كم ثمن صاحبك




ربما مرّ على بعضنا المثل الشّعبي المعروف عند كبار السنّ خاصةً
حيث يُروى على شكل حوار بين شخصين
يسأل أحدهما الآخر : ( بكم بعت صاحبك ؟ )
فيرد عليه الآخر : ( بتسعين زلّة ) أي خطأ
فيقول له الأول : ( أرخصته ! ) أي بعته بثمن زهيد !
وقد يُحكى أحياناً بثمنٍ أكثر من ذلك ، فقد يقولون بألف زلّة !
وكلاهما يُعتبر ثمناً بخساً حينما يتأمل الإنسان في صاحبٍ يعتبر كنزاً ..
في زمن قلّ فيه المخلصون الصادقون إلا فيما ندر !


نستغرب من شخصٍ غفر لصاحبه تسعاً وثمانين زلة ثم بعد زلّته التّسعين تخلّى عن صداقته ؟
وعلى العكس : هل فعلاً لازال هناك أشخاصٌ يعتبرون التسعين أو الألف زلّة رخيصةً كــ ثمنٍ لأصحابهم ؟!
فأصدقاؤهم برأيهم لا تساويهم كنوز الأرض !





والغريب عندما نرى في واقعنا أشخاصاً يهجرون أصدقائهم بعد ثلاث زلّات ( أحياناً )
هل هانت علينا مثل هذه الصّداقات الثمينة لنرخصها بثمنٍ بخس ؟
وهل يُعتبر من الشّرع تطبيق الهجر أو المقاطعة أو البعد على من تربطنا معهم أخوةٌ في الله لأجل أخطاءٍ ( عادية ) ؟
وهل نعتقد أن قلوبهم تحتمل قرارات مُدمرةٍ كهذه بحجةِ التأديب ..
ليرجع ذاك الهاجر بكلّ ثقةٍ وبرودٍ فــ يُعيد حبالَ الوصل كما تشتهيه نفسه ؟
ويفترض أن
القلوب المكسورةستعود كما كانت معه .. !
بل ربما تزيد
محبةً له حين أراد أن يُشعرهم بأهميّته فابتعد عنهم وهجرهم ؟!!





لماذا أصبحت بعض المشاعر لعبةٌ رخيصةً في أيدي البعض ؟
وهل أصبح الإفصاح عن المحبّة والمشاعر جريمةٌ تعاقب عليها قلوب الآخرين ؟
ألم يقل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمعاذ : ( يا معاذ ، والله إنّي لأحبّك ) ؟ فأين العيب في هذا ؟!
وكيف تُجبر كسر عزّة الأنفس بعد أن طرقتها مطرقة الأهواء ؟
كيف يعود القلب لصفائه بعدما حطّمه جبروت أحبابه ؟
كيف نتخلّص بسهولةٍ من أصحابٍ بذلوا لأجلنا الكثير بسبب زلةٍ يُعظمها الشّيطان في صدرونا ؟
وكيف نتخلّى عن جميل الذكريات معهم كورقةٍ نرميها باستخفافٍ لــ تطؤها أقدامنا بلا مبالاة ؟



فلنتأمّل في واقعنا .. في حياتنا .. في أقربائنا وأحبّتنا
كم بعنا الثمين منهم بزهيد الثّمن ؟ كم خسرنا قلوباً قد أحبّتنا بصدقٍ لكنّها أخطأت مرةً أو مرات ؟
ومن ذا الذي
لا يخطئ ؟
أليس الكريم الرّحيم يغفر الذّنوب جميعاً وإن بلغت عنان السّماء ؟ ( ولله المثل الأعلى )
فلماذا تحجرّت قلوبنا وقست فلا تسمح بالعفو ولا تغفر وتحسب الزلّة تلو الزلّة ؟
وندير لهم ظهورنا ونغلق دونهم أبوابنا وقلوبنا ؛ فلا نسمع لهم توضيحاً أو تبريراً !
ولا نقبل منهم اعتذاراً ولا أسفاً !






وهل أصبحنا لعبة في أيدي شياطين الإنس والجن لنهدم صروح المحبّة [ في لحظة ] ؟
فهل سنعيد حساباتنا لنسترجع كنوز القلوب الثّمينة التي بعناها بأيدينا ؟
وهل سنتمسك بالجواهر النفيسة مما تبقّى حولنا من أحبّتنا ونغفر لهم زلّاتهم ونصفح عن أخطائهم ؟


إن القيمة الحقيقة لأيّ شخصٍ حولك لن تظهر إلا عندما تخسره بلا عودة !
وذلك عندما تواريه الثّرى وتجلس على شفيرِ قبره تذرف دموع النّدم والأسى !




كنْ مُتسامحاً واعفُ وسامحْ واغفرْ
فأنتَ في دنيا زائلة .. ولا تعلم من ينفعك في أخراك !
فبعض القلوب الصّادقة لن تتكرّر
وإن خسرتها .. فقد لا تعود أبداً !