قال تعال (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281].
إنّ سعادةَ القلب وسرور النفس وطيبَ العيش وصفاء الحياة غايةٌ يسعى إليها الناس جميعًا، وهدفٌ ينشده الخلق كافة، وأملٌ يرجو بلوغَه العقلاء عامّة، فتراهم يعملون كلَّ وسيلة ويتَّخذون كلَّ سبب ويركبون كلَّ مركب يبلغون به هذه الغايةَ ويصلون به إلى هذا المراد. غيرَ أنّ من أنار الله بصيرتَه وألهمه رشده يعلم أن سلامةَ الصدر مِن الأحقاد وبراءَته من الضغائن وصيانته من الشحناء هو من أعظم ما يدرك به المرء حظَّه من السعادة، وينال به نصيبه من النجاح.
إنها سلامة الصدر التي تبدو واضحةً في حبه الخير للناس جميعًا وسروره بما يسوق الله إلى عباده من نِعم، وفي براءة نفسه من حمل الحقدِ على إخوانه وإضمار الضغينة لهم،
أقرأ قولَ النبي حين سأله عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أيّ الناس أفضل يا رسولَ الله؟ قال: ((كل مخموم القلب صدوق اللسان))، قيل: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: ((هو التقيّ النقيّ، لا إثم فيه ولا بغيَ ولا غلَّ ولا حسد)) أخرجه ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح.
إنه لما كان فساد القلب بالأحقاد ناشئا عن طبيعة فردية طاغية وأنانية مستحكِمة فلا عجب أن يغدوَ معولَ هدم في بنيان المجتمع المسلم القائم على قواعد الإيمان ووشائج الحبّ المشترَك والودّ المشاع والتعاون الوثيق. ومن المعروف أن الناس متفاوِتون في أفهامهم متبايِنون في مشاربهم مختلِفون في صفاتهم، وأن التقاءهم في دروب الحياة ومشيَهم في مناكب الأرض قد ينشأ عنه ضيقٌ وانحراف بل صِدام وتنافر؛ ولذا كان درء بوادر الخصومات قبل أن يستفحلَ أمرها وإهالة التراب على أسباب العداوات قبل أن تضطرم نيرانها، كان هذا مقصدا شرعيًّا عظيما ومنهجا إسلامِيّا قويما، شرعَ الله فيه لعباده من المبادئ والمسالك ما يدفع عنهم عوادي الفرقة وبواعث الشحناء.