بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أُتابع معكم ما بدأته في نظرات في تراث القدوة ..
وأول من أرضعته : ثويبة ، أمة عمه أبي لهب ، هذه ثويبة بشّرت أبا لهب فقالت : ولد لأخيكـ عبد الله ابناً سماه : محمداً .
قال : أنتِ عتيقة .
ومع الرضاع بدأت سيرة الحياة ، وكان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي ليكون أنجب للولد .
وليكون أفصح من يتكلم بالضاد ، رسولنا عليه الصلاة والسلام ، الذي ما تلعثم في كلمة ، ولا توقف في خطاب .
فليس هناكـ رجل أفصح منه صلى الله عليه وسلم ، فقد كان يرتجل الخطبة ، ويتكلم في الجماهير .
تكلم في الحج في مائة ألف ، قالوا : فأوصل الله تعالى كلامه حتى بلغ كل أذن ، والناس كانوا في الخيام ، وكان إذا صعد المنبر سُمع للقلوب أنين من البكاء ..
هذا هو رسولنا صلى الله عليه وسلم ، وكانوا يقولون : إن المُربى في المدن يكون قليل الذهن ، فاتر العزيمة ، وهذا أمر ملاحظ مشاهد ، فأبناء المدينة ، إذا ما فتقوا أذهانهم بالعلم ، والتربية الصحيحة ، كانوا بلداء أغبياء ، ليسوا كأبناء القرى .
أحد المؤرخين يقول : إن عظماء العالم حتى في الغرب كلهم من أبناء القرى ، وحتى المشاهير ليسوا في المدن ، والمدن تحبس من قدرة الإنسان ، وتجعله ـ إلا من رحم الله ـ جباناً .
فالمقصود : أنه تربى صلى الله عليه وسلم في بني سعد ، كانوا من جيران الطائف ، فأخذته حليمة السعدية ترضعه ، وكانت لها ناقة عجفاء ، فلما ركب الناقة محمد صلى الله عليه وسلم ، مشت الناقة كأحسن ما يكون ، فلما وصل إلى الدار كانت ديارهم مجدبة ، لا عشب فيها ، ولا لبن ، ولا ماء ، فلما نزل صلى الله عليه وسلم وصل الغيث ، بإذن الله ، ونبت النبات ، وثار الزهر ، وحلبوا من اللبن ، وذلكـ فضل الله سبحانه وتعالى .
أما زوجها ، فهو : أبو كبشة ، وهو الذي كانت قريش تنسب له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حينما يريدون الإستهزاء به ، وقد فعلها أبو سفيان عند هرقل لما أُرسل صلى الله عليه وسلم بالنبوة .
وقد أرسل صلى الله عليه وسلم رسالة إلى هرقل عظيم الروم جاء فيها :
[ بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ، السلام على من اتبع الهدى . أما بعد : فأسلم تسلم يؤتكـ الله أجركـ مرتين وإن توليت فإن عليكـ إثم الأريسيين : " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشركـ به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله " [ آل عمران : 64 ] . ] .
ولما وصلت الرسالة هرقل أقامت له الدنيا ، لأن الخطاب يحمل تهديداً .
فجمع هرقل القساوسة ، والبطارقة ، والوزراء ، والحجاب ، ثم دعا أبا سفيان ، فسأله عن الرسول صلى الله عليه وسلم بما يقارب عشرة أسئلة ، ثم قال : أخرجوه .
قال أبو سفيان : لقد أَمِرَ أَمُرُ ابن أبي كبشة ، أنه يخافه ملكـ بني الأصفر .
ونعود إلى رضاعته صلى الله عليه وسلم عند حليمة ، فقد درت البركات على أهل ذاكـ البيت .
يقول : الكريم إذا نزل في مكان ، يسيل ذهباً ، والماء يقوم ويحيا .
كانت مدته صلى الله عليه وسلم التي رضع فيها ، وبقي في البادية ، تقرب من أربع سنوات ، عليه الصلاة والسلام ، وفيها وقعت حادثة شق الصدر ، عندما كان صلى الله عليه وسلم في البادية يرعى هو وأخوه من الرضاعة من حليمة .
هذا الطفل الذي يرعى الغنم ، أصبح يرعى الملوكـ ، ويرعى الدول ، وأصحابه بعد خمسة وعشرين سنة من مبعثه ، حكموا اثنتي وعشرين دولة من دول العالم ، بل بعد ثلاثين سنة دخلوا قرطبة مهللين ، مكبرين ، وطشقند وتركستان ، والجنج ، ، ووقفوا على مشارف السند ، يرفعون : لا إله إلا الله محمد رسول الله .
هذا الذي يرعى البهم خرج في الصباح يرعى الغنم ، وحصلت له وهو بينهم ، حادثة مهمة ، وهي : شق صدره ، وإخراج حظ الشيطان منه .
وكلُ منا فيه مرارة سوداء ، هي موطن للشيطان ، إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأُخرجت المرارة السوداء منه على يد الملائكة ، فسقطت هذه المرارة السوداء ، فلا يأمره الشيطان ، ولا يقربه الشيطان أبداً .
فأحدث ذلكـ عند حليمة خوفاً وردته إلى أمه .
لقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم حياة الحرمان ، فقد مات أبوه ، وأمه به حامل ، ثم ماتت أمه ، فكفله جده عبد المطلب ، فمات جده ، فكفله عمه أبو طالب ، فمات عمه ، فالتفت إلى خديجة ، فماتت خديجة ، لماذا ؟
قال بعض الحكماء : حتى ينفصل من كل صلة غير صلة الله تعالى ، وتكون صلته بالواحد الأحد : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبكـ " [ محمد : 19 ] .
ثم إن أمه أخذته من حليمة ، وتوجهت به إلى المدينة لزيارة أخوال أبيه ، بني عدي بن النجار ، وكانوا يحبونه .
ولما هاجر صلى الله عليه وسلم ، كانوا أول من خرج من كل قبيلة من الأنصار ، وكانوا ما يقارب ثمان قبائل ، خرجت كل قبيلة بالسيوف والرماح يعرضون ويرفعون السيوف .
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
طلع البدر علينا = من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا = ما دعا لله داع
أيها المبعوث فينا = جئت بالأمر المطاع
جئت شرفت المدينة = مرحباً يا خير داع[/poem]
فكان يبتسم ويحييهم ، وهو على الناقة صلى الله عليه وسلم ، وهم يريدون أن يأخذوا بزمام الناقة ، حتى يشرفوا بضيافته فيقول : ( دعوها فإنها مأمورة ) رواه البخاري . اتركوها حتى تبركـ هي في مكان يناسبها .
فسبحان الله ! لقد تركت الناقة كل بيت في الأنصار ، وذهبت إلى بني النجار ، فخرجوا جواري الأنصار ، وقالوا :
[poem=font="Simplified Arabic,4,black,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4,gray" type=0 line=0 align=center use=ex num="0,black"]
نحن بنو النجار = يا مرحباً يا خير جار[/poem]
فنزل صلى الله عليه وسلم عند أبي أيوب الأنصاري .
وللحديث بإذن الله بقية .
[align=left]* رحمةً للعالمين / د. عائض القرني .[/align]