي يحت اقدامهم اذا قرروا ذلك .
وكانت هذه العبارة قد تسربت قبل عقود من نقاد غربيين قالوا بان الوقت الذي كانت تقرأ فيه روايات من طراز الاخوة كروموزف والحرب والسلام وموبي ديك قد انتهى ، لان قراءة كتب بهذا الحجم قد تتطلب الاقامة شبه الدائمة على السرير .
لكن الواقع قدم تكذيبا صارخا لهذه المزاعم فلا ضيق الوقت ولا شحة الفراغ ولا اختراع منافسات مرئية للكتاب حذفته من قائمة المبيعات ، وثمة كتب بيع منها الملايين في نطاق اللغة الواحدة ، لانها تلبي حاجة روحية عميقة ، او تعد من يقرأونها بتقديم اجابات ولو تقريبة على أسئلة تأرقهم .
واننا لنعجب من الذين يرددون عبارة لا وقت للقراءة ، عندما نراهم يبددون ساعات في الثرثرة عبر الهواتف الجوالة ، او يقضون ساعات طويلة في التجوال في الاسواق ، ارضاء لنزعة استهلاكية يشحذها الاعلان ، او تهربا من الوحدة ومواجهة الذات ، وبالتالي مساءلتها عما انجزت .
والقراءة عادة وتربية ، وتوجيه مدرسي وعائلي ، لهذا لن يقبل عليها اناس يرون في الكلام نقيضا للافعال ، ومجرد فقاعات في الهواء ، وجاء التقليل من شأن الكلام من عدة مصادر طارئة في حياتنا وثقافتنا ، خصوصا في هذه الحقبة التي سادت فيها بطالة روحية و استنقاع ذهني .
وقد يكون انخفاض منسوب القراءة وعلى نحو كارثي في عالمنا العربي مسؤولا الى حد كبير عن اغتراب الناس وانقطاعهم عن اهم القضايا المصيرية التي تصوغ مستقبلهم ، وتحدد مساحة وعيهم وحرياتهم . فالجهل لا مساحة له .. انه اشبه بالفوضى التي لا تقبل الاحصاء .. والتي يصعب قياس نقصانها او زيادتها ، لهذا ما ان يبدأ الانسان باكتشاف جهله حتى يكون قد شرع في تثقيف ذاته ، لان الوعي بالداء هو اول الدواء .
فهل يصح للعاطلين بأكثر من مقياس ان يجهروا من ضيق الوقت ؟
وهل من حق من يتكلم خمس ساعات في اليوم عبر الهاتف حول شؤون صغرى وعابرة ان يشكو من شحة الفراغ ؟
ان التذرع من ضيق الوقت لا يحمي من أداروا ظهورهم للقراءة من مسؤولية المساهمة في شقائهم ، ويبدوا ان الاقبال على القراءة او العزوف عنها لا صلة لها بالمواعظ ، فالامر متعلق جذريا بالتربويات ، وما ترسخه من عادات حميدة واخرى خبيثة
لكم تحيتي وحبي
دفء البوح